لم يحرز الذكاء الاصطناعي تقدمًا تكنولوجيًا فرديًا في التعلم الآلي، وتحليلات البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي التوليدي فحسب. بل أصبح يمثل قوة مشتركة أحدثت ثورة في طريقة عملنا.
لذا دعونا نستكشف عبر السطور القادمة كيف تعيد الثورة التي أحدثتها هذه التقنيات تشكيل وظيفة الموارد البشرية ودورها المتطور بشكل كبير.
دور الموارد البشرية وتحدياته
يتمحور دور الموارد البشرية بطبيعته حول الأشخاص. وبالتزامن مع مشهد العمل في عالم اليوم الذي يشهد تحولاً كبيرًا. تواجه الموارد البشرية الكثير من التحديات. في مقدمتها ما يلي:
التحدي الأول:
أفسحت نماذج التوظيف التقليدية بدوام كامل المجال أمام قوى عاملة أكثر تنوعًا بأدوار وعقود ووظائف بدوام جزئي وفرق الاستعانة بمصادر خارجية. وهنا جوهر المشكلة؛ فهل وظيفة الموارد البشرية الحالية، التي تركز في المقام الأول على الموظفين بدوام كامل، مجهزة للتعامل مع هذه القوى العاملة المتطورة؟
هل تتمكن الموارد البشرية من توظيف العاملين المستقلين وإشراكهم وتعويضهم بشكل فعال؟ فيوجد احتمال ألا يكونوا مستعدين بشكل كامل.
التحدي الثاني:
ويتعلق بتركيبة قوة العمل؛ حيث يشير أحد التقديرات إلى أن قوة العمل بدوام كامل سوف تنخفض بشكل كبير من 100% اليوم إلى أقل من 20% في القريب العاجل.
على سبيل المثال: تمر شركات عديدة، مثل شركة TMI Group، بالفعل بهذه المرحلة؛ حيث يعمل أقل من 50% من القوى العاملة بدوام كامل.
هل يفهم فريق الموارد البشرية كيفية إنجاز العمل بنحو 80% من القوى العاملة المنخرطة في أشكال أخرى من التوظيف؟
التحدي الثالث:
وهو الاتجاه الكبير الذي يدور حول “مكان إنجاز العمل”؛ إذ طورت وظيفة الموارد البشرية الخبرة لدى الموظفين العاملين من المكاتب أو المصانع. وأصبح “العمل من أي مكان” هو النموذج الجديد، سواء كان من المنزل أو أي مكان بعيد في عالم اليوم.
ومع ذلك يعد الوقت الذي يقضيه الموظف في المكتب مقياسًا رئيسيًا للجهد المبذول.
وبالتالي أصبح نظام الحضور أمرًا بالغ الأهمية. ولكن عندما يعمل الموظفون عن بعد لا يمكن أن يكون الوقت هو المقياس الرئيسي، ومتى تعمل، ومدة عملك ليست ذات صلة، ثم كيف نقيس الموظفين. لذا يجب أن تعتمد وظيفة الموارد البشرية على الإنتاج اليومي كمقياس لمؤشرات الأداء الرئيسية.
وبناءً على ما سبق: هل يعرف قسم الموارد البشرية كيفية الانتقال من نماذج قياس المخرجات الزمنية إلى اليومية؟
التحدي الرابع:
وهو كبير بدوره أيضًا لأنه يسلط الضوء على عصرنا الحالي عصر “الأتمتة”، الذي يتطلب أن يعمل الإنسان والآلة معًا. ومن المتوقع أن تتم أتمتة المهام المتكررة، كما ستتم أتمتة العمل القائم على القواعد.
وهذا يعني إعادة كتابة أوصاف الأدوار، والأهم من ذلك أن الجزء البشري من الدور سيصبح أكثر تخصصًا. لذا يجب أن تتعلم وظيفة الموارد البشرية العمل مع مجموعة من المتخصصين ليس لهم ولاء لرواد الأعمال، أو تخوف من فقدان الوظيفة.
وهو ما يدفعنا للتساؤل: كيف نحفز هؤلاء المتخصصين؟. ومن الأمثلة الرائعة على ذلك صناعة السينما التي تضم ممثلين، ومخرجين، وفرق تصوير، وفرق إنتاج. وتعمل من مشروع إلى آخر، وفي كل مرة مع مجموعة مختلفة من الأشخاص.
فإذا طلبنا من أحد قادة الموارد البشرية إدارة المتخصصين في صناعة السينما هل يكون ذلك بمثابة كابوس بالنسبة له؟
كما تعاني الموارد البشرية حتى يومنا في مراكز البحث والتطوير وداخل الجامعات. هل يتعلم قسم الموارد البشرية كيفية استخراج العمل من المتخصصين؟
التحدي الخامس:
وهو موقف الجيل Z تجاه العمل، والذين يفتقدون لعنصر الولاء. فلا يهتم الشباب إلا بأدوارهم ورواتبهم فحسب ولا يهتمون كثيرًا بالولاء لرواد الأعمال.
في حين تقلصت مدة الترقي للدرجات الأعلى، وانخفضت مدة الخدمة الأمامية والإشرافية إلى أقل من 12 شهرًا. بينما بلغت مدة الإدارة الوسطى أقل من سنتين، ومدة خدمة كبار المديرين أقل من 3 سنوات.
ولكن هل يعرف قسم الموارد البشرية اليوم حقًا كيفية إدارة واستخراج النتائج من الموظفين الذين لديهم فترات عمل قصيرة؟
والسؤال الأشمل، والذي يجب على قسم الموارد البشرية أن يطرحه على نفسه. كيف نبقى على صلة بالمؤسسات عندما تحدث الاتجاهات الخمسة المذكورة أعلاه في وقت واحد. والتي من المتوقع أن تصبح في غضون عشر سنوات هي القاعدة؟
مستقبل الموارد البشرية
وضع “ديف أولريش” نموذج الموارد البشرية الذي تم نشره عام 1995 ويبلغ عمره أكثر من 30 عامًا. لتتوافق وظيفة الموارد البشرية مع الأعمال التجارية. ولمساعدة هذه الأخيرة في تنظيم الأدوار والمسؤوليات عبر أقسام الموارد البشرية.
وتطورت وظائف الموارد البشرية في المؤسسات على مدار الـ 75 عامًا الماضية. بدءًا من إدارة العمل إلى إدارة الأفراد؛ إذ نجحنا في أتمتة العديد من عمليات الموارد البشرية التي تزيد على 18 عملية.
وعلى الرغم من أن قسم الموارد البشرية أتقن اليوم فن مواءمة العمليات في اكتساب المواهب وتطويرها، وإشراك الموظفين، وإدارة التعويضات. فإنه حان الوقت لتنتقل الموارد البشرية إلى ما هو أبعد من إتقان العمليات فحسب؛ حيث تغيرت المخاطر ويجب أن تتجاوز الموارد البشرية النتائج.
على سبيل المثال: كان على قسم الموارد البشرية سابقًا أن يضمن التوظيف في فرق عمل الخطوط الأمامية بأقل تكلفة وبما يتماشى مع نمو الأعمال.
ولكن اليوم يجب على الموارد البشرية أن تذهب إلى أبعد من ذلك لضمان بقاء الموظفين وسرعة أدائهم.
كان نظام إدارة الأداء PMS أحد المجالات التي ظلت سائدة في السبعينيات تقريبًا. والذي تم إنشاؤه لإدارة العمليات ذات الجداول الزمنية والمكافآت، وكان دور الموارد البشرية هو ضمان الامتثال، ولكنها تخلت عن هذا الدور وتركت عملية استخراج الأداء للمديرين التنفيذيين.
وفشل نظام إدارة الأداء في التعامل مع واقع العمل الجديد وتحديات استخراج الأداء وسط هذا العالم، أما في عالم اليوم فتغير دور الموارد البشرية الآن إلى تصميم أداء الموظفين فحسب.
إدارة رأس المال البشري
الإجابة ببساطة: إنه أداء الموظفين، الموظف بدوام كامل، أو بدوام جزئي، أو الموظف المدرج، أو الموظف الخارجي؛ أو الموظف الذي يتقاضى راتبًا، وحتى العامل. هذا هو مستقبل إدارة رأس المال البشري؛ لذا يجب أن يصبح موظفو الموارد البشرية خبراء في فهم وهندسة استخلاص الأداء لكل دور.
ولا شك أن ذلك سيؤثر في كل وظيفة فرعية للموارد البشرية. إن التوظيف لملء الوظيفة الشاغرة يصبح توظيفًا للأداء السريع، والحث على مشاركة الموظفين تحريض على الأداء السريع.
استخراج الأداء المبكر
في عالم العمل الجديد الذي نشهده يتناقص ولاء الموظفين، وتتراجع ارتباطات الموظفين، ويتزايد الاستنزاف. ولا يقتصر التحدي الذي يواجه إدارة رأس المال البشري على الاحتفاظ بالموظفين فحسب، ولكنه يمتد إلى استخراج الأداء المبكر لهم.
تحليلات البيانات واستخلاص الأداء
كانت سياسات الموارد البشرية منذ استحداثها، وعلى مر السنوات السابقة، مقترنة بفلسفتها التي نصت على أنه يجب على المؤسسات اتباع سياسات طويلة المدى توفر البيئة المناسبة للموظفين للتفوق في العمل، ويعد الأداء نتيجة لهذه السياسات.
ومع ذلك لن ينجح هذا عندما تكون القوى العاملة الآن قادرة على التعامل مع المتغيرات ولديها فترات عمل قصيرة. نحن بحاجة إلى فلسفة جديدة للموارد البشرية للمستقبل تعترف بفلسفة القوى العاملة الراهنة.
فلسفة إدارة رأس المال البشري
يأتي كل فرد للعمل لسبب ما، وهو في المقام الأول المصلحة الذاتية، قد يكون الراتب، أو تحديات العمل، أو جو العمل. وبالمثل تتولى المنظمات إشراك القوى العاملة لتحقيق المصلحة الذاتية؛ بحيث تتناسب نتائج العمل مع رواتب الموظفين. وهذا يضع أداء الأشخاص في مركز إدارة رأس المال البشري.
ما هو أداء الأفراد؟
يشمل أداء الأفراد ثلاثة مكونات؛ المكون الأول: النتائج التي يريدها رواد الأعمال، وعادةً ما تتأخر، على سبيل المثال: بالنسبة للبائعين الذين يبيعون قروض المنازل فإن النتائج هي قيمة قروض المنازل التي تم صرفها، ولكن يتم قياسها والإبلاغ عنها بعد انتهاء الشهر.
في حين يعد المكون الثاني: المخرجات التي تتمثل في الناتج اليومي الذي يتم تحقيقه يوميًا من خلال المخرجات الكمية والنوعية في عدد قليل من المهام. والمكون الثالث والأخير: الوقت الذي يتم قضاؤه في السوق وأنشطة المبيعات.
لا شك أنه يتعين على الموارد البشرية أن تبذل جهدًا أكثر بكثير من مجرد مواءمتها مع الأعمال، فينبغي أن تتقاسم أعمالًا مشتركة مع المدراء المباشرين لتقييم أداء الموظفين في بيئة العمل الجديدة المتغيرة، ويجب أن يحدث ذلك على الفور.
بقلم: ت. موراليداران
المقال الأصلي: هنا