قد يكون لموضوع كوفيد 19 يد في ذلك؛ إذ تخلّى كثيرٌ من أرباب العمل عن موظَّفيهم، لكنَّ هذا ينطبق فقط على أصحاب الأعمال الصغيرة أو الخاسرة، وتبقى شريحة كبيرة من المنظّمات محليّا في قوة مالية مدعومة بشتّى الطرق، وتمارس أعمالها كما في السّابق.
لنبدأ أولًا بحقيقتين: الأولى أنّ رب العمل يخسر كثيرًا ليوظف شخصًا واحدًا، ويخسر أكثر بالتّخلّي عنه والبحث عن غيره، والأخرى أنّ الرّاغب في التّوظيف أجهده البحث، وحالته المالية سيّئة، ولديه استعداد لبذل أقصى جهده ليستقرّ في وظيفة، فإذا كان كلاهما متفانيًا في الحفاظ على الآخر فأين تكمن حلقة الوصل، التي بناءً عليها تنخفض نسبة البطالة (-1) في المؤشّر؟
من خلال استقصاء شخصي بسيط لعدد من المبتعثين في الولايات المتحدّة، ممن يُتاح لهم فرص عمل أثناء الدّراسة وبعد التّخرج قبل الرجوع للوطن، اتضح لي أن الجميع يفضّلون العمل قبل الرّجوع؛ وذلك لما يلي:
كل صاحب عمل يطلب خبرة لا تقل عن عامين في الوطن، بينما يقبلني صاحب العمل في الولايات المتحدة بلا خبرة.
يبذل جهدًا في تدريبي على رأس العمل من خلال موجّه (كوتش) فأتعلّم أكثر وأسرع.
يدفع لي مالا يقل عن راتب البعثة أو أكثر، مما لا أجده في أي وظيفة أرجع لها بدون خبرة.
ولكن يشتكي كثير من الموظِّفين من تدنّي مهارات وأخلاقيات المهنة لدى المواطن، لكنَّ هذا لا يعني أن ندير ظهورنا له؛ فتوظيف المواطن مسؤولية، ويتطلب قيام صاحب العمل بتدريبه وتأهيله، ولكن كيف؟
تدلّ الإحصائيات العالمية على أنَّ أفضل تدريب وتنمية يتمان على رأس العمل، ولا سيما تلك التي يتبعها توجيه (كوتشنج) مباشر من المشرف أو الرئيس.
وتجربتي الشّخصية كباحثة وموجّهة قيادية محليًا وعالميًا، أثبتت لي أن كلّ من يمرّ معي بالتّوجيه يتميّز ويتعلّم (إن كان شابّا موظفًا) أو يصبح قادرًا على احتواء وتوجيه موظفه (إن كان قائدًا)؛ إذ لا يقتصر القائد النّيوكارزمي على تحسّس الاحتياجات بصمت، بل يملك ذكاء المشاعر التي على رأسها “التّفهم” Empathy بمستوياته الثّلاثة؛ وهي نفسها جدارة أي موجّه معتمد عالي المهارات.
ومن هنا، نستنتج أن ما ذكرته لا يكتمل إلا بتغيير جذري لدى صنّاع القرار من القادة أوّلا؛ بتوظيف حديثي التخرّج بفترة تجريبية، وبشرط الأداء وغيره، برواتب عادلة ومنصفة ولو بدون خبرة، وتحمُّل المخاطرة فيهم، وتدريبهم على رأس العمل، وتوفير موجّهين لهم؛ لأنّ ثقافة التّوجيه شبه معدومة محليًا.
لابد أن يتبنى القائد التّوجيه- بشكل شخصي- ويكون هو أوّل من يتدرّب مع موجّه ليتمكّن من الصّنعة؛ فالملاحظ أّنّ ميزانية التطوير تذهب للتدريب والدورات التدريبية التي أثبتت الدراسات أنها قد تكون مضيعة للوقت، إذا لم ترتكز على تحليل احتياجات دقيق، أو تقييم جدارات مقنّن ومدروس من خلال إحصائيات ودراسات؛ كتلك التي يستخدمها مزودو التقييمات العالمية.
لذلك، ندرك أن سبب البطالة هو انعدام قدرة القائد على التّوجيه، واقتصاره على أساليب منفّرة ومسببّة لمشاعر سلبية تجعل مغادرة الوظيفة والبحث عن غيرها أمرًا حتميًا، وتجعل خسارة صاحب العمل في البحث عن موظف آخر خسارة فادحة وترفع رقم البطالة (+1) في المؤشر، أو رفض صاحب العمل أن يتعب مع المواطن، ويبذل جهدًا في تأهيله وتوجيهه.
لا تنسَ أخي القائد- صانع القرار- أن تتجاوز عن موضوع الخبرة السّابقة، وتستبدله بتوجيه مستمر على رأس العمل، وتستبدل الدّورات التدريبية ذات الرّفاهية والميزانيات الضّخمة بموجّه قيادي يعمل معك على مدار السّاعة؛ ليكسبك أنت أوّلا مهارات التّوجيه، ويكسب فريق عملك ومن يعمل لديك قوّة القيادة النّيوكارزمية؛ فالقدوة هي أقوى طرق التّأثير.
اقرأ أيضًا:
كورونا.. وقوة الاقتصاد السعودي