لم يعد الاهتمام بالحاضر الشغل الشاغل للكثير من جيل الألفية الذي يسعى للتوفيق بين الحياة العملية والشخصية، وبينما يهذي بسبب دوائر لا تتوقف، وتروس عقله تسير وفقًا للتفكير الزائد –ومن منّا لا يعاني منه حاليًا– فإنه يغفل الأمور الأساسية والمهمة التي يمكنها أن تتغيّر في المستقبل.
تزخر الحياة بالكثير من الأحداث الضرورية وغير الضرورية التي يمكنها أن تؤثر في قراراتك اليومية، ففي اليوم الذي تقرر الاسترخاء فيه قد تصيبك عاصفة من الأحداث الطارئة، وفي الوقت الذي تخطط للعمل الجاد تجد نفسك أمام ما قد يبدو أنها مؤامرات كونية لإيقاف شعلة حماسك، وهكذا العديد من الأمور التي تعمل وفقًا لمقولة: “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”.
لم يكن الرد قويًا بالقدر الكافي على هذه المقولة الشهيرة؛ فالسفن التي تجري في البحور كما نشتهي تحتاج إلى الكثير من الاجتهاد للعمل على الاهتمام بالحاضر، فتلك اللحظة التي تصادف فيها العاصفة لا تحتاج سوى التركيز على تخطيها، والموقف الذي يقف حاجزًا أمام أحلامك لا بد وأن ينتهي بمثابرتك لتجاوز اللحظة الراهنة.
تنظيم وقت النوم.. عادات محبي السهر تهدد إنتاجية العمل
لا يعني الاهتمام بالحاضر أن تترك الماضي كليًا وتمضي إلى المستقبل بكل سرعة وتهور، بل إن الحاضر بكل ما يحمله من معانٍ يعتمد بالضرورة على الماضي، فضلًا عما سيأتي والذي يعتمد أيضًا على ما سيكون في الغد القريب ماضيًا.
بعد مرور العديد من الأيام، الشهور، والسنوات قد تدرك أنك ضحيت بالكثير من أجل شيء ما، أو حلم ما، أو شخص ما، فالتضحية قد تكون جزءًا من شخصيتك دون إدراك ذلك، لكنك وفي الوقت نفسه تبحث عن ذاتك التي قد تضيع بفعل المواقف المؤلمة، والذكريات الطفيلية التي تتغذى على حياتك.
كيف تبدأ رحلة الاهتمام بالحاضر؟
“لا تجعل الذكريات التعيسة والمستقبل المجهول يلهيانك عن الحاضر الجميل” تلك الكلمات التي تبدو استثنائية في فيلم هندي شهير قد تكتب صفحة جديدة في كتاب حياتك. يمكنك أن تقلب صفحة الماضي كليًا، ويمكنك أيضًا أن تكتب القليل من الملاحظات التي تعتمد فيها على الدروس المستفادة مما سبق، بل إن الاختيار يتسع لديك لتشتري كتابًا جديدًا وتبدأ من الصفحة الأولى.
أخطاء تنظيم الوقت.. خطة التغلب على المعوقات
هل الحياة تعطيك الفرص؟ الإجابة تعتمد على خبراء علم النفس والاجتماع الذين أجمعوا على رأي – ولعله من الغريب إجماعهم على أمر ما– يتمثل في إمكانية الفرد على التخطي والتخلي والعبور سليمًا إلى عالم جديد؛ عن طريق الاهتمام بالحاضر.
لم يكن رواد الأعمال في العقود السابقة يحتفلون بالأسبوع العالمي لهم، أو باليوم الدولي لإنجازاتهم، لكن الماضي هو من تحكم في حاضرهم، وأصبح من المعقول جدًا أن ينظروا بابتسامة –حتى وإن كانت مريرة– إلى ما مر، فكل مُر سيمُر.
إدارة الوقت للمستثمرين.. خطوات تختصر الطريق
رحلة لا بد منها
يعتمد الاهتمام بالحاضر في المقام الأول على إمساك طرف الخيط الخاص بالماضي، والتقاط ما يمكنه تأسيس مستقبل سوي، فأنت أولًا وأخيرًا تسعى إلى الحصول على حياة سوية؛ ما ينعكس على طبيعة عملك وقدرتك على التعاطي مع الأشخاص والأشياء، والآن هل عرفت ما يجب التمسك به؟
إذا كانت الإجابة بـ “لا” يمكنك أن تسمح لنفسك بالغوص في الماضي كليًا والاستمتاع بحزنك العميق كالأطفال، والبكاء حتى تتورم عيناك أو تضحك ملء فاك؛ استعدادًا للاهتمام بالحاضر، ونعتذر إذا كنّا سنتدخل في تلك اللحظات الخاصة للغاية، ونخبرك بأنه حان الوقت لتستنشق هواءً عليلًا أو تشاهد فيلمًا جديدًا، أو تتماسك من أجل لحظة تأمل في طفلك الصغير.
وذلك لأن الحزن بكل ما أوتي من قوة يمكن أن يُنسى بسهولة، كما يقول باولو كويلو؛ الروائي البرازيلي الشهير: “إن كان لا بد أن تبكي ابكِ مثل الأطفال. لقد كنت طفلًا ذات يوم، ومن أوائل الأشياء التي تعلمتها في الحياة هو أن تبكي. البكاء جزء من الحياة. إياك أن تنسى أنك حر، وأن إظهار عواطفك ليس عارًا.. اصرخ! انتحب بصوتٍ عالٍ! اصنع ما يحلو لك من جلبة! هكذا يبكي الأطفال ويعرفون أسرع طريقة لكي يعودوا إلى هدوئهم. هل لاحظت كيف يتوقف الأطفال عن البكاء؟ يتوقفون لأن شيئًا ما جذب اهتمامهم! شيء ما يدعوهم للمغامرة التالية. الأطفال سرعان ما يتوقفون عن البكاء، هكذا سيكون الأمر بالنسبة لك؛ لكن ذلك لن يحدث إلا إذا بكيت كالأطفال”.
أما إذا كانت الإجابة عن السؤال السابق بـ “نعم” فنوجه إليك التهنئة؛ لقد حان الوقت لقطع طرف الخيط بجميع ما تتعلق به من الماضي بكل ما فيه، فالسعادة أو الحزن ليسا جزءًا من الواقع، ومن أجل الاهتمام بالحاضر لا بد وأن تترك كل شيء جانبًا.
تأثير تنظيم الوقت في التخلص من القلق
هل قام أحدهم بحظرك من موقع التواصل الاجتماعي؟ هل خسرت كل نقودك؟ هل كنت على وشك الإمساك بطرف الحلم ووجدت نفسك ممسكًا بالوهم بكل قوتك؟
قد تحزن بسبب صديق غادر أو غدر، وقد تسعد بسبب حلم جديد وأمل قوي في الغد، وهنا تجد نفسك تجلس تارة مخيب الآمال وأخرى كالمتأمل الطموح على صخرة بعيدة على شاطئ الحياة، تشاهد من خلالها الجميع يزيفون الفرحة، وينخرطون في جدالات لا طائل منها. والآن يمكنك أن تسأل نفسك من جديد: “هل حقًا كل تلك الأمور مهمة؟”، “من أنت على أي حال؟”، “كيف يمكنك الاهتمام بالحاضر.. حاضرك أنت؟”، و”متى يمكنك النزول من الصخرة والانخراط في الحياة؟”.
تنظيم الوقت بين الوظائف المتعددة.. استراتيجية التوازن
لا يُعد الاهتمام بالحاضر وسيلة للتغلب على الماضي فقط؛ بل إنه طريق النجاة للعبور إلى بر الأمان؛ فلا مجال للاختيار، الحياة بالفعل تعيشها مرة واحدة، ولا داعي للنظر إلى الوراء مطولًا، أو التطلع للأمام دون الإمعان مليًا في صفات الطريق الذي تسلكه.
وأخيرًا كل تلك الأمور التي قد تتبادر إلى ذهنك، وقتما نذكر الماضي أو المستقبل، يمكنك أن تنساها الآن، وتنخرط في الاهتمام بالحاضر الذي يمكنك من المرور بسلام من حالة اليأس إلى حالة الطمأنينة؛ ما يضمن لك رؤية شروق الشمس الجميل عند الوصول إلى الهدف والمقصد.
فكم من شك لا صحة له، وكم من قلق لا أساس له، وكم من فرد يمكنه أن يقضي على حياته بسبب التفكير الزائد فيما مضي أو ما هو آت، ولا تنسَ أن الحياة في أقصى درجات الظلام ستختبر صبرك، وستعمل على مفاجأتك بنور جديد؛ فقط افتح عيون روحك لتراه بوضوح.
اقرأ أيضًا:
الخطة الأسبوعية.. أهميتها وكيفة إعدادها
إدارة وقت المدير التنفيذي.. النجاح يبدأ من قمة الهرم الوظيفي
تنظيم الوقت المؤسسي.. جدوى الإجبار على النظام