ظل الاقتصاد المنزلي بمعناه الواسع مرادفًا للتدبير المنزلي بمفهومه الضيق زمنًا طويلًا، ركنت فيه الأسرة إلى أداء دورها التقليدي في تربية وتعليم الأطفال؛ حيث تؤدي ربة الأسرة المهام المنزلية اليومية اعتمادًا على مهاراتها الخاصة التي لا تتجاوز حدود الاكتفاء بإجادة موازنة مصروف الأسرة مع دخلها.
يقود الحديث عن الاقتصاد المنزلي إلى التمعن في أسلوب التربية الذي يمكن أن يؤدي دورًا أساسيًا في تعزيز الثقافة الاقتصادية لأفراد الأسرة والعائلة. وإذا كان تفسيره بالموازنة بين مصروف الأسرة مع دخلها لايبعد كثيرًا عن الحقيقة، فإنه يبقى مجرد عنوان عريض ينطوي على جوانب كثيرة للمفهوم الحديث للاقتصاد المنزلي الذي يتوجه إلى كل أفراد العائلة؛ باعتبار أن لكل منهم دورًا في إدارة شؤون البيت.
لقد أصبح الاقتصاد المنزلي اليوم علمًا حديثًا يُدرَّس في الجامعات؛ حيث يختص بدراسة وضع الأسرة، وتحديد احتياجاتها على مستوى المنزل والبيئة الاجتماعية المحيطة؛ بهدف رفع مستوى معيشة الأسرة، وتحسين دخلها، وحسن تدبير أمورها المالية على كل المستويات؛ ما يعني ارتباط فاعليته بنشاط اقتصاد البلاد.
يكتسب الاقتصاد المنزلي أهمية كبيرة ومتزايدة في مختلف دول العالم المتقدم، كما أنه يبدو ضروريا في دول العالم النامي؛ ليؤدي دوره في إنجاح مسيرة مواكبة طبيعة التحولات الاقتصادية الكبرى ووتيرتها المتسارعة في عالم متغير، ويبدأ مدعومًا بعوامل حاسمة؛ كحسن إدارة الدخل الأسري مرورًا بترشيد الاستهلاك.
اقتصاديات الأسرة
ونحن بصدد الحديث عن علاقة توجه اقتصاديات الأسرة في ظل المتغيرات نحو ثقافة استهلاكية رشيدة بأهمية مسؤولية، ودور الإعلام، وتأثير الإعلان على جهود التوعية بثقافة الاستهلاك السليم، وعدم الانسياق وراء إغراءات حملات الترويج لسلع كمالية قد لا يحتاجها البيت، ولكن مع ذلك تجد بعض أفراد الأسرة مدفوعين بلهفة لاقتنائها كما لو كانت ضرورية!
أساسيات العيش
وتُعد الجوانب التطبيقية المحددة التي يشملها الاقتصاد المنزلي، من أساسيات العيش في كل بيت؛ مثل السكن وأثاثه ومفروشاته وتجهيزاته ، والغذاء، والملبس، والتربية، والتعليم، والعلاج. وكل جانب منها ينبغي تحديد الهدف منه، وفق المهارات الأساسية لتحقيق هذه الأهداف في أفضل الظروف الممكنة؛ بتقدير أولي لجدوى كل طلب، ثم تنفيذه ومراقبة نتائجه، وتقييم محصلته النهائية.
مؤشرات اقتصادية
هناك مؤشرات اقتصادية أساسية يُدار الاقتصاد المنزلي وفقها؛ وهي:
الدخل
العائد النقدي الذي يحصل عليه الزوجان أو أحدهما مقابل العمل البدني أو العقلي الذي يقوم به؛ مثل أجر العامل وراتب الموظف، أو العائد من استثمار رأس المال، أو ربح تجاري أو ريع عن نشاط زراعي؛ حيث يقدر باليوم لأصحاب الحرف والمهن البسيطة، أو اسبوعيًا أو شهريًا.
-
الاستهلاك
مقدار ما تنفقه الأسرة من الدخل مقابل الحصول على السلع والخدمات، وهو الجاني الأكثر تأثيرًا على حاضر اقتصاد الأسرة ومستقبلها. ولمستوى الوعي أهمية في ترشيد الاستهلاك وعدم هدر الأموال في مصاريف لا طائل منها؛ فيبق حجمه أقل من الدخل.
ولا شك في ضرورة ترشيد الاستهلاك في ظل ظروفنا الحالية، خاصةً في مجالات الطاقة والمياه.
الادخار
ويعني تجنب الإنفاق على الاستهلاك بشكل جزئي، لتحقيق فائض من الدخل. وقد يكون اختياريًا، أو إجباريًا لمواجهة مصاريف إضافية مفاجئة كارتفاع أسعار السلع بشكل يفوق الدخل. وحينها يصبح الفرد أمام وضع عسير يضطره إلى خفض استهلاكه أو استغنائه عن سلع معينة.وتُعد أيضا الزيادة في الضرائب الحكومية نموذجًا آخر للادخار الإجباري تستقطعه الحكومة من مصدر الدخل.
ويحتم التدبير المنزلي السليم أن يكون الإنفاق على الاستهلاك أقل من الدخل الصافي، فمن دون ادخار لا يوجد اقتصاد سليم، سواء على مستوى الأسرة أو البلاد.
الاستثمار
ويعني تكوين رأسمال عيني جديد يتمثل في زيادة الطاقة الإنتاجية؛ بتوظيف فائض السيولة الناتج عن ادخار الأسرة في مجال يدرعليها عوائد إضافية، تمثل زيادة في مدخول الأسرة . إنَّ عدم استغلال المدخرات في نشاط إنتاجي قد يفقدها مع الزمن كثيرًا من قيمتها؛ بسبب التضخم، بينما يمثل الاستثمار زيادة صافية في رأس المال الحقيقي للمجتمع.
الثقافة العامة
تؤثر الثقافة العامة بقوة في اقتصاديات العائلة؛ فكثير من المنازل لجأت إلى الخلايا شمسية بدلًا من مصابيح الإنارة، كما أن التفكير الجدي في اكتشاف مصادر إضافية لزيادة الدخل سيكون أجدى من تقليص الإنفاق على بعض السلع والخدمات.
وبما أن الهدف هو التقدم إلى الأمام في مسار تحسين مستوى المعيشة؛ فإنه سيؤدي إلى نمو الاقتصاد الوطني. ولعل تشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة يندرج تحت إطار إدماج الاقتصاد المنزلي في دعم التحولات الاقتصادية الكبرى الهادفة إلى دفع عجلة التشغيل وتخفيض نسبة البطالة، وتوفير ما يمكن من السلع والخدمات لعموم المجتمع .
الضرائب
فريضة جبرية من دخل الموظف والعامل أو من ثروة الفرد من التركات لصالح السلطات العامة. وهي تختلف عن الرسوم التي لا يدفعها سوى الشخص الذي يريد الانتفاع في مقابلها بالتمتع بخدمة معينة. وتُعد الضرائب والرسوم جزءًا من إنفاق الأسرة، تؤخذ سلفًا، ومنها ضريبة القيمة المضافة المطبقة في أكثر من 150 دولة ، والتي أصبحت من مصادر الدخل الأساسية في موازنات الدول الساعية لاعتماد التخطيط العلمي الصحيح لبناء اقتصاد مستقبلي سليم.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال: