لم تعد مواجهة التنمر في العمل نوعًا من الترف، أو مجرد محاولة لتوفير بيئة عمل صحية ومرحة؛ فالعواقب التي تترتب على التنمر جد وخيمة، ومن شأنها أن تأتي على بنيان الفرد والمؤسسة من القواعد.
تركز كل الأدبيات التي تتطرق إلى موضوع التنمر في العمل على فكرة الضرر النفسي والجسماني الذي يلحق بالموظف فريسة التنمر، لكن الأمر ليس مقتصرًا على هذا فقط، وإنما تُمنى الشركة _التي تنطوي على أكبر عدد من الموظفين المتنمرين_ بخسائر لا حصر لها، أبرزها ارتفاع معدلات الدوران الوظيفي، والتأثير في جودة العمل، وعدم الاندماج الوظيفي، وانتشار حالة من السخط والشك في مكان العمل.
اقرأ أيضًا: التنمر في العمل.. 4 نصائح لمواجهته بذكاء
آثار التنمر في العمل
تُظهر الأبحاث أن التنمر في العمل لا يؤثر فقط في سعادة الفرد ولكنه يضر بصحته، وإنتاجيته، وثقته بنفسه؛ ما يجعل الضحايا يشعرون بالعجز والضعف التامين، وأشارت استطلاعات الرأي، التي أجراها معهد Workplace Bullying Institute، إلى أن 30% من الموظفين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة؛ بسبب عدم تحمل حياتهم العملية.
وأجرت شركة Citation، وهي شركة متخصصة في مجال الموارد البشرية والصحة والسلامة، استطلاعًا لآلاف الأفراد؛ لفهم الأسباب الرئيسية وراء ترك 55% من الموظفين وظائفهم في غضون السنة الأولى.
وأفصحت نتائج الاستطلاع عن حقائق مروعة؛ إذ اعترف 69% من الموظفين بترك وظائفهم خلال العام الأول بسبب الإدارة السيئة، فيما ترك 62% العمل بسبب بيئات العمل العدائية والسامة.
أما النتائح الأكثر ترويعًا فهي تلك التي جاءت في التقرير الذي أصدره The Workplace Bullying Institute، في عام 2017؛ حيث أظهر التقرير أن: 61 % من المتنمرين مدراء، و61% من المتنمرين على دراية بسلوكهم السيئ في مكان العمل، كما أشار التقرير إلى أن 19% من الموظفين عايشوا التنمر في العمل، فيما وقع 19% منهم ضحية مباشرة له، علاوة على أن 29% من الضحايا يظلون صامتين، و65% من الموظفين الذين يتعرضون للتنمر يفقدون وظائفهم، والأغرب أن 80% من النساء يتنمرن على النساء الأخريات في بيئات العمل المختلفة.
اقرأ أيضًا: العمل عن بعد.. ضرورة ملحة أم ميزة كمالية؟
طرق مواجهة التنمر
الآن بعد إدراكنا أننا أمام معضلة حقيقية فما السبيل للخروج من هذا النفق المظلم؟ فإذا لم تكن الشركات أو المؤسسات جادة في مواجهة التنمر في العمل فعلى المرء أن يحمي نفسه من آثاره الوخيمة، ويرصد «رواد الأعمال» بعض الاستراتيجيات والتكتيكات التي تساعدك في ذلك، إليك بعضها:
-
واجه مبكرًا
أحد أهم وأنجع استراتيجيات مواجهة التنمر في العمل أن تواجه الشخص الذي يتنمر عليك في الحال، وأن تقف في وجهه حتى ولو كان مديرك، لكن انتبه من الانزلاق في هوة الصراخ والانتقام، وإنما عليك أن تعبر عن رفضك لهذا السلوك بطريقة مهذبة، وأن تؤكد للمتنمر أنك لا ترضى عن هذا السلوك، وأنك لن تتهاون معه.
هذه المواجهة المبكرة والآنية للمتنمرين تتيح لك أولًا وأد التنمر في مهده، وضمان عدم تمادي المتنمر في سلوكه السلبي، كما أنها تقيك مغبة تأنيب الضمير لكونك لم ترد أو لم توقف المتنمر عند حده.
اقرأ أيضًا: أخطاء الزملاء في العمل وكيفية التعامل معها
-
وثّق الإساءة
لكن لنفترض أنك لم تستطع المواجهة في الحال، ومواجهة التنمر في العمل ليست بالأمر السهل على أي حال، فإن الخطوة الأخرى أو الخطة البديلة هي أن توثق المواقف التي تعرضت فيها للإساءة، ومن أساء إليك، ومن كان حاضرًا من الموظفين.
وإذا كنت على سبيل المثال تخضع للكثير من المهام والتكليفات من قِبل مديرك ثم تفاجأ به وهو يرسل إليك رسائل عبر البريد الإلكتروني يسيء إليك فيها، أو يوبخك وينتقص من قدرك، فإن الاحتفاظ بإساءاته أمر مهم يعينك عندما تحاول الشكوى ضده أو رفع المسألة إلى المستوى الأعلى.
-
اتخذ صديقًا حميمًا
تظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر يتعرضون للإجهاد وعدم احترام الذات، وضعف الصحة الجسدية والعاطفية وضعف الأداء الإدراكي.
وإن كنا نعلم أن العثور على صديق تثق به بنسبة 100%، سواء في العمل أو الحياة بشكل عام، أمر صعب، فإن العثور على صديق حميم تثق به إلى حد بعيد يمكن أن يعينك في مواجهة التنمر؛ إذ يعني هذا أنك لست وحدك، وأن هناك من هو إلى جوارك.
ومن أسف أن أغلب ضحايا التنمر يظنون أنهم سبب المشكلة، وأنهم هم الذين جلبوا التنمر إلى أنفسهم _على الرغم من أن المتنمرين أذكياء للغاية وماهرون في اختيار فرائسهم ولا علاقة للضحية بكونه ضحية من الأساس_ وقد يؤدي الشعور بالعجز والضعف في مكان تقضي فيه ثلث حياتك إلى الاكتئاب وفي بعض الحالات الشديدة الانتحار، ومن ثم فإن العثور على صديق حميم قد يكون طوق نجاتك من التنمر.
اقرأ أيضًا:
استخدام البريد الإلكتروني في إدارة الموارد البشرية
المدير التنفيذي السيئ.. صفاته وسلبياته
راحة الموظفين.. هل تجتمع المتناقضات؟