ليس ثمة طريق مختصر أو مباشر نحو النجاح في عالم الأعمال؛ حيث يقر 93% من كبار رواد الأعمال بأن الرؤى النفسية تؤدي دورًا محوريًا في تحقيق أهدافهم، وفقًا لما أفادت به تقارير “فوربس”. ومع ذلك يظل استخدام علم النفس التسويقي في التطبيق العملي محدودًا؛ إذ لا تتجاوز نسبة الموظفين لهذه الرؤى 12%.
هذا التناقض الصارخ يطرح تساؤلات حول الفجوة بين الإدراك النظري والتطبيق العملي في مجال الأعمال.
علاوة على ذلك يمثل علم النفس التسويقي جزءًا لا يتجزأ من البناء الإستراتيجي لأي مشروع ناجح. فهو يوفر فهمًا عميقًا لسلوك المستهلكين ودوافعهم. ما يمكّن الشركات من تصميم حملات تسويقية أكثر فاعلية. ومن ناحية أخرى يغفل العديد من رواد الأعمال عن أهمية هذا الجانب، وهذا يؤدي إلى ضياع فرص ثمينة في السوق. وبينما يدركون قيمة الرؤى النفسية إلا أنهم يفتقرون إلى الأدوات والمهارات اللازمة لتطبيقها بشكلٍ فاعل.
علم النفس التسويقي
كذلك يتجلى دور علم النفس التسويقي في تحليل اتجاهات السوق وتوقع سلوك المستهلكين. وبينما يعتمد البعض على البيانات الكمية والإحصائيات يتيح علم النفس التسويقي فهمًا أعمق للدوافع الكامنة وراء هذه الاتجاهات. كما يساعد على تحديد الشرائح المستهدفة وتصميم رسائل تسويقية مخصصة لكل شريحة. وعلى رواد الأعمال فهم أن النجاح في السوق لا يعتمد فقط على المنتج أو الخدمة المقدمة، بل أيضًا على فهم العقلية الاستهلاكية.
وفي حين أن 93% من رواد الأعمال يعترفون بأهمية الرؤى النفسية فإن 12% فقط يستخدمونها بنشاط. هذا التفاوت يعكس وجود فجوة كبيرة بين الإدراك والتطبيق. ومن الضروري أن يعمل رواد الأعمال على سد هذه الفجوة من خلال الاستثمار في التدريب والتطوير في مجال علم النفس التسويقي.
وأيضًا يتعين عليهم بناء فرق عمل متخصصة في هذا المجال لضمان تطبيق الرؤى النفسية بشكلٍ فاعل في جميع جوانب العمل.
حيل نفسية ترسي دعائم النجاح للشركات الناشئة
لطالما كانت الشركات الناشئة، منذ بزوغ فجرها، محط أنظار رواد الأعمال والمستثمرين على حد سواء؛ إذ تجسد هذه الكيانات الطموحة روح الابتكار والتجديد، وتقدم حلولًا إبداعية للتحديات التي تواجه المجتمعات.
ومع ذلك فإن الطريق إلى النجاح في عالم الشركات الناشئة ليس مفروشًا بالورود، لكن يكتنفه العديد من العقبات والتحديات التي تتطلب من رواد الأعمال امتلاك مهارات استثنائية وقدرات فائقة على التكيف والمرونة.
1. تحويل متلازمة المحتال:
يعد التغلب على متلازمة المحتال، وهي الشعور المزمن بالشك الذاتي وعدم الكفاءة، أحد أهم التحديات التي تواجه رواد الأعمال في المراحل الأولى من تأسيس شركاتهم الناشئة.
وبدلًا من الاستسلام لهذا الشعور السلبي يستطيعون تحويله إلى وقود دافع للنجاح من خلال استخدام الشك الذاتي كإشارة نمو. وتحويل القلق إلى عمل مُثمر، وتتبع الانتصارات الصغيرة التي يتم تحقيقها يوميًا.
2. التسويق القصصي:
يشكّل التسويق القصصي أسلوبًا فاعلًا في بناء علامة تجارية قوية وجذابة للشركات الناشئة. وعوضًا عن التركيز على الميزات التقنية للمنتجات والخدمات يتعين على الشركات الناشئة التركيز على سرد القصص التي تلامس مشاعر العملاء وتثير اهتمامهم.
ويشمل ذلك تسليط الضوء على المشاكل التي يواجهها العملاء قبل تقديم الحلول. والتركيز على الفوائد التي يحصلون عليها من استخدام المنتجات والخدمات، واستخدام العواطف كأداة للتأثير والإقناع.
3. توليد شعور الندرة:
تعتمد شركات ناشئة كثيرة على إستراتيجية توليد شعور الندرة أو ما يعرف بـ “الخوف من فقدان الفرصة” (FOMO). وذلك عبر تقديم عروض محدودة الوقت أو مزايا حصرية للعملاء الأوائل أو مستويات وصول خاصة.
هذه الإستراتيجية تحفز العملاء على اتخاذ قرارات الشراء بشكل أسرع، خوفًا من فقدان فرصة الحصول على منتج أو خدمة مميزة.
4. الاستفادة من تأثير الهالة:
يشير تأثير الهالة إلى ميل الأشخاص إلى تكوين انطباعات إيجابية عن منتج أو خدمة بناءً على انطباعاتهم الإيجابية عن العلامة التجارية التي تقف وراءه. ويمكن للشركات الناشئة الاستفادة من هذا التأثير عن طريق الاستثمار في بناء علامات تجارية متميزة. وبناء دليل اجتماعي قوي؛ من خلال جمع شهادات العملاء وتقييماتهم، وإتقان نقاط الاتصال الأولى مع العملاء المحتملين.
5. تأثير إيكيا:
يعني تأثير إيكيا ميل الأشخاص إلى تقدير المنتجات التي ساهموا في تصميمها أو تجميعها بشكلٍ أكبر من المنتجات الجاهزة.
وتستفيد الشركات الناشئة من هذا التأثير عبر منح العملاء فرصة لتخصيص المنتجات والخدمات. وإتاحة فرص للإبداع المشترك، والاحتفال بإنجازات المستخدمين.
6. إستراتيجيات التجربة الذكية:
لم يعد كافيًا أن تقدم الشركات الناشئة منتجات وخدمات عالية الجودة، بل ينبغي عليها أيضًا أن تسهّل على العملاء تجربة هذه المنتجات والخدمات قبل الشراء. ومن منطلق ذلك هي تتبنى إستراتيجيات التجربة الذكية، التي تشمل: تقديم عينات خالية من المخاطر. وإعدادات موجهة تسهل على العملاء استخدام المنتجات والخدمات، وعمليات إلغاء اشتراك سهلة ومرنة.
تقلل تلك الإستراتيجيات من المخاطر التي يتحملها العملاء عند تجربة منتجات وخدمات جديدة، وتشجعهم على اتخاذ قرارات الشراء بثقة أكبر.
7. قوة المعاملة بالمثل:
تعد المعاملة بالمثل من أقوى القواعد النفسية التي تحكم العلاقات الإنسانية؛ إذ يميل الأشخاص إلى رد الجميل لمن أحسن إليهم. لذلك تحرص الشركات الناشئة على تقديم قيمة غير متوقعة لعملائها قبل أن تطلب منهم أي شيء. سواء كانت هذه القيمة عبارة عن محتوى مفيد أو عينات مجانية أو خدمات إضافية.
كما تعمل الشركات الناشئة على إنشاء حلقات ولاء تكافئ العملاء على ولائهم وتشجعهم على تكرار عمليات الشراء.
8. المراسي الإستراتيجية:
في عالم التسعير لا يتخذ العملاء قراراتهم بمعزل عن غيرهم، بل يقارنون الأسعار ببعضها البعض، ويختارون الخيار الذي يرونه الأكثر قيمة. لذلك تعتمد الشركات الناشئة على المراسي الإستراتيجية، التي تضم: تحديد المواقع المميزة أولًا. وعلم نفس التسعير المتدرج، والمقارنات المستندة إلى القيمة.
تساعد هذه الإستراتيجيات الشركات الناشئة على توجيه عملائها نحو القيمة الحقيقية لمنتجاتها وخدماتها. وتشجعهم على اختيار الخيارات الأكثر ربحية.
9. إطار التأثير:
لا يكفي أن تقدم الشركات الناشئة منتجات وخدمات عالية الجودة لكن يتعين عليها أيضًا أن تظهر لعملائها كيف يمكن لهذه المنتجات والخدمات أن تحدث تغييرًا إيجابيًا في حياتهم. ومن هذا المنطلق تعتمد الشركات الناشئة على إطار التأثير، الذي يشمل تسليط الضوء على المكاسب التي يحصل عليها العملاء بدلًا من الخسائر التي يتكبدونها، وتحديد مقاييس النجاح التي تظهر القيمة الحقيقية للمنتجات والخدمات.
تسمح تلك الإستراتيجيات للشركات الناشئة بتحويل عملائها إلى قصص نجاح تشجع الآخرين على تجربة منتجاتها وخدماتها.
حجر الزاوية للنجاح
في ختام هذا الطرح يتبين لنا جليًا أن علم النفس التسويقي ليس مجرد أداة إضافية في ترسانة الشركات الناشئة. بل هو حجر الزاوية الذي يرتكز عليه النجاح في عالم الأعمال متزايد التنافسية. فمن خلال فهم عميق لسلوك المستهلكين ودوافعهم، واستخدام إستراتيجيات نفسية مبتكرة. تستطيع الشركات الناشئة أن توفر لنفسها ميزة تنافسية مستدامة، وتبني علاقات قوية وطويلة الأمد مع عملائها.
ومع ذلك فإن مجرد الإدراك النظري لأهمية علم النفس التسويقي لا يكفي. بل يجب على رواد الأعمال أن يسعوا جاهدين لتطبيق هذه الرؤى في جميع جوانب عملهم، من تطوير المنتجات والخدمات إلى تصميم الحملات التسويقية وبناء العلامات التجارية. ويتطلب ذلك استثمارًا في التدريب والتطوير، وبناء فرق عمل متخصصة، وتبني ثقافة مؤسسية تشجع على الابتكار والتجريب.