في رحاب التاريخ يضيء أفق الخليج العربي بمشهد يتجلى فيه التلاحم عنوانًا، والوحدة نبراسًا، حينما يجتمع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي تحت سقف واحد لبحث سبل تعزيز أمنهم المشترك ورسم خارطة طريق لمستقبل زاهر.
وهذا ما تجسد في جلسة المجلس التي عُقدت في الأسبوعِ الأخيرِ من مارس الماضي؛ حيث عُرضت رؤية مجلس التعاونِ لدول الخليج العربية للأمنِ الإقليمي، والتي تركز على عددٍ من الركائز الأساسية.
في مستهل الجلسة ألقى الأستاذ جاسم محمد البديوي؛ الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، كلمة رحب خلالها بحضور الجلسة، مؤكدًا أن أمننا المشترك هو الأساس الذي نبني عليه آمالنا وأحلامنا لمستقبل أفضل.
وأشار “البديوي” إلى أن مجلس التعاون يقف دائمًا على أرضية ثابتة لدعم الأمن والسلم الدوليين، ومواجهة التحديات كافة، مُشددًا على أن السلام هو أساس المستقبل، والحوار جسر للتواصل والتفاعل، انطلاقًا من مبدأ أن السلام الدائم يتطلب جهودًا مستمرة.
رؤية مجلس التعاون للأمن الإقليمي
وتضمنت رؤية مجلس التعاون للأمن الإقليمي عددًا من الركائز الأساسية؛ أهمها:
• تنسيقُ المواقف بين الدول الأعضاء، وتبني مواقف مشتركة وموحدة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، انطلاقًا من مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.
• التكامل العسكري والأمني بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي ساهم بشكلٍ كبير في تحقيق مزيدٍ من الاستقرار؛ فباتت تلك الدول مركزًا مُهمًا وبارزًا للثقافة والعلم.
• الحفاظ على الأمن الإقليمي وبناء علاقات استراتيجية وشركات دولية وتعزيز الأمن البحري والتصدي لجميع التحديات المتعلقة بقضايا المناخ؛ سعيًا لتحقيقِ الرخاء والرفاهية.
وشدد معالي الأمين العام على أن دول مجلس التعاون الخليجي تُدرك تمامًا أن الرؤية تمهد لعهد جديد من التعاون والسلام والرفاهية، وتحتاج إلى مزيدٍ من التعاون والعمل يدًا بيد من أجل مستقبل دولنا.
أهمية رؤية المجلس للأمن الإقليمي
من جانبه أكد الدكتور الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة؛ وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية لمملكة البحرين، أهمية هذهِ الرؤية، مُشيرًا إلى أنها تمثل الوثيقة الخليجية الأولى للأمن الإقليمي، وتتميز بكونها شاملة ووافية، وتعطي دلالة حول استراتيجية دول مجلس التعاون ومواقفها الثابتة من كل القضايا الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن منطقة الخليج العربي تواجه مخاطر أمنية غير مسبوقة، انطلاقًا من كونها مصدرًا أساسيًّا للطاقة في العالم، موضحًا أن الرؤية تأتي لمواجهة هذه المخاطر، ومن بينِها التدخل في الشؤون الداخلية ومحاولة زعزعة الاستقرار وانتشار الميليشيات والتهديد بإغلاق ممرات الملاحة وتهديد الملاحة الدولية؛ ما يشكل تهديدًا لأمن دول المجلس.
وأضاف “آل خليفة” أن التطورات السريعة في الاتصالات والمعلومات والذكاء الاصطناعي تسبب مخاطر جديدة، وكذلك تشكل قضية التغير المناخي خطرًا كبيرًا، وتسعى دول الخليج لتأمين الأمن البحري، والمساهمة في حماية الحدود المائية، مشددًا على أن مملكة البحرين تؤكد التزامها بالعمل على إرساء دعائم الأمن في المنطقة، وأن وحدة الكلمة والصف هي صمام الأمان لدول المنطقة، داعيًا لمواصلة جهود تحديات الأمن والسلامة، وتفعيل الشراكات وإقرار السلام الدائم.
السعودية تؤكد أهمية التعاون لتحقيق الأمن والاستقرار
من رحاب المملكة العربية السعودية انطلقت الدعوات الصادقة لتعزيز التعاونِ بين دول مجلس التعاون الخليجي، سعيًا لتحقيق مزيد من الأمنِ والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
ومن منطلق ذلك أكدت سعادة المستشارة منال رضوان؛ مستشار الأمن الإقليمي بمكتب سمو الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، رغبة دول المجلس في تحقيق الأمن والاستقرار عبر تقليل التصعيد.
وأشارت إلى أن رؤية دول المجلس تمثل أهمية كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي، مؤكدة أنها محظوظة بموقعها الاستراتيجي والترابط الذي يجمعها بدول العالم عبر المجلس.
وقالت منال رضوان: “نؤمن بأن الدول يجب أن تحافظ على أمنها، والتعاون ينبغي أن يكون مشتركًا تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التهديدات المختلفة، أمنية ومناخية والأمن الغذائي وغيره”.
واختتمت حديثها بالتأكيد أن دول مجلس التعاون ستعمل على تحقيق الازدهار لشعوبها عبر تعزيز التعاون، وأن التغيير مستمر ودول المجلس ستواكبه بكل كفاءة واقتدار.
بوصلة خليجية نحو مستقبل آمن
تُمثل الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي علامة فارقة في مسار دول مجلس التعاون الخليجي، وتجسيدًا لرؤيتها الثاقبة نحو مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا، وتظهر هذه الرؤية تضافر الجهود وتوحيد الرؤى بين دول المجلس، وتُؤسس لمرحلة جديدة من التعاون البنّاء في جميع المجالات ذات الصلة بالأمن الإقليمي.
-
أولًا: توافق الرؤية مع رؤية السعودية
تنسجم الرؤية الخليجية بشكلٍ كامل مع رؤية المملكة العربية السعودية، التي هي بالتأكيد تُواكب جميع التطورات المتسارعة في التهديدات التكنولوجية، وتُؤكد ضرورة التعاون والتكاتف بين الدول لمواجهتها.
وتُمثل هذه الرؤية المشتركة قاعدة صلبة لتعزيز الأمن الإقليمي والتصدي لمختلف التحديات التي تواجه المنطقة بأكملها.
-
ثانيًا: المنظومة الجماعية
تُشكل رؤية مجلس التعاونِ لدول الخليج العربية للأمنِ الإقليمي منظومة جماعية تُعزز الترابط والتكامل بين دول المجلس، وتُؤكد أن الأمن مسؤولية مشتركة لا تُختزل أبدًا في حدود دولة واحدة، وتُجسّد هذه المنظومة روح التعاون والتكاتف بين دول المجلس، وتُؤسس لمرحلة جديدة من العمل الجماعي لتحقيق الأمن والاستقرار.
-
ثالثًا: الشمولية
تتميز الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي بشمولِها؛ حيث تغطي جميع جوانب الأمنِ الإقليمي؛ من الأمن العسكري إلى الأمن السيبراني، ومن التعاون الدولي إلى التنمية المستدامة، وتمثل هذه الشمولية نهجًا مُتكاملًا لمعالجة جميع التحديات التي تواجه المنطقة، وضمان مستقبل آمن ومزدهر لشعوبها.
-
رابعًا: إشراك الأصدقاء والشركاء
تدرك دول مجلس التعاون الخليجي أهميةَ إشراك جميع الأصدقاء والشركاء في تحقيق هذه الرؤية؛ إيمانًا منها بأن الأمن الإقليمي مسؤولية عالمية مشتركة، وتؤسس الرؤية لمرحلة جديدة من التعاون الدولي، وتعزز العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف مع جميع الدول والشركاء الدوليين.
-
خامسًا: أمن المناخ
في زمنٍ تهدد فيه التغيرات المناخية مستقبل الكوكب تُدرك الرؤية الخليجية مخاطر هذه التهديدات على التنمية المستدامة واستقرار الشعوب؛ لهذا السبب تشدد على ضرورة تبني نهج استباقي للحد من مخاطرها؛ عن طريق تعزيز استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، وتطبيق مبادئ الاقتصاد الكربوني الدائري.
-
سادسًا: الأمن الغذائي
على صعيد الأمن الغذائي تُدرك رؤية مجلس التعاون لدول الخليج العربية للأمنِ الإقليمي أن الغذاء هو أساس الحياة، وضمان وصوله إلى جميع الشعوب مسؤولية مشتركة؛ لذلك تؤكد ضرورة التعاون الإقليمي والدولي لمعالجة التحديات المتعلقة بالمياه والغذاء، وضمان استدامتها.
-
سابعًا: الأمن الإقليمي
لم تغفل الرؤية الخليجية التحديات التقليدية للأمن الإقليمي، مثل: النزاعات السياسية والمشكلات القائمة؛ لذا تُشدد على ضرورة حل كل هذه النزاعات بشكل سلمي وعادل، وتعزيز التعاون الإقليمي لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وبذلك تُشكل رؤية مجلس التعاون الخليجي خطوة راسخة نحو مستقبل أكثر أمانًا؛ حيث حددت بوضوح تام جميع المشكلات والمخاطر، سواء القائمة أو المحتملة، ووضعت الخطوط العريضة لأسس ومنطلقات فعالة لمواجهتها، ولكن لا يكفي مجرد وجود رؤية ثاقبة بل لا بد من تحويلها إلى خطط عمل ملموسة.
رؤية مشتركة للأمن الإقليمي
بعد 43 عامًا من تأسيسه يكشف مجلس التعاون الخليجي عن رؤيته للأمن الإقليمي؛ ليثير التساؤلات حول أبعادها وأهدافها، فهل تُمثل نقلة نوعية في مسار العمل الخليجي المشترك؟
-
رؤية وليدة جهد دؤوب
يُشير عبد العزيز العويشق؛ الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات في مجلس التعاون الخليجي، إلى أن هذه الرؤية هي نتاج جهد متواصل بذلته اللجان المختصة منذ إنشاء المجلس؛ إذ بدأ العمل على صياغتها عام 2022 خلال فترة رئاسة المملكة العربية السعودية للمجلس، ثم استمر العمل في عام 2023 خلال فترة رئاسة سلطنة عمان، وجرى تبنيها في ديسمبر 2023، بعد تسلم دولة قطر رئاسة المجلس.
-
لا تأخير بل إتقان وتأنٍ
يُؤكد “العويشق” أن تأخر الإعلان عن رؤية مجلس التعاون لدول الخليج العربية للأمن الإقليمي كان بسبب بعض الإجراءات الداخلية الإضافية، إلى جانب اختيار التوقيت المناسب في ظل المستجدات الدولية والإقليمية.
-
إطار متكامل للأمن الإقليمي
يُوضح عبد العزيز العويشق أن هناك إطارًا متكاملًا متفقًا عليه بين دول المجلس للأمن الإقليمي، وجدولًا مفصلًا يضم جميع التهديدات والتحديات التي تواجه المنطقة بأكملها، وتحديد ما يُمكن للمجلس أن يفعله حيالها، وتعمل اللجان في أفرع المجلس على تحديث هذه الوثائق بصفة دورية.
-
وحدة المواقف الخليجية
يُشدد “العويشق” على أن رؤية مجلس التعاون للأمن الإقليمي تُمثل الرؤية الجماعية لدول المجلس، وشاركت جميع الدول في صياغتها ومناقشتها على مدى عامين، لافتًا إلى أن الرؤية ليست وليدة اللحظة بل هي نتاج تراكمات تاريخية من التعاون والتنسيق بين دول المجلس، منوهًا برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، التي أقرّها المجلس الأعلى في ديسمبر عام 2015، واحتوت على عناصر رئيسية في رؤية الأمن الإقليمي.
-
الوحدة الخليجية
يُؤكد الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات في مجلس التعاون الخليجي أن الوحدة الخليجية هي أحد أهم أهداف مجلس التعاون، وأن هناك جهودًا حثيثة لتجسيدها على أرض الواقع.
وأشار إلى مقترح الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز للانتقال بالمجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتعزيز العمل الخليجي المشترك.
-
الشراكات الاستراتيجية المتنوعة
تُشكل الشراكات الاستراتيجية المتنوعة عنصرًا أساسيًا في رؤية مجلس التعاون الخليجي للأمن الإقليمي؛ فبعد عقود من التركيز على علاقات ثنائية محددة اتجه المجلس نحو تنويع شراكاته ليشمل قوى دولية وإقليمية جديدة.
-
تنويع يعزز الأمن والاستقرار
لفت عبد العزيز العويشق إلى أن تنويع الشراكات الاستراتيجية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة؛ فمن خلال التعاون مع قوى دولية وإقليمية مختلفة يمكن لمجلس التعاون الخليجي توسيع نطاق نفوذه وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات المشتركة، موضحًا أن الهدف من تنويع الشراكات هو تأكيد انفتاح دول المجلس على كل القوى الدولية والإقليمية المحبة للسلام، بعيدًا عن الاستقطاب الدولي المعاصر.
وتُمثل الشراكات الاستراتيجية المتنوعة نقلة نوعية في مسار العمل الخليجي المشترك؛ فمن خلال التعاون مع قوى دولية وإقليمية مختلفة ينسج مجلس التعاون الخليجي خيوط أمان إقليمي متين يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال: