نجاح رائد الأعمال الحقيقي يتوقف على الميدان، وأقصد بالميدان هنا: مكان البيع والشراء لمنتج أو خدمة ما، فغالبية مبادرات تدريب الشباب على بدء مشاريعهم، لم تحقق النجاح المأمول؛ لعدم إخضاع الشباب لدورة عملية في السوق، تتيح لهم معرفة أسرار التجارة، وكيفية البيع والشراء والتفاوض، والتنافس، والتسويق.
ولا يشكل التمويل -خاصة في المملكة- عائقًا أما المبتدئين، فهناك العشرات من الممولين والجهات التمويلية التي تقدم الدعم المالي؛ أبرزها بنك التنمية الاجتماعية، لكنَّ المشكلة الكبرى- من وجهة نظري- تكمن في التأهيل والتدريب.
كلنا يعرف مقولة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف- رضي الله عنه- عندما ترك ماله وتجارته في مكة، وهاجر إلى المدينة فقيرًا، لا يمتلك شيئًا، ثم آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم – بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه سعد أن يشاطره نعمته، وأن يطلِّق له إحدى زوجتَيْه، فقال له عبدالرحمن: «بارك الله لك في أهلِك ومالِك، ولكنْ دُلَّني على السوق»، فذهب، فباع واشترى حتى نما ماله، وكثرت تجارته. إنها قصة رائعة، تقدِّم لنا دروسًا مهمة لكل من يريد أن يبدأ مشروعه التجاري لأول مرة.
ويمكن اتخاذ مهرجان تمور بريدة أنموذجًا، فقد انتهجت إدارته هذا العام- وفي الأعوام القليلة الماضية- أن يعمل فيه السعوديون فقط ، مع توقف دور الوافد الأجنبي في قطف التمر من النخيل وجلبه من المزارع وعرضه في ساحة السوق، فصنع السوق مئات الشباب المميزين من رواد أعمال المستقبل في مجالات عدة.
فهناك الدلَّال الذي يروج للتمر بحنجرته الذهبية وبتقاسيم صوته غير مبالٍ بحشرجة حلقه ، وجالِب التمر من المزارع الذي يعرضه بطريقة جذابة، والمصور الذي يلتقط الصور المبهرة بلا كلل أو لا ملل، والإعلامي الذي ينشر الأخبار في الصحف وقنوات التواصل الاجتماعي باحتراف وحياد، والمرشد الذي يستقبل الزوار من داخل وخارج المملكة؛ ليذهب بهم بجولة في السوق والفعاليات المصاحبة بابتسامة تسبق محياه وبمعلومات ثرية، والشيف الذي يعد الوجبات والمشروبات لرواد المهرجان بطعم لا مثيل له ، ومنظمو الفعاليات الترفيهية للفعاليات المصاحبة الذين أدهشوا الزوار ببراعتهم، وأطفال بعمر الزهور يدفعون العربات لحمل التمور لسيارة المشتري وغيرهم الكثير، فالمهرجان ميدان،ليس فقط لممارسة الهوايات والتدرب عليها، بل ولتحقيق أرباح مالية غير متوقعة.
لقد تنافس كبار تجار التمور ببريدة هذا العام في احتضان وتأهيل ودعم الشباب؛ ليمارسوا تجارة التمور، من أجل صناعة جيل جديد من تجار التمور، فلم يبخلوا بمالهم؛ لدعمهم في شراء التمور وعرضها في المهرجان، ولم يبخلوا بوقتهم؛ لإرشادهم وتوجيههم وتحفيزهم.
” دلني على السوق”- أحد برامج لجنة شباب الأعمال بالغرفة التجارية الصناعية بالقصيم- من البرامج الرائعة في احتضان وتأهيل ودعم الشباب، والذي انطلقت أول نسخة منه عام 1435هـ ،واحتضن قرابة 30 شابًا حققوا نجاحًا مبهرًا، فيما انطلقت هذا العام 1438هـ النسخة الثانية من البرنامج ليحتضن 26 شابًا مبتدئًا في عالم التجارة- ولاسيما تجارة التمور- يقدم لهم دورة تدريبية تأهيلية ، مع تخصيص ركن مجاني لعرض التمور، علاوة على دعمهم ماليًا؛ لشراء التمور من السوق، بعد توفير مرشد دائم يتابع معهم لحظة بلحظة.
الشاب- بعد هذه الرحلة العملية في الميدان- تنتقل إليه المسؤولية، بالاستمرار في ممارسة وتطوير المهارة التي تعلمها، والمعرفة التي اكتسبها؛ ليحولها إلى مشروع تجاري ناجح.