سألته: لماذا تحج للمرة الثلاثين، وتُزاحم الحجيج، وتأخذ فرصة من يرغب في الحج لأول مرة؟. فأجاب: هذا نَذْر، وأريد أن أُوَفِّيَه.
أَوضح لي، أنه كان عاملًا بسيطًا في محل للحدايد والأصباغ منذ أربعين عامًا، يحمل البضائع ويُصنِّفها ويبيعها للزبائن بأجر زهيد، فنذر لله أن يحج ثلاثين مرة، إذا امتلك المحلات والعمارات وصارت له ثروة كبيرة.
أفاء الله عليه، ورزقه بما يريد وزيادة، بدعائه، وسعيه، واجتهاده، وأخذه بالأسباب، وتحلِّيه بأخلاقيات ريادة الأعمال. إنها قصة حقيقية عاصرتها لرجل أعمال شهير بمدينة المنصورة المصرية، لم أجد منه إلا البشاشة، والصدق، والأمانة في التعامل، والنصيحة الصادقة في اختيار الأصناف ذات الجودة العالية والسعر المناسب. رحمه الله، ترك ثروة كبيرة ومحلات وعمارات عديدة ورثها أبناؤه وبناته الثماني.
تذكرته وتذكرت شهبندر تجار مصر الراحل محمود العربي؛ صاحب إمبراطورية توشيبا وتورنيدو العربي، الذي بدأ مسيرته في التجارة والصناعة برأس مال ثلاثين قرشًا فقط لحلوى بسيطة كان يبيعها للأطفال.
لقد جمع الرجلين قواسم أخلاقية Ethics مشتركة، ولخصت فيها أخلاقيات ريادة الأعمال كلمة “تاجِر”، فالتاء: تقوى وتواضُع وتلطُّف، والألف: أمانة وإخلاص وإحسان، والجيم: جرأة وجسارة وجُود، والراء: رأفة ورِقة ورحمة بالزبون والمنافس أيضًا.
وعلى النقيض، نصادف أحيانًا، رائد أعمال يبالغ في طرح أفكاره وإنجازاته، وعدد المستفيدين من شركته الناشئة، على لجنة التحكيم بإحدى المسابقات، أو لإقناع المستثمرين بتمويل مشروعه، وبالتحقق منها تجدها سرابًا، ولا تعدو سوى أكاذيب يحاول تصديرها لغيره، مفتقدًا المصداقية، ومتنافيًا مع أخلاقيات ريادة الأعمال التي أقصدها؛ فلا شك في أنه هو الخاسر حتمًا، فبمجرد أن يكتشف المستثمر كذبه أو تدليسه، سينسحب مباشرة، وحينها يتعسر إصلاح الأمر.
من الطبيعي، أن تتضمن دوافع دخول عالم ريادة الأعمال، الأمور المادية، لكن بتوافر ثقة المستثمرين في رائد الأعمال، وألا يسيئ استخدام هذا التمويل بإنفاقه في أمور شخصية أو استهلاكية لا علاقة لها بنمو الشركة؛ فذلك مثال آخر لعدم تمتعه بأخلاقيات ريادة الأعمال.
قد تكون الأخلاق صفات موروثة أو مكتسبة، ولكنها تظهر بجلاء في تعاملك كرائد أعمال مع موظفيك وزبائنك ومنافسيك.
كن قائدًا ذا مصداقية، ونموذجًا يُحتذى به، وقدوة في تصرفاتك.
كن إنسانًا، تعامل معهم بعطف وتقدير وبشاشة.
كن معطاءً، ابذل وقتك وجهدك لعملك ومجتمعك؛ فالسعادة بالعطاء.
كن عادلًا، مقياسك وميزانك واحد بالحُكم على الأشخاص واتخاذ القرارات.
كن صادقًا، فلا تكذب أبدًا، وتعلَّم من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم الذي قال:
– ” إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارِمَ الأخلاقِ”.
– “” التاجرُ الصَّدُوق الأمين مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهداء”
– “لاَ يَحْتَكِرُ إِلا خاطئ”
– “لا تَحاسَدوا، ولا تَناجَشوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَدابَروا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيع بعض، وكُونوا عبادَ اللهِ إخوانًا..”
– ” رحِم الله رَجُلا سَمْحَا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى”
– ” مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرا، أو وضع له، أظَلَّهُ الله يوم القيامة تحت ظِل عرشه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه”.
اللهمَّ اجعلنا ممَّن حَسُنَ خُلُقه وعملُه.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
مغادرة الشركات العالمية للصين بعد كورونا (2-2)
مغادرة الشركات العالمية للصين بعد كورونا (1-2)
أكثر 10 أنواع انتشارًا في ريادة الأعمال (2-2)
أكثر 10 أنواع انتشارًا في ريادة الأعمال (1-2)