يحتل القطاع العقاري مكانة بارزة في اقتصاد المملكة، وتزداد هذه المكانة مستقبلًا واعدًا في ظل رؤية 2030، وللوقوف على أهمية هذا القطاع، والتحديات التي تواجه رواد الأعمال والمستثمرين فيه، وسبل التغلب عليها، التقينا الخبير العقاري مشعل صالح الطاسان؛ مدير عام مكتب قيمة ورؤية للتقييم العقاري، وعضو الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين، وعضو لجنة ريادة الأعمال بغرفة جدة …
حوار: حسين الناظر
ــ كيف ترى أهمية قطاع العقارات في المملكة؟
يلعب القطاع العقاري دورًا هامًا في اقتصاد المملكة، ويُعد من أكبر القطاعات غير النفطية التي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنحو 06. 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، كما أن قطاع التشييد والبناء المرتبط بشكل كلي بالقطاع العقاري يساهم بما يعادل ٤.٥٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، وفقًا لآخر إصدارات الهيئة العامة للإحصاء؛ مايعني أن القطاع العقاري والتشييد والبناء يشكلون نحو ١٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
مُدِر للدخل
ــــ وما أهمية العقار للمستثمر ورائد الأعمال ؟
العقار مهم جدًا للمستثمر السعودي وللقطاع الخاص؛ لأنه يُعد من فئات الأصول والخيارات الاستثمارية الهامة لحفظ الثروة، كما أنه مصدر مُدِر للدخل، وموفر لفرص العمل؛ لذا يجب الالتفات له، ووضع جزء من العوائد والفوائض فيه، وتوجيه جزء كبير من الاستثمارات إليه.
شح البيانات
ـــ ماهي التحديات التي تواجه رواد الأعمال والمستثمرين في قطاع العقارات؟
لا شك في أن القطاع العقاري يواجه- كغيره- العديد من التحديات،أبرزها: الشح في توفر البيانات والمعلومات الكافية والمساعدة للمتعاملين في القطاع لاتخاذ قراراتهم الاستثمارية بشكل صحيح ودقيق؛ وهو ما يتطلب إنشاء مركز وطني للبيانات والإحصاءات العقارية مرتبط بعدة جهات حكومية وخاصة، ينشر البيانات والمؤشرات الإحصائية ذات الشأن العقاري بشكل دوري.
مقاولات حكومية
- وماذا عن التمويل ؟
تواجه الشركات الصغيرة والناشئة العاملة في القطاع العقاري، صعوبة في الحصول على تمويل من الجهات الممولة كالبنوك، إلا عند حصول الشركة على عقود مقاولات حكومية كنوع من الضمان.
لذلك، نطالب بتحسين منظومة التمويل العقاري لتشمل الكل، والتوسع في عمليات الرهن العقاري التي تُعد أحد أشكال الإقراض، والتي قد تسهم في تنشيط حركة السوق العقاري.
ــ كيف ترى اهتمام الحكومة بالقطاع العقاري ؟
تولي حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله– اهتمامًا كبيرًا بهذا القطاع ، والذي شهد في السنوات الأخيرة مجموعة إصلاحات وتنظيمات ساهمت في إعادة بناء القطاع من جديد؛ ليكون أكثر فعالية في الأداء؛ لأن قرار إنشاء هيئة عليا للعقار تحت وزارة الإسكان سيساهم في تحسين البيئة التنظيمية للقطاع العقاري، وتحسين المناخ الاستثماري في القطاع. وجدير بالذكر أنَّ قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء بمراحله المختلفة سيغير نهج الاستثمار العقاري، ويدعم تطوير وتنمية الأراضي غير المستغلة داخل النطاق العمراني في المدن الكبرى بالمملكة لتوفير وزيادة المعروض من المنتجات العقارية السكنية، وسد العجز بين العرض والطلب على السكن.
ولاشك في أنَّ موافقة هيئة سوق المال على طرح صناديق الاستثمار العقاري المتداول (ريت) في سوق الأسهم، سيدفع المؤسسات للاستثمار في قطاعات عقارية متنوعة لتحقيق الدخل على المدى المتوسط والبعيد.
كذلك، فإنَّ مبادرة القروض السكنية تسهم في حفز ودعم القطاع العقاري، وهي إحدى مبادرات برنامج تحقيق التوزان المالي بحلول ٢٠٢٣م، والتي اعتمدت لها الحكومة ٢١.٣ مليار ريال لتوفير الدعم المالي؛ لتسهيل امتلاك المســاكن، والمســاعدة فــي الحصــول علــى تمويــل عقــاري.
السعودة
ــ في ظل “السعودة”، ما مدى الحاجة لكفاءات وطنية عاملة في هذا القطاع؟
هذه قضية مهمة، ويجب التركيز عليها بشكل كبير، فنحن نعاني من عدم توفر الأيدي الماهرة الوطنية بشكل كافٍ لشغل العديد من الأعمال المرتبطة بالبناء والتشييد الذي يجعل المطور والمستثمر العقاري يلجآن لاستقدام العمالة من الخارج، وتحمل تكاليف وأعباء إضافية مقابل استخدام العمالة الوافدة.
تسهيل الإجراءات
ــ وكيف يمكن حل هذه المشكلة ؟
الحل العاجل يتمثل في ضرورة تسهيل الإجراءات للحصول على تأشيرات الاستقدام وتخفيف الأعباء والتكاليف المرتبطة بها حتى يتوفر البديل الوطني المؤهل؛ من خلال معاهد تدريب متخصصة لتسد العجز في الكوادر الوطنية.
والحل الناجع يكمن في المضي فيما بدأت به الحكومة السعودية من العمل على رفع كفاءة ومهنية العاملين في القطاع العقاري؛ وذلك ببإنشاء “المعهد العقاري السعودي” و”الهيئة السعودية للمُقِيِّمين المعتمدين”؛ للقيام بتدريب وتأهيل ومنح الشهادات الاحترافية والترخيص لمزاولة بعض الأنشطة العقارية؛ ما يؤسس لوضع حجر أساس للمنظومة العقارية واكتمال أركانها؛ لتكون داعمة لنهضة عقارية شاملة ومتوافقة مع رؤية ٢٠٣٠.
التقنيات الذكية
ــ كيف ترون مستقبل قطاع العقار في ظل رؤية ٢٠٣٠؟
يلعب قطاع العقارات دورًا هامًا في منظومة التنمية المستدامة في المملكة؛ كونه عامل إنتاج استراتيجيًا لكل القطاعات الحيوية، فهو أساس انطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث يوجد ارتباط وثيق بين النفقات الرأسمالية للحكومة والقطاع العقاري.
وطبقًا لبيان الميزانية العامة للدولة للسنة المالية ٢٠١٨، تبلــغ تقديــرات النفقــات الرأســمالية خــلال العــام المالــي ٢٠١٨م نحــو ٢٠٥ مليــارات ريــال بنسبة ٢١ % مــن إجمالــي النفقــات بزيــادة ١٣.٦ % عـن عـام ٢٠١٧م لتمويـل مشـاريع برامـج الرؤيـة وتطويـر البنيـة التحتيـة لتحفيـز النمـو الاقتصادي، فيما تــزداد نســبة الإنفــاق الرأســمالي إلــى إجمالــي الإنفــاق الحكومي مــن ١٩ % عــام ٢٠١٧م إلــى ٢٢ % عــام ٢٠٢٠م؛ حيث تعمل هذه الخطط التوسعية على إنعاش القطاع العقاري بشكل كبير في السنوات المقبلة.
من جهة أخرى، فإن مبادرة صندوق تحفيز تقنية البناء- أحد برامج تطوير الرؤية وتحقيق التوازن المالي لدعم وتحفيز القطاع الخاص- والتي اعتمدتها الحكومة بمبلغ ١٣.٨ مليار ريال، هدفها دعم وتحفيز القطاع الخاص لإيجاد واستقطاب أحدث التقنيات الذكية واعتمادها في مجال البناء والتشييد لسد العجز في المساكن؛ وهو ما يعد تغيرًا في الصناعة العقارية؛ وبالتالي تسريع وتيرة البناء ودب النشاط في السوق العقاري.
مراعاة التغير الديموجرافي
ـ ما الفرص المتاحة للاستثمار في هذا القطاع؟
لا شك في أن فرصة الاستثمار في العقار السكني لازالت كبيرة؛ نظرًا لوجود فجوة كبيرة بين الطلب والعرض، فعلى من يرغب بالاستثمار في هذا النوع مراعاة التغير الديموجرافي في المملكة؛ حيث يشكل جيل الشباب ٧٠٪ من تركيبة السكان، والذي أصبح حاليًا أكثر وعيًا وثقافةً واطلاعًا. ولعل الشاب الباحث عن المسكن، أصبح يبحث عن السكن المناسب لاحتياج عائلته الصغيرة بدون مبالغة في شراء المساحات الكبيرة غير المستخدمة بالشكل الأمثل، والتي تكلفه كثيرًا من النفقات لأغراض الصيانة والتشغيل.
يضاف إلى ذلك إن عودة الطلاب السعوديين المبتعثين في الخارج والذي يتجاوز عددهم ١١٤ ألف طالب، سيشكلون طلبًا إضافيًا محتملًا على المساكن. ونظرًا لأن هذه الشريحة ترغب في نمط حياة عصري ومختلف، فلابد أن يضع المستثمر والمطور العقاري في اعتباره إضافة مرافق وخدمات كالنادي الصحي والحديقة والمناطق المشتركة في المشاريع السكنية المقبلة لتلبية هذا الطلب المتنامي.
ومن الفرص المتاحة الواعدة بشكل قوي، الاستثمار العقاري متعدد الاستخدام بتطوير مشاريع ذات طابع عصري ومتنوع؛ لخلق تجربة تسوق جديدة تمزج بين المراكز التسويقية والمطاعم والسينما في عدة مناطق حول المملكة.
ويعد الاستثمار في مشاريع الضيافة والفندقة من أكثر الاستثمارات المتوافقة مع رؤية ٢٠٣٠، وخصوصًا في مكة المكرمة، والتي تستهدف زيادة الحجاج والمعتمرين إلى ٣٠ مليون معتمر بحلول عام ٢٠٣٠،
كما أنَّ المناطق السياحية الجديدة التي أعلنت الدولة عنها- مثل مشاريع البحر الأحمر ونيوم والقدية والعلا- ستأخذ نصيبًا كبيرًا على مستوى الفرص المتاحة بالاستثمار العقاري.