ثمة تقسيم شائع حول مجالات المسؤولية الاجتماعية، وهو ذاك الذي يقسّمها إلى: أخلاقية، اقتصادية، تطوعية/ خيرية، وقانونية، وكنا تحدثنا عن هذه المجالات مجتمعة من قبل في مقال منفصل بذاته.
لكن فهم مجالات المسؤولية الاجتماعية لن يكون، حسب زعمنا، إلا عبر إجراء نوع من التخصيص أكثر؛ أي من خلال اتباع ميثودلوجية (منهجية) أخرى في التصنيف والنمذجة، وإن كان هذا لا يعني أننا ندير ظهورنا لذلك التقسيم الدارج والذي كنا قد تناولناه من قبل، وإنما يعني فقط أن نتعمق أكثر، هذا من جهة.
ناهيك عن أن تصنيف مجالات المسؤولية الاجتماعية، الذي سنأتي على ذكره في هذا المقال، لن يكون، من جهة ثانية، إلا تفريعًا لتلك المجالات الكلية الدارجة والمتواترة في الدراسات والأدبيات المختلفة في ذلك المجال.
اقرأ أيضًا: الحوكمة البيئية.. التعريف والمبادئ العامة
مجالات المسؤولية الاجتماعية
ويحاول «رواد الأعمال» بيان بعض مجالات المسؤولية الاجتماعية التي هي أكثر تخصصًا وتعمقًا في فهم ماهية المسؤولية الاجتماعية ذاتها، وذلك على النحو التالي..
-
المسؤولية تجاه المُلّاك والمساهمين
آثرنا تصدير هذا المجال من مجالات المسؤولية الاجتماعية كي لا يظن أحد أن كون الشركة مسؤولة اجتماعيًا لا يعني أنها لا تحقق أرباحًا، أو لا يجمل بها أن تفعل ذلك، بل العكس هو الصحيح؛ فمسؤوليتها تجاه المجتمع تحتم عليها أن تحقق ربحًا؛ كيما تضمن لأنشطتها الاجتماعية والخيرية الاستدامة والبقاء.
وعلى الشركة أن تعمل على ضمان حصد الملاك وأصحاب المصلحة والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال عائدات على أرباحهم، هذا هو واجبها وتلك هي مسؤوليتها التي لا يتعين عليها التخلف عنها.
بهذا المعنى يمسي لزامًا على الشركة أن تسير في مسارين متوازيين: خدمة المجتمع، وتوفير عائدات الأرباح للمستثمرين، ومن دون ذلك قد لا يمكن إدخال الشركة في عداد الناجحين.
اقرأ أيضًا: تنافسية الشركة.. عناصرها وتأثرها بالمسؤولية الاجتماعية
-
المسؤولية تجاه العملاء
هذا هو ثاني مجال من مجالات المسؤولية الاجتماعية، ويندرج بلا شك تحت أكثر من مجال من المجالات الأربعة الكبرى التي صدّرنا الحديث عنها؛ فتقديم منتج جيد للجمهور على سبيل المثال يندرج تحت بند المسؤولية الأخلاقية والقانونية أيضًا.
وعلى أي حال فما نعنيه هنا أن الشركة مسؤولة تجاه عملائها بتقديم منتجات بجودة وكفاءة عاليتين، وأن تقدم لهم ما يحتاجونه بالضبط، وتعمل فوق ذلك على مساعدتهم في العثور على حلول لمشكلاتهم، طالما كان ذلك في إطار عملها واختصاصها.
بالإضافة إلى كونها مضطرة إلى الإجابة عن كل أسئلة العملاء واستفساراتهم بأمانة ودقة؛ بلا تزييف أو تحريف، فإن لم تفعل فالمؤكد أن العواقب ستكون وخيمة.
اقرأ أيضًا: القيمة الاجتماعية للأعمال وجذب الاستثمارات
-
المسؤولية تجاه العمال والموظفين
الحق أن الشركة ليست مسؤولة على المستوى الخارجي فحسب (المستهلكين والعملاء) وإنما هي مسؤولة على المستوى الداخلي أيضًا؛ أي على مستوى عمالها وموظفيها.
وهذه المسؤولية الداخلية هي المحك الأساسي الذي يظهر مدى التزام الشركة بما تعلنه عن نفسها، ومدى إيمانها بالمبادئ التي تدعي أنها مبادئها.
فمن مجالات المسؤولية الاجتماعية الأساسية اهتمام الشركة بصحة موظفيها، ودفع الأجور العادلة لهم، وتوفير بيئات عمل صحية وآمنة، ناهيك عن كونها مضطرة إلى صنع بيئة عمل يسودها العدل، وينتفي فيها الظلم، وتكون فيها كل الأقليات آمنة وتحصل على كل حقوقها، وألا تتعرض للأذى أو التحرش، وعلى الشركة كذلك أن تتخذ كل الإجراءات التي تمنع التنمر بين موظفيها.
تلك هي المحكات الأساسية والمجال الأهم من مجالات المسؤولية الاجتماعية التي تبين مدى اتساق الشركة مع ذاتها.
اقرأ أيضًا: ريادة الأعمال الواعية.. فلسفة مستدامة
-
المسؤولية تجاه الحكومات
الشركة ذات شخصية اعتبارية هذا من ناحية، وهي مضطرة، حتى إن كانت من الشركات متعددة الجنسيات، إلى احترام الوثائق والمعاهدات والقوانين المعمول بها في البلد الذي تعمل فيه.
وألا تتسبب، من ناحية أخرى، في إلحاق أي ضرر بهذه الدولة التي تعمل فيها، وألا تنخرط في ممارسات تضير سكان هذا القطر أو ذاك، وكما ترى فإن هذا المجال من مجالات المسؤولية الاجتماعية مندرج تحت لواء المسؤولية القانونية للشركات.
لكن في الأمر وجه آخر يجب علينا إماطة اللثام عنه، وهو مسؤولية الحكومة عن الشركات؛ إذ يتعين على الحكومات أن توفر شتى سبل الحماية القانونية للشركات التي تعمل على أرضها، وتشرع لها من القوانين التي تسهل عملها وتضمن لها البقاء والعمل دون جور أو إجحاف.
وعلى الحكومات كذلك أن تنظم مسألة المنافسة، وأن تمنع الاحتكار. وكما ترى فإن كل مجالات المسؤولية الاجتماعية متبادلة ومتعدية؛ فالشركة مسؤولة أمام الحكومة، لكن على هذه الأخيرة واجب عليها النهوض به صوب هذه الشركة أو تلك.
اقرأ أيضًا:
سمعة الشركات.. الباب الخلفي لنجاح رواد الأعمال
البيئة النظيفة وحدود المسؤولية الاجتماعية
المسؤولية الاجتماعية للشركات.. كيف لرائد الأعمال أن يخطو للأمام؟