لكي تظل الشركة ناجحة في أدائها، لابد أن تمر بفترات تغيير حتى تساير الظروف التي تمر بها، وهذا في حد ذاته أمر يثير القلق؛ لأن التغيير يُعد أكثر تهديدًا من كونه تحديًا؛ إذ يراه البعض مدمّرًا -وهم الغالبية الذين يؤثرون الراحة عن التميّز- بينما يرى فيه آخرون إبداعًا؛ لأنه يحول دون مرور الشركة بحالة ركود قد تقضي عليها.
وكوني رجل أعمال، ومستشارًا لمديرين تنفيذين، فقد واجهت العديد من نماذج التغيير البنّاءة والتي تم تنفيذها ببراعة.
هنا، أشارككم أمورًا تعلمتها:
يتغير الناس فقط، إذا كان البديل أسوأ من التغيير:
يشق على الناس أحيانًا، استيعاب الحاجة للتغيير. نبهني ضابط بحرية ذات مرة إلى ملاحظة مثيرة للاهتمام توضح الأمر؛ إذ أشار إلى أن بعض الطيارين لقوا حتفهم؛ لأنهم ظلوا برفقة طائراتهم المعطّلة مدة طويلة جدًا؛ لقد فضّلوا البقاء في قمرة القيادة على ركوب المظلات، حتى بعد أن أصبحت قمرة القيادة مصيدة للموت.
وينطبق الأمر نفسه على بعض رواد الأعمال الذين يفضلون مرور شركاتهم بركود مميت، على أن ينتهجوا سياسة التغيير التي تنقذ شركاتهم من الفناء.
الناس متعطشون للاستقرار في ظل التغيير:
غالبًا ما يخشى الموظفون الموثوق بهم في المؤسسة من سياسة التغيير؛ لذا يجب وضعهم في الاعتبار عند التغيير، بأن نثبت لهم أن التغيير لا يعني نهاية عالمهم، بل يعني الاستمرار، لكن مع بعض التحسينات؛ وذلك كما يلي:
- اشرح الأسباب الرامية إلى التغيير، فعندما يدركون الأسباب المنطقية للتغيير، فإنّهم يصبحون أكثر عقلانية ويتبدد لديهم الشعور بالقلق على المستقبل.
- ناقش معهم الخطط المقرر تنفيذها، وكيف أنها ستقلّص من حجم المخاطر إلى الحدود الدنيا.
- أطلعهم على المتوقع خطوة خطوة.
- قل لهم إنّ الإدارة العليا كلها وراء التغيير.
- الإشادة بالتغييرات البنّاءة التي حققوها.
نجاح التغيير يتطلب التخطيط الجيد:
علينا أن نكون مسيطرين على التغييرات؛ حتى لانبقى تحت رحمة الموظفين، مع مراعاة أن التغييرات الناجحة تعتمد على القيم؛ وهو ما يؤكده روبرت هاس؛ المدير التنفيذي السابق لشركة لفي ستراوس:” إنّ القيم تقدم اللغة المشتركة للمواءمة مع قيادة الشركة وموظفيها”؛ حيث لخصت الشركة القيم الخاصة بها في وثيقة أسمتها” بيان التطلعات”؛ حتى يكون كل موظفيها على معرفة بها ويسترشدون بها.
وعندما قررت شركة هونيويل تغيير توجّهها لتنطلق من المحلية إلى الدولية، اعتمدت مجموعة قيم تضمنت: السلامة، والنوعية، والأداء، والاحترام المتبادل والتنوع؛ الأمر مكنها من تثبيت مسارها عبر موجة التغيير.
يشتمل التغيير على ثلاث خطوات: التليين، وإعادة التشكيل، وإعادة الاستقرار:
يُعد التليين المرحلة الأكثر إزعاجًا للموظفين، فبعد سنوات من القيام بالأشياء نفسها، أصبح عليهم اليوم نسيان كل ذلك، علاوة على تقليل أو وقف المكافآت مؤقتًا؛ وهو الوقت الذي تواجه فيه على الأرجح المقاومة الأكبر للتغيير. بعد كل هذا، تقوم بتغيير النظام تحت ذريعة أنهم ارتقوا إلى وظائفهم الحالية.
وهنا -حيث تحتاج إلى تواصل ماهر- عليك أن توضّح أسباب التغيير، والنتائج المترتبة على عدم التغيير، مع توضيح المكاسب وكذلك الألم الناجم عن تغيير المديرين والموظفين على حد سواء.
ويحدّد جون ف. ويلش جر؛ المدير التنفيذي الذي قاد “شركة جنرال الكتريك”- عبر سلسلة تغييرات ناجحة في ثقافة الشركة- أربعة أنواع من إدارة الأفراد خلال مرحلة ” التليين” :
- أشخاص يوفون بالالتزامات، ويشاركون بالقيم الجديدة. وهؤلاء تحتفظ بهم وتكافئهم.
- أشخاص لا يوفون بالالتزامات ولا يشاركون في القيم الجديدة. وهؤلاء عليهم مغادرة المؤسسة.
- أشخاص يفشلون أحيانًا في الوفاء بالالتزامات، ولكن يشاركون في القيم. مثل هؤلاء قد يكون تغيير البيئة تسبب في تغيير سلوكهم. هؤلاء نمنحهم فرصة ثانية.
- أشخاص يوفون بالالتزامات، ولا يشاركون في القيم الجديدة. وهؤلاء مستبدون، فإما أن يتغيروا أو يغادروا.
وتتطلب مرحلة إعادة التشكيل، اتباع نهج إيجابي، وأن يقتنع المدراء والموظفون بأن الطريق الجديد هو الصحيح.
الآن، يتوجب على فريق العمل أن يتعلموا موقفًا جديدًا تجاه عملهم؛ فعلى المدراء تيسير الخدمات، وألا يبدوا للموظفين في شكل المستبدين، كما على الموظفين اعتبار أنفسهم مضيفين للقيمة وليسوا محرد متلقي طلبات. هذا يتطلب برنامج تعليمي مدروس.
وأخيرا تأتي مرحلة إعادة الاستقرار، والتي تتطلب أن السلوكيات الجديدة جزءًا طبيعيًا من روتين الحياة اليومي في العمل. ويمكن للقائد الناجح، أن يمنح المديرين والموظفين شعورًا بالراحة أثناء هذه المرحلة.
وهناك طريقة أخرى للاستعاضة عن الانزعاج من التغيير بالراحة والألفة؛ وذلك باستشارة من لهم معرفة بالأساليب الجديدة، وتركهم يصيغون أساليبهم لباقي المديرين والموظفين، وعندما يلمس موظفوك نجاحها، سيزداد شعورهم بالراحة.
ويجب أن يستند نظام التعويضات والمكافآت إلى السلوكيات الجديدة التي نريد أن نشجعها، فإذا طلبنا من الأشخاص تقييم جهود فريق العمل مقدمًا على الجهود الفردية ، فعلينا عندئذٍ تهيئة النظام لمكأفاة الفريق على جهوده.
واستخدم صديقي الراحل جو جاكوبس؛ مؤسس شركة جاكوبس الهندسية، هذا المبدأ للاستفادة القصوى في الثمانينيات؛ حيث كان كل مكتب من المكاتب الفردية التابعة للشركة يعمل كمركز ربح منفصل. وعندما كان جو يواجه مشروعًا يتطلب تجميع الموارد من عدة مكاتب، كان يعاني من صعوبات في الحصول على فريق العمل الذي يحتاجه؛ لأن المدراء التنفيذيين من كل مكتب، كانوا ينظرون إلى المشروع من وجهة نظر تأثيره على أرباح مكاتبهم، فقام جاكوبس بربط تعويض كل مدير تنفيذي بأداء الشركة ككل. وعندما فعل ذلك، حصل على فريق عمل حقيقي.
ومن خلال عملية التغيير، يجب أن يقتنع كل فرد -بدءًا من عمال الخط إلى الإدارة العليا- بأنّ الشركة هي من وراء هذا التغيير. يجب أن يأخذ المدراء التنفيذيون على عاتقهم مسؤولية تشجيع السلوك الجديد، وصياغته وكأنّهم يتعاملون مع الموظفين على مستويات مختلقة قدر الإمكان.
وبالرغم من الأمر قد يستغرق سنوات لتغيير النظام القديم، لكن لا تنظر للوظيفة أبدًا على أنّها انتهت، بل ابحث عن سبل لإضفاء الطابع المؤسساتي على سياسة التغيير، فإذا تم توجيه الموظفين بنجاح، وتعليمهم سياسة التغيير، فهذا يعني أنك مستعد للمستقبل.