يتزايد المشهد المتطور لتكنولوجيا الأعمال يومًا بعد يوم، ولاحت ظاهرة جديدة في الأفق أطلق عليها البعض “الذكاء الاصطناعي الظلي”. والتي يستخدم فيها الموظفون أدوات الذكاء الاصطناعي غير المصرح بها لتعزيز إنتاجيتهم، وتبسيط سير عملهم.
ورغم أن هذا قد يبدو مثيرًا للقلق في البداية، فإنه في الواقع علامة على قوة الكوادر البشرية المبتكرة والتقدمية. ومع ذلك، يكمن التحدي الذي تواجهه الشركات في تسخير هذه الطاقة الإبداعية في ظل الذكاء الاصطناعي دون المساس بأمنها.
وعبر السطور القادمة سنستكشف معًا مخاطر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل دون ترخيص، الذي أصبح مصدر قلق كبير للشركات. وأيضًا الفرص التي ينطوي عليها هذا الاتجاه، وتقديم استراتيجيات عملية لتسخير ابتكارات الموظفين مع الحفاظ على الأمن والامتثال.
معضلة الذكاء الاصطناعي في الظل
دعونا نتخيل أن هذا المسؤول التنفيذي الذي يدعى “توم”، ويعمل في مجال التسويق. اكتشف “شات جي بي تي” وبدأ بالفعل في استخدامه لصياغة حملات بريد إلكتروني مقنعة.
وفي الوقت نفسه، استفادت “سارة” التي تعمل في الشركة نفسها بمجال التمويل من أداة تحليلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي. لاكتساب رؤى أعمق حول أنماط الإنفاق في الشركة، وشهد كلاهما نتائج مبهرة. ولكن لم تفحص أي من الأداتين أو الموافقة عليها من قبل قسم تكنولوجيا المعلومات داخل الشركة.
يتكرر هذا السيناريو يوميًا في الشركات بمختلف أنحاء العالم. وقد أظهرت نتائج دراسة حديثة أجرتها شركة “سيلزفورس” أن نحو 49% من الأفراد يستخدموا الذكاء الاصطناعي التوليدي. وأن أكثر من ثلثهم يستخدمونه يوميًا في أماكن العمل. وهذا يعني وجود عدد كبير بالفعل من الموظفين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في مهامهم اليومية دون موافقة رسمية.
مخاطر الاستخدام غير المقيد للذكاء الاصطناعي
رغم المبادرة التي أطلقها كل من “توم”، وسارة” جديرة بالثناء. فإن الاستخدام غير المقيد للذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكل مخاطر خطيرة، وأهمها ما يلي:
1- أمان البيانات: عندما يدخل الموظفون بيانات الشركة في أدوات الذكاء الاصطناعي العامة. فقد يعرضون معلومات حساسة عن غير عمد. وهو الدرس الذي تعلمته شركة “سامسونج” بطريقة صعبة في العام الماضي. عندما اضطرت إلى حظر “شات جي بي تي” بعد أن أدخل الموظفون بيانات سرية.
2- مشكلات الامتثال: أغلب الظن أن أدوات الذكاء الاصطناعي التي لم تفحص لا تلبي متطلبات الامتثال الخاصة بالصناعة. ما قد يؤدي إلى انتهاكات تنظيمية.
3- النتائج غير المتسقة: قد تؤدي أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة إلى نتائج متفاوتة. ما قد يهدم سياسة الشركة في توحيد منتجاتها أو خدماتها أو تجارب العملاء.
4- المخاوف الأخلاقية: قد يتسبب الاستخدام غير المنضبط للذكاء الاصطناعي في مجالات، مثل: الموارد البشرية إلى اتخاذ قرارات متحيزة. ما قد يفتح الباب أمام الشركة لمطالبات التمييز.
تحويل التحديات إلى فرص
على الرغم من هذه المخاطر السابقة. فإن الذكاء الاصطناعي “الظلي” قد يقدم لشركتك فرص فريدة للاستفادة من روح الإبداع لدى الموظفين. وإليك كيف يمكن للشركات أن تستفيد من هذا المناخ الجديد:
1- اعترف بالابتكار وتبناه
اعترف باستخدام هذا النوع الجديد من الذكاء الاصطناعي الظلي غير المصرح به بدلًا من إيقافه. وتقبله كإشارة إلى أن فريقك يسعى للبحث بنشاط عن طرق متنوعة لعمل أكثر ذكاءً. ولا شك أن هذا الدافع الإبداعي أصل قيم بالمشهد التنافسي في عالم اليوم.
2- ضع سياسات واضحة لاستخدام ظل الذكاء الاصطناعي
أنشئ إرشادات شاملة تحدد الأدوات المعتمدة لاستخدام ظل الذكاء الاصطناعي. وكذلك، نوع البيانات التي يمكن للموظفين إدخالها، وكيفية استخدام هذه الأدوات بمسؤولية. وتذكر توصيل هذه السياسات لفريق العمل بوضوح وباستمرار لضمان أن يكونوا جميعًا على الصفحة نفسها.
3- وفر التدريب والموارد اللازمة
أَعدَّ ورش العمل والندوات عبر الإنترنت ووحدات التعليم الإلكتروني لتثقيف فريق عملك حول الاستخدام الآمن والفعال لأدوات الذكاء الاصطناعي. بالطبع سيخفف ذلك من المخاطر، كما يمكّن أيضًا القوى العاملة لديك من الاستفادة بالذكاء الاصطناعي إلى أقصى إمكانياته.
4- شجع التواصل المفتوح
عزز بيئة العمل حتى يشعر الموظفون فيها بالراحة في مناقشة احتياجاتهم واكتشافاتهم للعمل في ظل الذكاء الاصطناعي. ولا شك أن هذا يمكن أن يساعد في تصدر قسم تكنولوجيا المعلومات للمشهد. والدخول في أي حوار مفتوح مع الأقسام الأخرى بالشركة لتحديد الأدوات القيمة التي يمكن اعتمادها رسميًا.
5- استثمر في أدوات الذكاء الاصطناعي البديلة الآمنة
طور أدوات الذكاء الاصطناعي الموجودة داخل شركتك واستثمر في الأدوات الأحدث التي تلبي احتياجات عملك ومتطلبات الأمان المحددة. ومن المرجح أن يوفر هذا النهج الاستباقي للموظفين بدائل قوية ومجربة لأدوات الذكاء الاصطناعي العامة.
6- أَجرِ عمليات تدقيق أمنية منتظمة
بالطبع إن إجراء ذلك من شأنه تحديد أي استخدام غير مصرح به للذكاء الاصطناعي في الظل. ومعالجة نقاط الضعف المحتملة قبل أن تتفاقم وتتحول إلى مشكلات خطيرة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في مكان العمل
لا شك أنه في ظل استمرار تطور الذكاء الاصطناعي واقترانه بحياتنا العملية اليومية. من المرجح أن يتلاشى الخط الفاصل بين الاستخدام المسموح وغير المسموح. وستحتاج الشركات إلى وضع رؤى مستقبلية من أجل البقاء على علم بتحديث سياسات وممارسات الذكاء الاصطناعي باستمرار بداخلها لمواكبة التطورات التكنولوجية.
تسخير قوة الذكاء الاصطناعي بأمان
في هذا العصر الجديد لا ينبغي للذكاء الاصطناعي أن يشكل تهديدًا. ومن خلال الاعتراف بابتكار الموظفين. وتنفيذ سياسات واضحة، وتوفير التعليم، وتعزيز التواصل المفتوح، يمكن للشركات تحويل هذا التحدي إلى ميزة تنافسية. والهدف ليس قمع الإبداع، ولكن توجيهه من خلال مسارات آمنة ومتوافقة.
بينما تتسابق الشركات لتعزيز أماكن العمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتنير مسارات جديدة للإنتاجية والإبداع والنجاح. ستكون الشركات الأكثر نجاحًا هي من تسير على النهج الصحيح وتوازن بين الابتكار والأمان. لأنها ستعمل على تمكين موظفيها من الاستفادة بأدوات الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على ضمانات قوية ضد المخاطر المحتملة.
بقلم / برنارد مار
المقال الأصلي: هنا