ما من شك في أن كتاب Getting to Yes، لمؤلفيه روجر فيشر وويليام أوري وبروس إم باتون؛ هو كتاب عن التفاوض مثالي وأخلاقي، وعلى الرغم من أنه مكرس للتفاوض أو زاوية معينة فيه، إلا أنه يفتح الباب واسعًا أمام نقاشات جمة.
فأولًا: هو وثيق الصلة بفكرة الآخر والآخرية، شريطة أن ننحي فكرة التفاوض الضيقة جانبًا، كما أنه ثانيًا: كتاب عن التواصل، بل هو يسير، من زاوية ما، في نفس مسار مؤلف يورجين هابرماس الشهير والمسمى «نظرية الفعل التواصلي»؛ إذ يهدف كتاب Getting to Yes ومن قبله كتاب هابرماس إلى الإجماع، والحوار المثمر والخلاق.
اقرأ أيضًا: كتاب The Franchisee Handbook.. لمَ لا تبدأ مشروعك كبيرًا؟
ثيمات كتاب Getting to Yes
لكننا في «رواد الأعمال» سننحي كل المطلات الفكرية وزوايا النظر المحتفة بالكتاب، ونحاول، عوضًا عن ذلك، الوقوف على الثيمات الأساسية في كتاب Getting to Yes مع إعمال قدر ما من الجهد التأويلي، وذلك على النحو التالي..
استيعاب خيارات الآخر
يهدف كتاب Getting to Yes إلى الوصول إلى حالة ودية، وردية في التفاوض، دون صراعات أو تعنيف؛ أي أن الكتاب ينظر إلى عملية التفاوض على أنها حوار مثمر وليس باعتبارها حرب تكسير عظام لإثبات وجهة نظر أو الانتصار لمبدأ على حساب آخر.
هذا كله لن يتحقق إلا من خلال فهم واستيعاب خيارات الطرف الآخر المفاوض، وإدراك أهدافه ودوافعه؛ فمن خلال ذلك يمكن أن نصل إلى المرحلة التي يقول فيها الطرفان في نهاية التفاوض «نعم» للخيارات المقترحة.
فعندما يفهم كل جانب مصالح الطرف الآخر يمكنه بشكل مشترك إنشاء خيارات تعود بالفائدة على الطرفين؛ ما يؤدي إلى تسوية حكيمة ومرضية للطرفين على حد سواء.
اقرأ أيضًا: كتاب The One Thing.. سردية الخفة والاختصار
الشخصنة والمصالح والمواقف
ومن ضمن الثيمات الأساسية أيضًا في كتاب Getting to Yes التشديد على إبعاد الشخصنة، والتركيز على المصالح المشتركة، وعلى سياق الموقف ككل؛ فمن شأن ذلك أن يقودنا إلى نتائج مرضية للجميع.
ينصح المؤلفون المفاوض قائلين:
«ركز على المصالح وليس المواقف».
ولعله بات واضحًا الآن أن أطروحات كتاب Getting to Yes لا تميل إلى المواقف الحدية وإنما المصالح بعيدة الأمد.
من هذه الزاوية يبدو المؤلفون طموحين، فهم لا يقعون في فخ «إما/ أو»؛ أي إما هذا الخيار أو ذاك، وإنما يريدون الحصول على الخيارين معًا.
يقول مؤلفو كتاب Getting to Yes:
«أول شيء تحاول الفوز به هو طريقة أفضل للتفاوض؛ طريقة تتجنب الاضطرار إلى الاختيار بين الرضا عن الحصول على ما تستحقه وأن تكون لائقًا. يمكنك الحصول على كليهما».
إن المفاوض الذي يتبع نهج كتاب Getting to Yes لا يرغب في الانتصار على الخصم أو سحقه، ودحض كل حججة، وإنما هو يسعى عوضًا عن ذلك إلى التوصل لاتفاق عادل يرضي الجميع.
هذا هو عين طرح هابرماس في كتابه المشار إليه أعلاه، فالرجل من أنصار الإجماع والتوحيد، وتنضيد وجهات النظر المتعارضة، ورصفها في كل واحد متجانس.
أضف إلى ذلك أن شخصنة التفاوض لن تدفعك إلا إلى التقليل من الطرف الآخر، وتلك مسألة لا يجب أن تتمناها أصلًا، إن هدفك هو الوصول إلى الحلول المرضية.
«يتيح لك فصل الأشخاص عن المشكلة التعامل بشكل مباشر وعاطفي مع المفاوض الآخر كإنسان؛ ما يجعل من الممكن التوصل إلى اتفاق ودي»
اقرأ أيضًا: كتاب Grit.. لا تستسلم أبدًا
السؤال والصمت
واحد من التكنيكات التي يطرحها مؤلفو كتاب Getting to Yes من أجل التوصل إلى تلك المفاوضات الوردية والمثالية، والمرضية للجميع هو تكنيك السؤال والصمت؛ إذ ينصحان باستخدام الأسئلة بدلًا من العبارات والجمل التقريرية، وباستخدم الصمت كسلاح حينما تجد أن الكلام لا يجدي نفعًا.
وينصحان أيضًا بطرح الأسئلة على الطرف الآخر ثم التوقف؛ فأنت، حسب مؤلفي كتاب Getting to Yes، تحظى ببعض مفاوضاتك الأكثر فاعلية عندما لا تتحدث.
والحق أن هذه الاستراتيجيات في التفاوض ليست بالجديدة، لكن المهم تطبيقها وإنزال هذه التنظيرات إلى أرض الواقع.
قواعد تفاوض مقترحة
ولأن مؤلفي كتاب Getting to Yes مصرون على التوصل إلى الحلول المرضية لكل الأطراف المتحاورة؛ عبر تفاوض ودي/ وردي، فإنهم يقترحون الأفكار التالية..
-
التركيز على المشكلة
لا يتواصل البشر بوضوح، وعادة ما يخلطون بين غرورهم ومواقفهم. هاجم المشكلة بدلًا من الناس.
-
الاهتمامات
انتبه إلى مجالات الاهتمام لمكافحة عيب التركيز على المواقف المعلنة، بالإضافة إلى حتمية العمل على تلبية المصالح الأساسية التي دفعت الطرفين إلى تبني مواقفهما في المقام الأول.
-
الخيارات المتعدة
يُعد تصميم الحلول المثلى أثناء الضغط أمرًا صعبًا؛ فالاضطرار إلى اتخاذ القرارات في وجود خصمك يضيق رؤيتك.
لذا لو كان لديك الكثير على المحك، أو قضيت كل وقتك في البحث عن حل واحد مثالي، فقد يتعطل إبداعك وتنضب قريحتك، ومن ثم عليك أن تحدد وقتًا مخصصًا لتوليد الحلول والخيارات الممكنة التي تعمل على تعزيز المصالح المشتركة وتسوية الخلافات بشكل خلاق.
-
المعايير الموضوعية
يمكن لبعض المفاوضين الحصول على ما يريدون ببساطة عن طريق العناد. واجه مثل هذا المفاوض بالإصرار على أن الصوت الواحد لا يكفي.
ولك أن تطالب أيضًا بأن تعكس الاتفاقية “معايير موضوعية” عادلة، مستقلة عن مجرد رغبات كل جانب، ضع الشروط على معايير غير متحيزة مثل القيمة السوقية، أو رأي الخبراء أو العرف أو القانون. لا أحد يجب أن يستسلم. يمكن للطرفين العمل سويًا من أجل حل عادل، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاحتكام إلى تلك المعايير الموضوعية.
وفي النهاية لك أن تعلم أنه لا يمكن لأي طريقة أن تنجح إذا كان لدى الطرف الآخر كل النفوذ، إن أقصى ما يمكن أن تفعله أي طريقة تفاوض هو حمايتك من قبول اتفاقية يجب أن ترفضها، وتساعدك في تحقيق أقصى استفادة من الأصول التي لديك.
اقرأ أيضًا: كتاب Simple Habits for Complex Times.. القيادة في عالم مضطرب
الوسيط كملاذ أخير
ولكن هب أن كل ما فات لم يجد نفعًا، ولم نتوصل إلى الحلول المرضية وذهبت كل المحاولات أدراج الرياح، ما العمل؟
عندئذ يرى مؤلفو كتاب Getting to Yes أن الطرف الثالث أو الوسيط هو الملاذ الأخير؛ حيث يمكن للوسطاء فصل الناس عن المشكلة بسهولة أكبر، وتوجيه المناقشة نحو الاهتمامات والخيارات، كما يمكنهم في كثير من الأحيان اقتراح بعض الأسس المحايدة لاتخاذ القرار وتقليل عدد القرارات اللازمة للتوصل إلى اتفاق.
إنهم يحاولون أيضًا معرفة: لماذا يريد المفاوضون ما يريدونه؟ أي أنهم يدفعون المتفاوضين إلى التشكيك في خياراتهم الحدية والمتصلبة، وعادة ما يعد الوسطاء قائمة بالاهتمامات والاحتياجات لدى المتفاوضين، ثم يطلبون من كل جانب انتقاد القائمة وإجراء التحسينات اللازمة عليها؛ أملًا في الوصول إلى الاتفاق العادل والحلول الوسط.
اقرأ أيضًا:
كتاب The Power of Less.. البساطة في مواجهة السرعة
كتاب Soonish.. اليوتوبيا أم الكارثة؟
كتاب The Motive.. دوافع ومهام المدراء التنفيذيين
كتاب Company of One.. جدوى التوسع والنمو
كتاب Measure What Matters وطرق تحقيق المعجزات