لقبها البعض بملكة الألوان، لما تملكه من ذوق خاص ورؤية ثاقبة، وحس مرهف قادر على وضع اللمسات الأخيرة لأي مكان؛ فيمنحه من الدفء والتناسق ما يُبدل ملامحه ويبرز جماله. ربما كان لنشأتها مع أم تهوى الفن ووسط بيت يكتظ بلوحات كبار الفنانين، التأثير الأكبر على الطابع الفني لديها والذي عززته –فيما بعد- بالدراسة والبحث والعمل الدؤوب.
لم تخطط يومًا لما وصلت إليه من مكانة، ولم يشغلها سوى إتقان العمل؛ فتركت لريشتها العنان لتضع بصمتها الفريدة في عالم “فن الترمبلوي”.. في السطور التالية تسرد لنا الدكتورة “رشا العجرودي” تفاصيل مشوار نجاحها في هذا المجال..
حوار: سلمى ياسين
من رشا العجرودي في سطور؟
أنا فنانة تشكيلية، تخرجت من كلية فنون جميلة بجامعة الأسكندرية عام 1994، ودعمت دراستي في إحدى الجامعات الأمريكية، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون بجامعة الأسكندرية والتي أقوم حاليًا بالتدريس فيها، ولدي أنشطة في مجال الفن التشكيلي، بجانب امتهان فن الترمبلوي Trompe L’oeil””؛ حيث مجال عملي الذي أمارسه بالاستعانة بـ 40 فنانًا وفنانة.
وما هو فن الترمبلوي؟
هو أحد أنواع فنون الرسم علي الجدران التي برع فيها القدماء المصريون؛ لتجميل القصور والمعابد، ومنح الأماكن أبعادًا معينه توحي بالاتساع، كما كان يُستخدم لأغراض التمويه والخداع البصري؛ حيث رسم السلالم الوهمية في القبور والسراديب لتضليل لصوص المقابر.
ملامح البداية
كيف كانت البداية؟
تربيت منذ طفولتي في بيت يهوى الفن؛ إذ كانت والدتي تحب اقتناء الأعمال الفنية لكبار الفنانين بمعرضها الخاص بالأسكندرية؛ ومن ثم أثر ذلك على بزوغ موهبتي الفنية منذ الصغر، ثم شجعني أبي على السفر للخارج ومواصلة دراستي كبداية لاحتراف فن الترمبلوي.
متى بدأت الانطلاقة الفعلية ؟
في عام 1997عُرض عليَّ عمل خاص، وطلبت من أحد المصورين تصويره –بعد الانتهاء منه- لأرسله لمجلة “Selections” التابعة لوكالة “Animation” للدعاية والإعلان، والتي كانت كبرى المجلات المملوكة آنذاك لمحمد السعدي وآخرين، ومن هنا بدأ تسليط الضوء على أعمالي الفنية، فكانت بمثابة المحطة الأولى للإنطلاق.
أهم الإنجازات
ماذا عن أبرز أعمالك؟
تتمثل أهم أعمالي في تزيين نادي الطيران والدفاع المدني، وفنادق فور سيزونز في نايل بلازا، وكمبينسكي النيل، بجانب قاعة كبار الزوار بمطار القاهرة، وهيلتون دريم شرم الشيخ، وهيلتون جرين بلازا، وفندق فور سيزونز سان استيفانو بالأسكندرية، إلي جانب بعض القصور و الفيلات في القاهرة و الأسكندرية.
ما العمل الذي اعتبرتيه نقلة في حياتك المهنية؟
كل عمل قمت به كان ذا طابع خاص، وكان يُعتبر نقلة في حياتي؛ ففي كل مرة كنت أواجه من الخبرات والثقافات المختلفة ما يُثقل خِبرتي ويزيد من مهاراتي.
هل نفذتِ أعمالًا خارج مصر؟
شاركت في معرض بالولايات المتحدة الأمريكية أثناء دراستي، كما دُعيت لحضور الكثير من المهرجانات الفنية وورش العمل في تونس. من ناحية أخرى، عُرض عليَّ تنفيذ بعض الأعمال في دبي، كما تعاملت مع شركة إيطالية طلبت مني أعمالًا لعرضها في المملكة العربية السعودية.
تميز وإبداع
ما الذي يميز أعمالك عن غيرها؟
الإبداع والتنوع، فليس لي عمل يشبه الآخر؛ إذ أسعى دائمًا للابتكار وخلق كل ما هو جديد وفقًا لطابع وذوق المكان ورغبة العميل، مع بذل كل ما يتطلبه العمل من جهد ووقت ومال؛ لجلب أحدث الأدوات والتقنيات، ولإنهاء العمل بالصورة المثلى التي تكاد تحاكي الواقعية البحتة “Pictorial Art” والتي يرغب العملاء دائمًا في الحصول عليها.
من أين تستوحين أفكارك للرسم؟
لا حدود لمصادر الإلهام، فجميع المصادر متاحة، كما أن “ستايل” المكان ونوعية المفروشات والأثاث هي التي تفرض نوعية الفن المكمل له.
معوقات وتحديات
ماذا عن التحديات التي تواجهينها أثناء ممارسة عملك؟
في البداية، كانت التحديات تتمثل في عنصري الوقت والمادة؛ فكان عليَّ إنجاز عملي في أقصر وقت ممكن ومن دون النظر للمقابل المادي؛ لأنني كنت في مرحلة إثبات الذات. أما الآن، فيتمثل التحدي الأكبر في الحفاظ على مستوى النجاح المُحقَق في ظل الشائعات التي تشنها بعض الجهات المنافسة أحيانًا، بالإضافة إلى الصمود وسط زخم الأحداث السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد بين حين وآخر.
من ناحية أُخرى، أعتمد دائمًا على الخامات المستوردة عالية الجودة، والتي ارتفعت تكاليف اقتنائها بصورة كبيرة حاليًا مقارنة بالماضي.
كيف أصبحتِ رائدة أعمال في مجالك؟
لم أخطط يومًا لأصبح رائدة أعمال في مجالي، ولكنني أتقنت عملي، ومكثت نحو 23 عامًا علاوة على سنوات الجامعة ما بين الدراسة والتعلم والعمل الدؤوب؛ ما جعلني أتميز في مجالي وأنجح فيه بشكل سريع.
ماذا عن معرضك الخاص في الزمالك؟
بَدَأت فكرة “جاليري النيل” منذ عام 2010، حينما طلب مني إقامة معرض فني على ضوء مؤتمر الإتجار بالبشر، وقمت بعمل مجموعة متميزة من الأعمال الفنية بالاشتراك مع الطلبة بالكلية، وقد نالت إعجاب الكثيرين حينها؛ ومن ثم قررت افتتاح قاعة العرض الخاصة بي رسميًا منذ عام ونصف.
متى وصلتِ إلى مرحلة النضج الفني؟
بعد زواجي؛ لأن زوجي مهندس معماري، فتعلمت منه كيفية منح الرسومات أبعادًا هندسية ومعمارية مذهلة تؤثر بشكل كبير على جودة العمل، كما كان سببًا في إكسابي خبرات جديدة في تنفيذ التصميمات المختلفة، علاوة على كيفية استخدام الإضاءات والأشكال الجبسية بطريقة احترافية تضفي جمالًا ورونقًا خاصًا على أعمالي.
رؤية وحلم
وما الذي تطمحين إليه؟
حلم حياتي هو إحياء التراث السكندري بتغيير واجهة الكورنيش بطرازات على جدران المباني تعكس المراحل التاريخية التي مرت بها الأسكندرية ، بداية من عصر القدماء المصريين، ومرورًا بعصور الإغريق والبطلميين، ثم الفن الإسلامي وحتى المرحلة المعاصرة.
هل بدأتِ الخطوات الأولى لتنفيذ حلمك؟
هذا المشروع ضخم جدًا ويحتاج لتمويل هائل. وكُنت قد عرضت الفكرة على محافظ الأسكندرية، حينما كنت معيدة بالجامعة، والذي رحب بالفكرة، إلا أنه طلب مني تقديم دراسة وافية للمشروع، بالاستعانة بكيميائيين متخصصين؛ لاستخلاص نوعية الدهانات الملائمة لمباني كورنيش الأسكندرية نظرًا لطبيعة المنطقة المُتسمة بالرطوبة المرتفعة، بينما لم تَكُن تتوفر لدي الموارد المالية الكافية حينها، ولكني حتمًا سأنفذ هذا المشروع يومًا ما بمشيئة الله تعالى.
ما رؤيتك لمستقبل الفن في مصر والوطن العربي؟
متفائلة جدًا، لاسيما بعد توصيات البنك المركزي بالاستثمار في المجال الفني بصفة عامة، خاصة في لوحات الشباب؛ فالأعمال الفنية لا تفقد قيمتها مثلما يحدث أحيانًا في سوق العقارات على سبيل المثال، بل تزداد قيمةّ وجمالًا بمرور الوقت.
وفيما يخص فن الترمبلوي، هناك دول تستعين بفنانين أجانب للقيام ببعض الأعمال، على الرغم من وجود فنانين عرب لديهم من المهارة والخبرة والذوق الرفيع، ما يمكنهم من أداء الأعمال نفسها بجودة أعلى وتكلفة أقل.
إتقان العمل
بماذا تنصحين الشباب المقبل على تأسيس مشروعات؟
أنصح كل من يرغب في تأسيس مشروعه الخاص، بألا ينشغل –مطلقًا- بالعائد المادي في البداية، بل بالتركيز على إتقان العمل، والسعي لدراسة كل خطوة بشكل وافٍ قبل تنفيذها؛ حيث السبيل الوحيد لتمييز العمل وتفرده، ومن ثم فرض نفسه على السوق، وسوف يجد كل مجتهد ثمرة عمله من العوائد المادية والمعنوية دون التخطيط لذلك.