استنكر عدد من المفكرين وخبراء التنمية، اعتبار “البشر” أحد موارد التنمية، كالأرض ورأس المال والخامات والآلات؛ كون “الإنسان” هو “هدف التنمية” ؛ فلا يصح أن يكون “أداة” من أدواتها.
ومع معقولية هذا الرأي، لكنه لا ينفي أن التنمية هدفها الإنسان وبالإنسان، فهو عنصر مشارك فعال. وقد طال هذا الاعتراض مفهوم تنمية الموارد البشرية HRD، ، فتم طرح مفهوم بديل له أو موازٍ وهو:
التنمية البشرية Human Development؛ أي “تحسين نوعية الحياة Quality of life؛ وليس “تحسين نوعية البشر Quality of Human ، وبناءً عليه، تم تعريف التنمية البشرية بأنها: “توسيع البدائل والخيارات أمام البشر”؛ بمعنى أن “تحسين نوعية الحياة”، يستلزم توفير حزمة احتياجات أساسية مادية وغير مادية للبشر؛ ليختاروا ما يناسبهم من حيث الجودة والسعر مثل: تنوع الغذاء، تنوع السكن، تنوع الكساء، تنوع التعليم، بدائل للرعاية الصحية والعلاج، وسائل متنوعة لحرية الاعتقاد وحرية التعبير، التنوع الثقافي، العدالة والمساواة، الأمن.
والملاحظ أن مفهوم “التنمية البشرية” لم يلغِ مفهوم ومبدأ “تنمية الموارد البشرية” بل أضاف له. وهكذا في “التنمية” عمومًا، كل جديد لم يلغِ ما قبله، بل استوعبه وأضاف له، فعندما جاءت الثورة الصناعية الأولي (عصر البخار)، لم تلغِ الزراعة، وعندما نمت الزراعة لم تلغِ الرعي، وعندما تطورت تقنيات تربية الثروة الحيوانية والسمكية والمراعي والمزارع، لم يندثر نشاط “الصيد”. هذا درس في “التنمية”: الجديد يضيف إلى القديم، ولايقصيه.
وتطور مفهوم “التنمية البشرية”؛ حتى تبنته “الأمم المتحدة UN” وأصدرت له دليلًا باسم “دليل التنمية البشرية” Human Development Index ابتكره خبير تنمية باكستاني، وأصبح هناك كتاب سنوي للتنمية البشرية، يقيس ويرتب الدول (193 دولة أعضاء الأمم المتحدة) حسب درجاتهم في التنمية البشرية، وهو أفضل كثيراً من مؤشر “النمو”، الذي يتخذه البنك الدولي وشركاه، كمؤشر رئيس للتقدم والمقارنة بين الدول.
ولأهمية هذا الدليل وانتشاره، نلقي الضوء عليه، ليس فقط لأهميته، بل لأنه مصدر جيد “للمعرفة” لرواد الأعمال؛ حيث يوضح “أوجه القصور والنقص” في الأنشطة المختلفة والاحتياجات الأساسية” للدول؛ ما يمثل “فرصة” للاستثمار يمكن تلبيتها.
إنَّ “دليل التنمية البشرية” عبارة عن مؤشر من عشر درجات، يقيس مستوى “التنمية البشرية” في كل دولة من خلال قياس “درجة الحرمان” و”درجة الإشباع” فعندما نقول إنَّ مؤشرها دولة ما في التنمية البشرية=6، فهذا يعني أن درجة “إشباع” الاحتياجات البشرية الأساسية في هذه الدولة = 6/10 ودرجة الحرمان بالتالي = 4/10. ويتم حساب درجة الإشباع والحرمان وفق قياسات ومعايير مختلفة تشمل: خدمات التعليم/الصحة والعلاج/السكن/الغذاء/ الكساء/ الثقافة / الترفيه/ الاتصالات/ الدخل/ الأمن/ العدالة/ الحرية للتعبير/ البيئة.
ومؤشر “التنمية البشرية”، ابتكره مفكر وخبير باكستاني مسلم؛ ما يدل على أننا كدول وأفراد من عالم نامي أو إسلامي أو عربي، قادرون على “ابتكار” و”تطبيق” معارف ومفاهيم ومناهج “تنمية” تناسب ظروفنا، وتحقق أهدافنا وطموحاتنا بأكثر كفاءة وفاعلية من الوصفات غير الرشيدة التي يقدمها البنك الدولي وشركاه للدول الراغبة في التنمية والانطلاق، والتي تشتهر بروشتة “الإصلاح الاقتصادي”، والتي هي في حقيقتها عمليات إصلاح مالي ونقدي مؤقتة، تتسم بإجراءات تقشفية قاسية، ولا يتبعها أية إرشادات للتنمية الحقيقية.