تشكّل ظاهرة الاحتراق الوظيفي، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها بيئة الأعمال، تحديًا كبيرًا يهدد استدامة الإنتاجية وسلامة الأفراد. هذه الظاهرة لا تظهر بشكل مفاجئ، بل هي نتاج تراكم بطيء لضغوط العمل وإهمال الذات وتجاهل إشارات الإنذار المبكرة.
ومن هذا المنطلق يصبح تبنّي عادات صحية يومية خط الدفاع الأول للحفاظ على الطاقة والحماس، والوقاية من الانزلاق نحو الإرهاق.
وفي سياق متصل يمكن الوقاية من الاحتراق الوظيفي عبر اتباع منهجية متكاملة تتجاوز الجانب المهني، لتشمل مختلف جوانب الحياة. وتقدم هذه المنهجية حلولًا بسيطة وفعّالة تسهم في تجنب الإرهاق المزمن. كما تعزز من قدرة الأفراد على الاستمرار بذهن صافٍ وجسد متوازن، وهو ما يعود بالنفع على الفرد والمؤسسة معًا.
النمو الشخصي والصحة الجسدية
تعدّ ممارسة النمو الشخصي ركيزة أساسية في مواجهة مخاطر الإرهاق الوظيفي. في هذا السياق تعدّ أولى الخطوات تحديد الأهداف اليومية؛ إذ إن صياغة هدف واضح تضفي على يومك تركيزًا وتقلل من حالة التشتت التي تؤدي إلى الإجهاد. علاوة على ذلك يعزز تسجيل ثلاثة إنجازات يومية، مهما بدت صغيرة، من الشعور بالرضا والتقدم؛ ما يقوي ثقة الفرد بقدراته.
وعلى الصعيد نفسه تعتبر الصحة الجسدية من أهم العادات التي يجب تبنيها. فالمشي لعشر دقائق في الصباح ينشط الدورة الدموية ويصفي الذهن، ما يجهز الجسم ليوم عمل مثمر. بالإضافة إلى ذلك يساهم اختيار وجبات متوازنة من الأطعمة الكاملة في تقليل التعب والإجهاد؛ حيث تزود الجسم بالطاقة اللازمة لمواجهة تحديات العمل.
العلاقات الاجتماعية والهوايات
في سياق متصل تشكل العلاقات الاجتماعية الداعمة حجر الزاوية في الوقاية من الاحتراق الوظيفي. فبناء علاقات متينة مع أشخاص موثوقين ومشاركة الأفكار معهم يوفر متنفسًا عاطفيًا ويقلل من الشعور بالوحدة. من ناحية أخرى ينصح بتخصيص وجبة واحدة على الأقل بعيدًا عن الشاشات لتناولها مع العائلة أو الأصدقاء، ما يقوي الروابط الإنسانية.
أما بالنسبة للهوايات فتؤدي دورًا حيويًا في تجديد الطاقة الروحية. فممارسة نشاط إبداعي أسبوعيًا، كالكتابة أو الرسم أو العزف، تجدد طاقة الفرد وتمكنه من التعبير عن ذاته بطرق مختلفة. وبالمثل يجنبك استبدال الإفراط في استخدام الشاشة بهواية ممتعة، كالقراءة أو تعلم مهارة جديدة، الإرهاق الذهني الناجم عن التصفح المستمر.
العمل والعبادة
وفيما يتعلق بالعمل يشكّل التركيز على مهمة واحدة أمرًا بالغ الأهمية. فتعدد المهام يستهلك الطاقة ويقلل الإنتاجية، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الشعور بالإرهاق والإحباط. كما يجب تحديد أهداف معقولة، وعدم إرهاق النفس بمحاولة إنجاز كل شيء دفعة واحدة. ما يعزز من الشعور بالإنجاز، ويقلل الضغط النفسي.
وعلى صعيد آخر تأتي العبادة والروحانية من العادات التي تعزز السلام الداخلي. ففعل عمل طيب يوميًا، حتى لو كان لفتة بسيطة، قد يغير يومك ويوم الآخرين، ويعزز من شعورك بالهدف. كذلك فإن كتابة ثلاثة أشياء ممتن لها يوميًا، يعزز الامتنان والرضا. ويقلل التوتر والقلق، ويبعدك عن التركيز على السلبيات.
المال والأمان
تؤثر الجوانب المالية في الصحة النفسية بشكلٍ كبير؛ لذلك تعد إدارة المال من العادات التي تساعد على الوقاية من الاحتراق الوظيفي. أولاها: إلغاء الاشتراكات غير الضرورية، فتقليل الإنفاق يقلل من القلق المالي، ويعزز من شعورك بالتحكم في حياتك.
كما أن ادخار 10% من دخلك الشهري تلقائيًا يعزز من الأمان المالي، ويقدم شعورًا بالاستقرار. هذا الأمان يخفّض التوتر المتعلق بالمستقبل، ويمكنك من التركيز على عملك بذهن صافٍ، بدلًا من الانشغال بالمشاكل المالية التي قد تُسبب الإرهاق.
خطوات صغيرة لنتائج كبيرة
في المحصلة تعدّ مواجهة ظاهرة الاحتراق الوظيفي مسؤولية مشتركة، تتطلب من جميع الأفراد تبنّي عادات صحية وشمولية في مختلف جوانب حياتهم. ولا شك أن دمج هذه الخطوات الصغيرة في الروتين اليومي لا يقتصر على حماية الصحة النفسية والجسدية فحسب. بل يمنح الفرد أيضًا مرونة أكبر وطاقة متجددة لمواجهة تحديات الحياة المعاصرة.
وعليه فإن التحول من مجرد البقاء في بيئة العمل إلى الازدهار فيها هو نتيجة حتمية لهذه المنهجية المتكاملة التي تعيد تعريف التوازن بين الحياة المهنية والشخصية. وتحول العمل من مصدر للضغط إلى منبع للإنجاز والرضا المستدامين.




