عادةً ما تثير المسؤولية الاجتماعية للشركات العديد من الخلافات والتضارب في وجهات النظر، ولعل أحد أبرز وأحدث هذه الجدالات هو ذاك المتلعق بمدى طوعية أو إلزامية المسؤولية الاجتماعية للشركات؟ أي هل الشركة ملزمة برد الجميل للمجتمع أم أنها تفعل ذلك طواعية؟
طبعًا الإجابة عن هذا السؤال _الذي يحيل إلى ممارسة عملية في المقام الأول_ مرتهنة بالمعكسر النظري الذي يقف فيه المجيبون عنه؛ فأنصار الرأسمالية (في صورتها الخام) ومؤيدو نظرية السوق الحر سوف يعارضون كل محاولة لفرض المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وعلى الجانب الآخر، سيناضل أصحاب المعسكر الآخر الذي هو، في الأغلب، ذو جذور ماركسية أو اشتراكية؛ من أجل تمرير القوانين والتشريعات التي تفرض على الشركة القيام بدور مسؤول تجاه المجتمع.
اقرأ ايضًا: تفعيل المسؤولية الاجتماعية.. أول الغيث قطرة
طوعية المسؤولية الاجتماعية للشركات
لكن أين الحقيقة في خضم هذا الجدل المتصاعد؟ ذلك ما سيحاول «رواد الأعمال» استكشافه أو، على الأقل، بسط وجهات النظر المتضاربة؛ أملًا في أن يعثر القارئ الكريم لنفسه على وجهة نظر تخصه.
علينا أن نضع الأمر، أولًا، في سياقه الصحيح؛ فالأصل في المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ حسب “لي وين لين”؛ الأستاذ المساعد في كلية “بيتر أ. ألارد للقانون” بجامعة كولومبيا البريطانية، هو الطوعية، فغالبًا ما تشير المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) إلى:
«تجاوز الشركات طواعية ما يتطلبه القانون؛ لتحقيق أهداف اجتماعية وبيئية أثناء ممارسة أنشطتها التجارية اليومية».
عادةً ما تُعتبر المسؤولية الاجتماعية للشركات طوعية وتتجاوز الامتثال للقانون. ومع ذلك، اتبعت دول قليلة، مثل: الصين، والهند، وإندونيسيا، نهجًا تقدميًا يفرض على الشركات لعب دور ما على الصعيد الاجتماعي والبيئي؛ أي أن هذه الدول استحدثت، في سابقة في عالم التجارة، نوعًا من التشريعات التي تحتم على الشركات أداء واجب معين تجاه المجتمع المحيط الذي تعمل فيه، وربما تجاه المجتمع ككل.
وتنص قوانين الشركات الخاصة بهم صراحة على أن الشركات يجب أن تشارك في أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات.
وعلى أي حال، فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات (وكذلك جميع أنواع المسؤولية) هي حسب التعريف طوعية. وسواء كنت مسؤولاً أم لا، فهذا نتيجة خيار تتخذه.
وربما تكون الصين أول دولة في العالم تكتب صراحة عبارة “المسؤولية الاجتماعية للشركات” في نظام تشريعها الأساسي؛ حيث ينص قانون الشركات الصيني لعام 2006 على أنه:
«في سياق ممارسة الأعمال التجارية، يجب أن تمتثل الشركة للقوانين واللوائح الإدارية، وتتوافق مع الأخلاق الاجتماعية وأخلاقيات العمل، وتتصرف بحسن نية، وتخضع نفسها لإشراف الحكومة والإشراف العام، والاضطلاع بالمسؤولية الاجتماعية».
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية لدى ماكدونالدز
اختيار وقرار تجاري
لكن حين نقول إن المسؤولية الاجتماعية اختيار طوعي (هي من حيث الأصل كذلك ما لم تفرضها الدولة ومن ثم تصير إلزامية) فهذا معناه أن الشركات مخيرة إما تتبعها أو لا، لكن قد يقول قائل: إن مسؤولية الشركة هي قرار تجاري جيد، وهي، من جهة كونها تنطوي على مكاسب تجارية واقتصادية جمة، من هذه الجهة تبدو إلزامًا، أو خيار الضرورة على أقل الأحوال.
كلا الأمرين صحيح في الواقع، والعبرة هنا في الزاوية التي ننظر بها إلى المسؤولية الاجتماعية للشركات، والأجدى من ذلك كله هو ماهية النفع الذي يعود على المجتمع في نهاية المطاف.
ففي النهاية لا يعنينا سواء نظرت الشركة إلى المسؤولية الاجتماعية كتطوع أم إلزام، وإنما ما يعنينا، كأفراد في المجتمع، هو النتيجة التي سوف تتمخض عنها هذه الممارسات.
اقرأ أيضًا: نمو المسؤولية الاجتماعية.. الضمير كرقيب داخلي
هل ثمة جميل لنرده؟!
دائمًا ما يطرح الرأسماليون رؤى وتصورات غريبة، فها هو، على سبيل المثال، البروفيسور والباحث “Mark J. Perry” يؤكد وبعزم لا يلين أنه لا يوجد دين على الناجحين كي يردوه، إن الناجحين، حسب ظنه، نجحوا لأنهم أرادوا ذلك، واتخذوا شتى السبل والطرق التي تخولهم من الوصول إلى أهدافهم.
وهو هنا، كما يعلم كل مطلع على تراث النظرية الماركسية، يرفض وجهة النظر التي درج الماركسيون على ترديدها والتي تقول: إن الأثرياء لم يتمكنوا من أن يكونوا كذلك إلا عن طريق استغلال الفقراء، وشراء «قوة عملهم».
ويتقدم Mark J. Perry خطوة أخرى على طريق صدم وعينا، إلى الأمام، فيقول إن كل العلاقات الاجتماعية _من اتفهها إلى أرفعها_ قائمة على التبادل؛ إذ ثمة مصلحة ما تعود عليك _حتى ولو كانت مصلحة معنوية كأن تشعر بحب ذاتك أو تقديرك إياها_ حين تمد يد العون والمساعدة لشخص ما.
وفي عالم الأعمال، تمسي العلاقات، حسب طرحه البروفيسور Mark J. Perry، أجلى وأوضح؛ فالشركة تقدم للمجتمع بعض الخدمات _أي تلتزم بالمسؤولية الاجتماعية للشركات_ لأنها تفكر في الأرباح والمكاسب التي سوف تحصل عليها من خلال ذلك.
والمجتمع، ممثلًا في أفراده وشرائح مستهلكيه، يقبل على الشراء من هذه الشركات التي تلعب دورًا إيجابيًا في المجتمع؛ لأنه يريد أن يحصل على المزيد من خدماتها، تلك هي قواعد اللعبة إذًا.
اقرأ أيضًا:
مبادئ المسؤولية الاجتماعية لدى جوجل.. ممارسات مستدامة
المركز السعودي لـ «المسؤولية الاجتماعية».. جهود تنموية فعالة
دراسة: 89% من موظفي المملكة يؤمنون بأهمية التقنيات الخضراء