يتأرجح الرضا الوظيفي لدى العاملين بين منح مساحة من حرية التفكير وتشجيع المبادرة بالاقتراحات وتبادل الآراء من أجل بلوغ الأهداف، وبين كبت الأفكار وتهميش مقترحات الأفراد وتحريكهم كقطع الشطرنج؛ ذلك الخط الفاصل هو ما يطلق عليه “الابتكار المحمود والاجتهاد المذموم”، والذي لا يدركه إلا القائد الناجح الخبير بقواعد وسلوك العمل الإداري.
وليس أمتع للموظف من معرفته الجيدة بطبيعة عمله، وطبيعة الصلاحيات الممنوحة له، ومجال علاقاته المهنية مع الرؤساء والمرؤوسين؛ فلا يفرط في حقه بالاجتهاد المحمود الذي يحقق صالح العمل، ويعبّر جيدًا عن ذاته، ويحقق تطوره الوظيفي؛ بعيدًا عن إظهار اجتهاد وهمي يُسوِّق فرضيات دون علم أو دراية، ولا يحقق مصلحة العمل.
والتوصيف الجيد للمهام يقي الموظفين عواقب التجاوز السيئ لطبيعة مهامهم والقفز على صلاحياتهم؛ فيُجنّبهم الوقوع في دائرة الشك المهني وتعرضهم للتقييم السلبي، كما يضمن عدم طغيان مدير العمل على أفكار موظفيه، ومنعهم من المشاركة في العمل حتى لا يزعموا فضلهم على المؤسسة.
القائد الناجح هو من يجيد تفسير معطيات البيئة الإدارية، ويُحْسّن تفهم طبيعة العلاقات في بيئة العمل؛ وذلك بإدراك العلاقة الوثيقة بين معدلات غياب الموظف عن العمل -التي قد تبلغ حد التغيّب العمدي ولأسباب واهية- ومستوى الانتماء الوظيفي، والعلاقة المباشرة بين جودة سياسات التحفيز المادية والمعنوية والتشجيع بالمكافآت، ومعدل الدوران الوظيفي؛ أي التوظيف بالمؤسسة؛ فذلك يؤدي إلى تعرُّف العاملين على عدالة توزيع الأعمال، ومناسبة الأجور والترقيات، مع تقاسم الأعباء بشكل علني؛ حتى لا تُبعدهم التصورات الوهمية والتأويلات الخاطئة عما يعتقدون أنه ظلم يتعرضون له؛ كون غياب الشفافية وتعسف المديرين من أخطر الأعمال التي تهدد بفشل وانهيار المؤسسات.
إن أهم أدوات تحقيق الرضا الوظيفي لدى العاملين؛ هو شعورهم بالعدل، واحترام الإدارة لهم بتنمية مساحة الإبداع لديهم؛ ما يترك آثاره الرائعة في شخصية الفرد؛ وبالتالي ينعكس على نجاح المؤسسة، فحرية الإبداع تتيح الاستمتاع بالعمل، والقدرة على توظيف المواهب، وتمنح الثقة بالنفس وتقدير الذات؛ الأمر الذي يضاعف إحساس الموظف بالقوة والتحكم في عمله، وكسب احترام الزملاء، وتقدير الرؤساء؛ ما يمنحه حافزًا على بذل مزيد من الجهد، وما يترتب على ذلك من زيادة الدخل المالي واستقرار حياته الاقتصادية.
هذا جزء من حجم حقيقة الحاجة إلى الإبداع المحمود الذي تزداد به الحياة جمالًا، والأهم أن يتحقق معها الرضا الوظيفي لمجموع العاملين؛ فالاجتهاد المحمود يكون عادةً بعلم وموافقة زملاء العمل وبدعم من قائد الفريق؛ لأنه يقع في إطار الخط العام لعمل الفريق، ويتعلق بالمتغيرات وليس بالثوابت؛ لذلك من الضروري أن يحدث بشكل متدرج، وليس في شكل طفرات مفاجئة؛ منعًا للمخاطرة؛ فتبقى الخسارة -إن وقعت- في حدود المتوقع والمسموح به؛ وعليه تتشكل في نفوس فريق العمل حالة من الاقتناع والرضا.
صبحة بغورة