غيرت موضة الأزياء السريعة الطريقة التي نستهلك بها الملابس؛ إذ تقدم أحدث صيحات الموضة بأسعار معقولة وبسرعة مذهلة. وعلى الرغم من الراحة والسهولة المصاحبة لموضة الأزياء السريعة؛ إلا أن التكلفة البيئية غالبًا ما تكون كبيرة وغالبًا ما يتم تجاهلها.
أما بالنسبة لنا كمستهلكين، فمن السهل أن نقع في إغراء الموضة السريعة، ولكن التكلفة الحقيقية تتجاوز السعر بكثير. سنحاول استكشاف التكلفة البيئية الخفية للأزياء السريعة، بداية من الاستخدام المفرط للموارد والتلوث إلى نفايات المنسوجات. وصولًا إلى تقديم بدائل أكثر استدامة تساعد على تقليل التأثير على الكوكب.
استهلاك المياه والتلوث
إن أكثر الجوانب ضررًا في الأزياء السريعة هي كمية المياه الهائلة التي تستهلكها. كما أن صناعة الموضة مسؤولة عن نحو 10% من الاستهلاك العالمي للمياه. مما يجعلها واحدة من أكثر الصناعات استهلاكًا للمياه على هذا الكوكب. وعلى سبيل المثال، يتطلب إنتاج قميص قطني واحد فقط حوالي 2700 لتر من المياه – أي ما يكفي من مياه الشرب لشخص واحد لأكثر من عامين.
كذلك يستنزف هذا الاستهلاك المفرط للمياه مصادر المياه الطبيعية. خاصة في المناطق التي تعاني أصلًا من ندرة المياه؛ ما يفاقم أزمة المياه العالمية.
وعلاوة على ذلك، تساهم عمليات الصباغة التي تنطوي عليها صناعة الملابس بشكل كبير في تلوث المياه؛ إذ يتم إطلاق مياه الصرف الصحي من مصانع النسيج. والتي غالبًا ما تكون غير معالجة، في الأنهار والمحيطات، وهي مليئة بالمواد الكيميائية السامة والمعادن الثقيلة والأصباغ.
كما تضر هذه المياه الملوثة بالحياة البحرية وتلحق الضرر بالنظم الإيكولوجية، وغالبًا ما ينتهي بها الأمر إلى تلويث إمدادات مياه الشرب في المجتمعات المحيطة.
نفايات المنسوجات
إن صعود الموضة السريعة يتطلب دورات الإنتاج والاستهلاك السريعة، مما يشجع المستهلكين على شراء ملابس جديدة بشكل متكرر والتخلص منها بنفس السرعة.
وتؤدي ثقافة التخلص من الملابس إلى كمية هائلة من نفايات المنسوجات. فعلى الصعيد العالمي، ينتهي المطاف بما يقدر بنحو 92 مليون طن من المنسوجات في مدافن النفايات كل عام.
كما تستغرق الأقمشة الاصطناعية مثل البوليستر، التي يشيع استخدامها في الأزياء السريعة، مئات السنين لتتحلل. بينما تطلق المواد البلاستيكية الدقيقة في البيئة.
ولا يتم إعادة تدوير غالبية الملابس المهملة؛ حتى الملابس التي يتم التبرع بها غالبًا ما ينتهي بها المطاف في مدافن النفايات بسبب زيادة المعروض منها. وتعاني العديد منها البلدان النامية. حيث يتم تصدير الملابس المستعملة، من مشاكل إدارة النفايات الناجمة عن تدفق الملابس غير المباعة من الدول الغنية. وتؤدي هذه النفايات إلى زيادة الضغط على البيئة، حيث تستهلك أراضٍ ثمينة وتلوث الهواء والتربة.
البصمة الكربونية واستخدام الطاقة
يساهم اعتماد صناعة الأزياء السريعة على الأقمشة الاصطناعية مثل البوليستر والنايلون المشتقة من الوقود الأحفوري بشكل كبير في البصمة الكربونية لهذه الصناعة. كما يتطلب إنتاج هذه المواد كميات كبيرة من الطاقة ويبعث كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وعلى سبيل المثال، ينبعث من البوليستر، وحده، ما يقرب من ثلاثة أضعاف ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من القطن. تستأثر صناعة الأزياء ككل بحوالي 8-10% من انبعاثات الكربون العالمية – أكثر من الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري مجتمعين.
وبالإضافة إلى ذلك، تتسم سلسلة توريد الأزياء السريعة بالعالمية والتعقيد. حيث تنطوي على شبكات نقل واسعة النطاق تمتد عبر بلدان متعددة. وغالباً ما يتم تصنيع الملابس في بلدان ذات عمالة منخفضة التكلفة، ويتم شحنها إلى مراكز التوزيع، ثم يتم نقلها إلى متاجر البيع بالتجزئة أو مباشرة إلى المستهلكين. كما تستهلك كل خطوة في هذه السلسلة كم هائل من الطاقة؛ ما يساهم في زيادة التكلفة البيئية لهذه الصناعة.
استغلال العمالة وتدهور البيئة
الموضة السريعة ليست مجرد مشكلة بيئية – بل هي أيضًا مشكلة تتعلق بحقوق الإنسان. فقد أدى الطلب على الملابس الرخيصة وسريعة الإنتاج إلى استغلال العمال في البلدان النامية؛ حيث إن قوانين العمل غير فعالة أو ضعيفة التطبيق. وبالتالي يتعرض العديد من عمال الملابس لظروف عمل غير آمنة وساعات عمل طويلة وأجور منخفضة. وكل ذلك أثناء العمل في مصانع تساهم في التدهور البيئي.
وفي بنغلاديش والهند، ارتبطت مصانع النسيج بإزالة الغابات وتلوث المياه وتلوث التربة. وتتحمل المجتمعات التي تعيش بالقرب من هذه المصانع وطأة الضرر البيئي والاجتماعي على حد سواء. وغالبًا ما تفتقر هذه المناطق إلى الموارد اللازمة للتخفيف من الأضرار، مما يزيد من إدامة حلقة الفقر والدمار البيئي.
البدائل المستدامة للأزياء السريعة
وعلى الرغم من أن التأثير البيئي للأزياء السريعة ينذر بالخطر، إلا أن هناك بدائل أكثر استدامة يمكن أن تقلل من الضرر. تتمثل إحدى أبسط الطرق لمكافحة الموضة السريعة في تبني التسوق المستعمل. تتيح متاجر التوفير ومنصات إعادة البيع عبر الإنترنت ومقايضة الملابس للمستهلكين فرصة إطالة عمر الملابس المتداولة بالفعل، مما يقلل من الطلب على الإنتاج الجديد.
ويعد دعم العلامات التجارية الأخلاقية التي تعطي الأولوية للاستدامة وممارسات العمل العادلة طريقة أخرى قوية لإحداث فرق. تستخدم العديد من العلامات التجارية للأزياء البطيئة مواد عضوية أو معاد تدويرها، وتقلل من النفايات في الإنتاج، وتضمن أجورًا عادلة وظروف عمل آمنة لعمالها. من خلال اختيار الجودة على الكمية والاستثمار في القطع المتينة والخالدة، يمكن للمستهلكين المساعدة في تقليل البصمة البيئية لخزائن ملابسهم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يقلل اختيار الملابس المصنوعة من الألياف الطبيعية مثل القطن العضوي أو القنب أو الخيزران، والتي تكون أقل استهلاكًا للمياه والطاقة، من الضرر البيئي بشكل كبير. وتتحلل هذه المواد بشكل طبيعي ولها تأثير أقل على النظم البيئية مقارنة بالبدائل الاصطناعية.
الانخراط مع المنظمات البيئية
هناك طريقة أخرى مؤثرة أخرى لمعالجة عواقب الموضة السريعة وهي المشاركة مع المنظمات البيئية التي تعمل على إعادة التشجير والاستدامة، والتي وتقدم مجموعة متنوعة من الأنشطة للمساعدة في تعويض بعض الأضرار البيئية التي تسببها صناعات مثل الموضة. من خلال المشاركة في هذه الفعاليات يمكن للأفراد اتخاذ إجراءات مباشرة لعلاج الكوكب.
لا تساهم هذه الفعاليات في عزل الكربون واستعادة النظام البيئي فحسب، بل توفر أيضًا فرصة للتفاعل مع المجتمع المحلي وزيادة الوعي حول الترابط بين خيارات المستهلكين والصحة البيئية.
قوة الثقافة الاستهلاكية
أخيرًا، يكمن الحد من التكلفة البيئية للأزياء في اتخاذ قرارت شرائية أكثر وعياً كمستهلكين. حيث تعتمد الموضة السريعة على نموذج الإنتاج المفرط والاستهلاك المفرط. لذا يمكننا أن نبدأ في عكس الضرر. من خلال إبطاء عاداتنا الشرائية، وإعطاء الأولوية للجودة والاستدامة.
إن السر ورراء تحقيق الموضة المستدامة لا يكمن فقط فيما نشتريه، بل في كيفية اعتنائنا بما نمتلكه. إصلاح الملابس وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها يمكن أن يقلل بشكل كبير من الحاجة إلى إنتاج جديد. إذا طالب عدد أكبر من المستهلكين ببدائل صديقة للبيئة وحمّلوا العلامات التجارية المسؤولية عن ممارساتها البيئية. ستضطر صناعة الأزياء إلى التطور نحو مستقبل أكثر اخضراراً وأخلاقية.
بقلم Oliwia
المقال الأصلي (هنــــــــــــا).