يعد كلٌ من الاستراتيجية والتخطيط عنصرًا أساسيًا لنجاح أي مؤسسة. إذ تحدد الاستراتيجية الاتجاه، والتخطيط يحول هذا الاتجاه إلى واقع. بينما يساعد الاستشراف والإشارة في ضمان استجابة الاستراتيجية والتخطيط للتغيرات في البيئة الخارجية.
لذا نقدم نظرة شاملة ومتكاملة. حول العلاقة بين الاستراتيجية والتخطيط، والاستشراف والإشارة. وفقًا لآراء وأفكار أليكس بروكمان.
و”أليكس بروكمان” هو أحد أهم المفكرين في مجال الاستراتيجية والتسويق. وأفكاره لها تأثير كبير في كيفية إدارتنا للأعمال. ومن خلال فهم مساهماته يمكننا أن نحصل على فهم أعمق للمفاهيم الأربعة السابقة.
قال “بروكمان”: “التخطيط الاستراتيجي” هو مصطلح مشوه غالبًا ما يستخدم لوصف عملية معقدة تتطلب تفكيرًا عميقًا وتخطيطًا دقيقًا.
وفي هذا الصدد نوضح في “رواد الأعمال” الفرق بين المفهومين الأساسيين في عالم الأعمال: الاستراتيجية والتخطيط.
أهم خصائص استراتيجية نجاح المؤسسة
عرّف “أليكس بروكمان” الاستراتيجية بأنها خارطة الطريق التي توجه المؤسسات نحو تحقيق أهدافها الطموحة.
كما استعرض السمات التي تميز الاستراتيجية الناجحة. والعناصر التي يجب أن تتضمنها لضمان تحقيق النتائج المرجوة، على النحو التالي:
أولًا: طويلة الأجل
لا تقتصر الاستراتيجية الناجحة على تحقيق أهداف آنية قصيرة المدى، بل تتجاوز ذلك لتشمل رؤية مستقبلية واضحة للمؤسسة.
كما أنها بمثابة خارطة طريق تحدد المسار الذي تسلكه المؤسسة على المدى الطويل، وتضع أهدافًا طموحة تسعى لتحقيقها.
ثانيًا: مرنة وقابلة للتكيف
لا يمكن لأي استراتيجية أن تبقى ثابتة في عالم الأعمال المتغير باستمرار. لذلك يجب أن تكون مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية. سواء كانت اقتصادية أو تقنية أو اجتماعية.
بينما يجب أن تكون الاستراتيجية قادرة على التطور والاستجابة للتحديات والفرص الجديدة التي تظهر.
ثالثًا: محددة وواضحة
لا بد أن تكون أهداف الاستراتيجية محددة وواضحة. كما يمكن قياسها وتقييمها. إلى جانب ضرورة أن تحدد الاستراتيجية بدقة الأهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها.
بالإضافة إلى تحديد الموارد التي تحتاجها لتحقيق هذه الأهداف. كما يجب أن تكون الأهداف واقعية وقابلة للتحقيق، ولكن في الوقت نفسه طموحة بما يكفي لتدفع المؤسسة إلى الأمام.
رابعًا: مبتكرة ومحفزة على التغيير
لا تكفي الاستراتيجية الناجحة أن تحافظ على الوضع الراهن. بل تدفع المؤسسة إلى الأمام من خلال تبني أفكار جديدة وابتكارية.
في حين أوضح “أليكس بروكمان” أنها ينبغي أن تشجع على التغيير والتطوير المستمر. وتبحث عن فرص جديدة للنمو والتوسع.
باختصار: الاستراتيجية الناجحة هي تلك التي تجمع بين الرؤية طويلة الأجل والمرونة، والوضوح، والابتكار. وهي بمثابة البوصلة التي توجه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها، وتساعدها على التكيف مع التغيرات المستمرة في البيئة الخارجية.
كما أنه لتحقيق أقصى استفادة من الاستراتيجية على المؤسسات أن تتبنى ثقافتها. وتشرك جميع الموظفين في عملية صياغة وتنفيذ الاستراتيجية.
بالإضافة إلى تقييم تلك الاستراتيجية بشكل دوري. والتأكد من أنها لا تزال ذات صلة بالأهداف طويلة الأجل للمؤسسة.
الاستراتيجة.. الخيار وليس الخطة
أشار “بروكمان” إلى أن الاستراتيجية ليست مجرد خطة عمل. بل هي بمثابة خارطة طريق تحدد مسار المؤسسة نحو المستقبل: هل ستربح أم تخسر؟
على سبيل المثال: تخيل أنك تقود سفينة في عرض البحر، الاستراتيجية هي البوصلة التي توجهك نحو وجهتك المحددة. ولكنها ليست ثابتة، بل يجب أن تتغير باستمرار لتتكيف مع التيارات والرياح المتغيرة.
وفي حين أن القبطان الجيد يغير مساره بناءً على الظروف. فكذلك يجب على الشركات أن تعدل استراتيجياتها لتواكب التغيرات السريعة في السوق.
أمثلة على الاستراتيجيات
لا تقتصر الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات على نمط واحد. بل تتعدد وتتنوع تبعًا للأهداف والظروف. فمنها من يختار التوسع في أسواق جديدة، مستهدفًا أسواقًا ناشئة أو عالمية، بحثًا عن آفاق نمو أوسع.
كما أن منها من يفضل التخصص في منتج أو خدمة معينة. ليرسم لنفسه مكانة قوية في سوق محددة. وهناك من يعتمد على الاندماج أو الاستحواذ على شركات أخرى لزيادة حصته السوقية وتعزيز موقعه التنافسي في السوق.
التخطيط.. تنفيذ الاستراتيجية
إذا كانت الاستراتيجية هي الخارطة التي تحدد وجهتك فإن التخطيط هو المركبة التي تنقلك إلى هناك. حيث عرّف “بروكمان” التخطيط بأنه عملية تحويل الخطط الاستراتيجية إلى واقع ملموس. وذلك من خلال تحديد المهام والأدوار والمسؤوليات لكل فرد في الفريق، وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف.
كما يعد التخطيط مجموعة من الخطوات والأنشطة المحددة التي يجب اتباعها لتنفيذ الاستراتيجية. حيث يركز على التفاصيل والتنفيذ. بينما تركز الاستراتيجية على الرؤية الكبيرة.
أهم خصائص التخطيط
يتميز التخطيط بخصائص أساسية تجعله أداة فعالة في إدارة الأعمال والمؤسسات. ومن أهمها:
- التركيز على الأجل القصير: يركز التخطيط على تحديد الأهداف قصيرة المدى. التي تساهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل. وهذه الأهداف قصيرة المدى تعمل كخطوات متدرجة تقرب المؤسسة من تحقيق رؤيتها المستقبلية.
- التفصيل الدقيق: كما يتميز التخطيط بكونه عملية تفصيلية للغاية. حيث يتم تحديد المهام المطلوبة بدقة. والموارد اللازمة لكل مهمة. والجداول الزمنية لتنفيذ كل خطوة. وهذا التفصيل يضمن أن يكون التنفيذ منظمًا وفعالًا.
- المرونة والتكيف: لا يمكن للتخطيط أن يكون جامدًا وغير قابل للتغيير. بل يجب أن يكون مرنًا وقادرًا على التكيف مع التغيرات التي تحدث في البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة. إذ إن هذه المرونة تسمح للمؤسسة بالاستجابة بسرعة للتحديات والفرص الجديدة.
أمثلة على التخطيط:
- ميزانية المشروع: تحديد الموارد المالية اللازمة لتنفيذ المشروع.
- جدول زمني: تحديد المواعيد النهائية لكل مهمة.
- تخصيص المهام: تحديد المسؤوليات لكل فرد في الفريق.
- الاستشراف والإشارة: رؤية المستقبل والاستجابة للتغيرات.
الاستشراف والإشارة
أما “التخطيط الاستراتيجي” فهو مصطلح مضلل. لأن الاستراتيجية والتخطيط هما عمليتان منفصلتان، ولكن متكاملتان. ولصياغة استراتيجية ناجحة يجب على المؤسسات أن تستشرف المستقبل وتتوقع التغيرات التي قد تحدث.
ماهية الاستشراف والإشارة
عرّف “بروكمان” الاستشراف بأنه عملية دراسة الاتجاهات المستقبلية وتحديد السيناريوهات المحتملة. أما الإشارة فهي عملية مراقبة البيئة الخارجية للكشف عن التغيرات التي قد تؤثر في المؤسسة.
خصائص الاستشراف:
- الرهانات طويلة الأجل: الاستثمار في التقنيات الناشئة، وتطوير منتجات وخدمات جديدة.
- تحديد السيناريوهات: تصور مختلف السيناريوهات المستقبلية وتطوير استراتيجيات للتعامل مع كل سيناريو.
- خلق هيمنة مستقبلية: بناء ميزة تنافسية مستدامة.
خصائص الإشارة:
- ردود الأفعال الفورية: الاستجابة السريعة للتغيرات في السوق والمنافسة.
- حماية العمليات: ضمان استمرارية الأعمال عن طريق إدارة المخاطر.
مثال توضيحي للفروق بين الـ 4 مصطلحات
نعرض في رواد الأعمال مثالًا لتوضيح الفروق بين المصطلحات الأربعة: الاستشراف، والاستراتيجية، والتخطيط، والإشارة.
نفترض أن لدينا شركة تصنيع سيارات تسعى للتوسع والابتكار. يمكن توضيح الفروق بين المصطلحات الأربعة من خلال هذا المثال:
الاستشراف:
هو بمثابة النظر إلى المستقبل، وفي هذه الحالة تنبأت الشركة بزيادة الطلب على السيارات الكهربائية في السنوات القادمة.
كما استند هذا التنبؤ إلى دراسات السوق واتجاهات المستهلكين العالمية. وبناءً عليه قررت الشركة استثمار الموارد في تطوير تكنولوجيا البطاريات، استعدادًا للمستقبل.
الاستراتيجية:
هي الخطة الشاملة التي تحدد اتجاه الشركة، بناءً على نتائج الاستشراف. إذ قررت الشركة التركيز على إنتاج السيارات الكهربائية. وهذا هو القرار الاستراتيجي الرئيسي.
بالإضافة إلى ذلك قررت الشركة تطوير شبكة شحن واسعة لدعم مبيعات السيارات الكهربائية. وهذا أيضًا جزء من استراتيجيتها الشاملة.
التخطيط:
هو عملية تحويل الاستراتيجية إلى واقع. إذ بعد تحديد الاستراتيجية تضع شركة التصنيع الميزانية اللازمة لتطوير السيارات الكهربائية.
كما تم وضع خطة تسويق تفصيلية للمنتجات الجديدة. حيث إن هذا التخطيط يشمل تحديد المهام المطلوبة. والموارد اللازمة، والجداول الزمنية.
الإشارة:
هي عملية مراقبة البيئة الخارجية باستمرار؛ حيث تراقب الشركة التطورات التكنولوجية في مجال البطاريات. مثل ظهور أنواع جديدة من البطاريات ذات كفاءة أعلى.
كما تتابع التغيرات في لوائح السلامة البيئية، والتي قد تؤثر في تصميم وتصنيع السيارات الكهربائية. فهذه المعلومات تساعد الشركة في تعديل استراتيجيتها وخططها وفقًا للتغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية.
ملخص
مما سبق نستنتج أن الاستراتيجية والتخطيط هما عمليتان ديناميكيتان ومترابطتان. فبينما تحدد الاستراتيجية الاتجاه العام للمؤسسة. فإن التخطيط هو عملية تحويل هذه الاستراتيجية إلى واقع ملموس.
كما أنه لا يمكن أن تكون الاستراتيجية والتخطيط ناجحين إلا إذا كانتا مرنتين وقابلَتين للتكيف مع التغيرات المستمرة في البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة.
بينما الاستشراف والإشارة هما عمليتان حيويتان تضمنان أن تبقى الاستراتيجية والتخطيط متوافقين مع التطورات المستمرة في السوق والتكنولوجيا.
وبالتالي فإن النجاح المستدام للمؤسسة يتطلب من القادة والمديرين ورواد الأعمال أن يكونوا قادرين على النظر إلى المستقبل. وتطوير استراتيجيات مرنة. علاوة على وضع خطط عمل تفصيلية ومراقبة البيئة الخارجية باستمرار.