الاستثمار في الأفكار الجديدة والفرص التجارية المبتكرة، يماثل غالبًا عملية التنقيب عن النفط . فعندما تحفر عشرة آبار، ربما يمكنك الحصول على تسع فتحات جافة، وتصبح الحجة أن الزيت المتدفق من الأخيرة يجب أن يكون كافيًا لتؤتي ثمارها بشكل رائع. وقد حدث ذلك معي في وقت مبكر جدًا في مهنتي ، فقد كنت الخبير الاقتصادي لشركة نفط خاصة بمدينة هيوستن، ميزانيتها مليار دولار، وقد شاركنا في كثير من الأحيان في المزادات المتكررة للحكومة الأمريكية لحقوق الحفر البحرية في خليج المكسيك.
كانت الحكومة تعلن كل بضعة أشهر عن مساحات جديدة متاحة؛ لبيعها بالمزاد العلني، ويتم الإخطارعن الموعد لتقديم عطاءات وعروض الأسعار في أظرف مغلقة؛ لتقييم كل عرض قبل جلسة اختيار العطاءات؛ حيث يستخدم كل الجيولوجيين بالشركة البيانات السيزمية ( الخاصة بالزلازل )، والسونار الخاصة برسم الخرائط لتشكيلات الصخور تحت سطح البحر، وتقييم مدى احتمال أن مناطق معينة تحتوي على النفط.
عندما كنت أراجع أنا ومديري، الأرقام التي تعرضها الشركة، كنا نكتشف شيئًا مزعجًا للغاية؛ وهو أن أكبر وأنجح عروضنا لم تنتج أبدًا ربحًا فعليًا. وعندما كنا نفوز بالعطاء ، كنا نادرًا ما نجد الكثير من النفط، فلم نكن عادة نكسب ما يكفي من المال لتعويض تكاليف عرض المناقصات أو الحفر.
وأكثر من ذلك، أن أكبر الإمكانات التي كنا نظن أننا قد حددناها، كنا ننفق عليها أكثر مما هو محدد . وقد وجدنا الكثير من النفط، فلم يكن ذلك مشكلة، ولكن المشكلة كانت في المساحات التي بها نفط أكثر؛ حيث لم نعثر عليها بالقدر الكافي لاستعادة ما كنا ننفقه عندما كنا نُدعى لتقديم العطاءات.
ولكوننا متخصصين في الاقتصاد، كنا سرعان ما نكتشف سببًا رياضيًا بسيطًا جدًا لتلك المشكلة؛ وهو أن البيانات السيزمية والسونار ليسا مضبوطين، ولا أحد يستطيع أن يعرف على وجه اليقين حجم النفط الموجود تحت التكوين الصخري، حتى إن الجيولوجيين أنفسهم لم يستطيعوا إعطاء أحكام موحدة؛ إذ كانت تقديراتهم لكمية النفط تحت أي حقل تختلف إلى حد كبير.
هذا يعني أنه، سواء كان التقدير لأي شركة أعلى بكثير أو أقل بكثير من أي شخص آخر، فكان هناك احتمال كبير بحدوث خطأ. ولكن في شركتنا، ولأننا فقط من دُعينا لتقديم العرض، كنا نظن أننا قد عالجنا الخطأ، فنحن من فزنا بالمناقصة ، ونحن من قدرنا احتمالية وجود نفط؛ لذلك خسرنا المال.
نعم وجدنا النفط، ولكن ظللنا نفقد المال، من دون أن نقدم عطاءات بمبالغ كبيرة لهذه الحقول. كان علينا أن نقدم طلب عروض منخفضة دوليًا على عدد كبير من الحقول المختلفة. وعندما نضع الرهانات منخفضة على كل شئ، نكون أقل احتمالًا للفوز بحقل نفط معين ، ولكن حينما نفوز يكون هناك احتمال أكبر بأن ندفع هامش سعر أيًا كانت كمية النفط التي نجدها هناك. وكان من المحتمل ألا نجد كثيرًا من النفط بأيٍ من هذه الحقول، لكن كنا على الأرجح نجد ما يكفي لسداد تكاليف العطاء.
هذا الأسلوب مماثل للكيفية التي ينبغي على الشركات التعامل بها مع العوامل المؤثرة على الابتكار. فلا ترهن مستقبل عملك بناءً على نجاح أي ابتكار أو تكنولوجيا جديدة، بل املأ الجدول بالرهانات الصغيرة؛ لتحقق على الأرجح نجاحات حقيقية.
وهناك أكثر من درس في هذه القصة ، فعندما عرضت أنا ومديري اقتراحنا بخطة تقديم عطاءات النفط البحرية على نائب رئيس الشركة للاستكشاف، نظر إلينا بابتسامة مشرقة ومشمسة- بعد أن اطلع على تحليلنا بعناية- ثم قال بلطف وبحزم أيضًا: التزموا بجداول البيانات لدينا، فالجيولوجيون يريدون اكتشاف النفط، فما يضعه الجيولوجي في سيرته الذاتية هو حقول النفط التي اكتشفها وكيف كانت كبيرة ،وليس كم كانت الشركة مضطرة لتقديم عطاءات.
ونستخلص هنا الدرس الخاص بالمبدعين؛ وهو مواءمة الحوافز الخاصة بك مع نجاح الأعمال التجارية، وليس مجرد نجاح المشروع فقط . على سبيل المثال، لماذا لا تنظر في تقليص ميزانية المشروع أولًا؛ لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يكون الابتكار أكثر نجاحًا وأقل تكلفة. ينبغي أن تدار المشروعات المبتكرة بتقييد محكم، وأن تبدأ بتكاليف قليلة، ليس لأن ذلك يزيد من فرصهم في النجاح ، بل لأنه يزيد جذريًا من فرصهم في النجاح المربح.