لا نُبالغ في القول إن إدارة فريق العمل تمثل العمود الفقري لأي مؤسسة تسعى إلى تحقيق أهدافها. فنجاح أي مشروع أو مبادرة يرتبط بشكلٍ وثيق بمدى قدرة القائد على بناء فريق متماسك ومتعاون. ومع ذلك تكشفدراسات أوروربية حديثة عن أن اختيار الكلمات والعبارات التي يستخدمها القائد مع فريقه له تأثير بالغ الأهمية في أداء الفريق ومزاجه.
وفي حين تسعى جميع الفرق إلى تحقيق الانسجام والتناغم فإن بعض العبارات التي قد تبدو عادية للوهلة الأولى تحمل في طياتها دلالات سلبية تؤدي إلى تآكل روح الفريق. على سبيل المثال: عبارة “هذا ليس عملي بل عملكم” قد تُفهم على أنها ترحيل للمسؤولية. وهو ما يولّد شعورًا بالإحباط لدى الأعضاء.
كذلك فإن عبارات مثل: “هذا مستحيل” تعمل على تقويض روح الإبداع وتثبيط همم الموظفين. من ناحية أخرى يؤدي استخدام عبارات إيجابية محفزة، مثل: “أنا أثق بقدرتكم على تحقيق ذلك” أو “أفكاركم قيمة جدًا”، إلى تعزيز الثقة بالنفس لدى الأفراد وبذل أقصى ما لديهم.
إدارة فريق العمل
علاوة على ذلك يؤدي النقد السلبي والعبارات التمييزية دورًا كبيرًا في تدمير الروابط الاجتماعية بين أفراد الفريق. فالنقد العلني واللاذع يحرج الموظف ويقلل ثقته بنفسه. بينما يكون النقد البناء في جلسة خاصة أداة فعالة لتحسين الأداء. كما أن المقارنات السلبية بين الأفراد تسبب جوًا من المنافسة غير الصحية وتقويض روح التعاون.
فيما يعزز استخدام لغة جسدية إيجابية، إلى جانب اختيار الكلمات المناسبة، من فعالية التواصل. فابتسامة صادقة وهز الرأس تأكيدًا لكلام الموظف يمكن أن يجعله يشعر بالتقدير والاحترام. كما أن الاستماع الفعال إلى أفكار وآراء جميع أفراد الفريق ينمي الشعور بالانتماء والمسؤولية.
ولندرك أن الكلمات تحمل طاقة كبيرة وتؤثر بشكلٍ إيجابي أو سلبي في نفسية الأفراد. لذلك يتعين على القادة أن يكونوا حذرين في اختيار كلماتهم وأيركزوا على استخدام لغة إيجابية محفزة. وبالتالي فإن إدارة فريق العمل بنجاح تتطلب أكثر من مجرد المهارات التقنية، بل مهارات تواصل قوية وقدرة على بناء علاقات إنسانية قوية.
قوة الكلمة في إدارة فريق العمل
تشير دراسة حديثة أجرتها شركة ماكينزي إلى أن التواصل الفعال بين أفراد الفريق يساهم بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز الإنتاجية؛ حيث أظهرت نتائج الدراسة أن الشركات التي تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير مهارات التواصل لدى موظفيها حققت زيادة في الإنتاجية بنسبة وصلت إلى 25%.
أضف إلى ذلك يوفر التواصل الفعال بيئة عمل إيجابية؛ إذ يشعر الموظفون بأنهم أكثر ارتباطًا بعملهم وبأهداف الشركة. وهو ما يدفعهم لبذل المزيد من الجهد والإبداع. في حين أن شركات عديدة تركز على الجوانب التقنية للإنتاجية مثل: استخدام أحدث التقنيات والأدوات، إلا أن الدراسة تؤكد أن الجانب الإنساني؛ أي التواصل الفعال، لا يقل أهمية عن هذه الجوانب.
من ناحية أخرى أكدت الدراسة أن ضعف التواصل يؤدي إلى العديد من المشكلات في مكان العمل، مثل: سوء الفهم، والنزاعات، وتأخير المشاريع. كما يسبب عدم الوضوح في توجيهات العمل وعدم الاستماع الفاعل لأفكار الموظفين إلى انخفاض في مستوى الرضا الوظيفي. وهو ما يدفع الموظفين إلى البحث عن فرص عمل أخرى.
عبارات يمكن للفريق سماعها وكيفية التعامل معها
ثمة مجموعة من العبارات السلبية التي يتردد صداها في أروقة العمل. والتي تؤثر سلبًا على أداء الفريق وتماسكه، وتصنع بيئة عمل سامة. هذه العبارات، التي غالبًا ما تخرج عن غير قصد من أفواه المديرين أو الزملاء، تحمل في طياتها رسائل دلالية سلبية تؤدي إلى إحباط الموظفين وتقويض ثقتهم بأنفسهم وفي قدراتهم.
1. تأكيد الذات على حساب الدعم
من أبرز هذه العبارات تلك التي تركز على قدرات الفرد وحده، وتغفل أهمية العمل الجماعي والدعم المتبادل. فقول “يجب أن تكون قادرًا على التعامل مع هذا بنفسك” يعكس نقصًا في الثقة بالموظف. ويجعله يشعر بالعزلة والوحدة؛ ما يؤثر سلبًا في أدائه ويزيد من احتمالية ارتكابه للأخطاء.
بدلًا من ذلك ينصح الخبراء بتوجيه عبارات تشجع على الاعتماد على الذات مع توفير الدعم اللازم، مثل: “أنا أثق في قدراتك، لكنني هنا للمساعدة إذا كنت بحاجة إلى توجيه”.
2. الاتهام والتجريح
عبارات الاتهام والتجريح، مثل: “يجب أن تكون قد أسأت فهمها”، تنشر جوًا من الشك وعدم الثقة بين أفراد الفريق.
وعوضًا عن توجيه الاتهامات بهذا الشكل من الأفضل اللجوء إلى الحوار البنّاء والبحث المشترك عن الحلول. كما في عبارة “دعنا نراجع هذا للتأكد من أننا متوافقون”.
3. تقييد الحريات وتكميم الأفواه
من العبارات التي تزرع بذور الخوف والشكوك في نفوس الموظفين تلك التي تهدف إلى تقييد التواصل وتكميم الأفواه، مثل: “لا تتحدث أبدا إلى رئيسي”. هذا النوع من العبارات يسبب بيئة عمل غير صحية، ويؤدي إلى تدهور الأداء الإجمالي للفريق.
بدلًا من ذلك يجب تشجيع التواصل المفتوح والشفاف بين جميع المستويات الإدارية، مع تأكيد أهمية إبقاء الجميع على اطلاع بكل المستجدات.
4. رفض الأفكار الجديدة وخنق الابتكار
عبارات مثل: “لا أريد أن أسمع الأعذار” و”جربنا ذلك من قبل” تعكس رغبة في الحفاظ على الوضع الراهن وعدم القبول بأي تغيير. هذا النوع من العبارات يقتل الإبداع ويمنع الفريق من تطوير أفكار جديدة وحلول مبتكرة للمشاكل.
لذا ينبغي تشجيع التفكير النقدي والإبداعي. وتوفير بيئة عمل تسمح بتبادل الأفكار بحرية، كما في عبارة “ما هو النهج الجديد الذي يمكننا اتباعه هذه المرة؟”.
5. زرع بذور الشك وعدم الثقة
من بين العبارات التي تزرع بذور الشك وعدم الثقة بين أفراد الفريق عبارة “تلقيت تقريرًا مجهولًا”. هذه العبارة تحمل في طياتها إيحاءً بأن هناك من يتجسس على الآخرين؛ ما يولّد جوًا من الخوف والريبة.
بدلًا من ذلك ينصح الخبراء بمواجهة الموظفين بشكلٍ مباشر ومفتوح، ومناقشة أي مخاوف أو مشاكل بطريقة مهنية وبناءة. فقول “لقد لاحظت سلوكًا محددًا، هل يمكننا مناقشة هذا؟” يعكس رغبة في حل المشكلة بطريقة تعاونية، ويمنح الموظف فرصة لتوضيح موقفه.
6. تحميل المسؤولية دون توفير الدعم
عبارة “فقط اكتشف ذلك” تعد من أكثر العبارات شيوعًا في بيئات العمل إلا أنها تحمل في طياتها رسالة سلبية مفادها أن المدير غير مستعد لتقديم الدعم والتوجيه اللازمين للموظفين.
لذلك يتعين على المدير أن يوفر له الأدوات والموارد اللازمة للنجاح. ويكون حاضرًا لتقديم الدعم والمشورة عند الحاجة. فقول “أود منك أن تتعامل مع هذا الأمر بشكل مستقل، فيما يلي بعض الموارد التي قد تساعد” يعكس رغبة المدير في تمكين الموظف وتطوير مهاراته.
أهمية اللغة في إدارة فريق العمل
في نهاية المطاف تتجلى أهمية اللغة في بناء فرق عمل متماسكة ومنتجة. فالكلمات التي نختارها للتعبير عن أنفسنا والتواصل مع الآخرين تحمل في طياتها قدرة هائلة على التأثير في سلوكياتنا ومشاعرنا. وفي سياق العمل يمكن للكلمات أن تشجع على التعاون والإبداع، أو أن تصنع جوًا من التوتر والعداء.
وتذكر أن اختيار الكلمات المناسبة هو بمثابة فن يحتاج إلى التدريب والممارسة. فالقادة الناجحون هم أولئك الذين يدركون قوة الكلمات، ويستخدمونها بوعي لتحفيز فريقهم ودعمهم. فهم لا يقتصرون على نقل المعلومات والأوامر بل يسعون إلى بناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.
وبالتالي فإن بناء فريق عمل ناجح يتطلب أكثر من مجرد تحديد الأهداف وتوزيع المهام. بل يتطلب أيضًا الاهتمام بالجانب الإنساني في العمل، والتركيز على بناء علاقات إيجابية بين الأفراد. ومن خلال اختيار الكلمات المناسبة وتجنب العبارات السلبية بإمكان القادة توفير بيئة عمل محفزة ومبتكرة، تساهم في تحقيق أهداف المنظمة على المدى الطويل.