أهداني والدي واحدًا من أهم الكتب التي قرأتها على الإطلاق، وهو كتاب “احفر بئرك قبل أن تشعر بالعطش” للكاتب “هارفي ماكاي”. الذي روى فيه قصة عن صديقه الذي تلقى مكالمة هاتفية في الثانية صباحًا من شخص لم يتحدث إليه منذ أكثر من عشر سنوات.
وكان المتصل في حالة يأس شبه كاملة لأن محاسبه الخاص اتصل به وأخبره أنه قد أفلس. وأن شركته لا تستطيع دفع رواتب موظفيها. وإذا لم يسدد الشيكات التي كتبها بقيمة 20 ألف دولار، فهناك احتمال كبير أن يذهب إلى السجن.
وقد عرض صديق “ماكاي” إقراض المتصل بضعة آلاف من الدولارات، لكنه لم يعطه كل ما يحتاج إليه رغم أنه كان بوسعه ذلك. لماذا؟ لأن الاتصال بينهما انقطع منذ مدة طويلة ولم يعد موجودًا. ولم يحفر هذا المتصل بئره قبل أن يشعر بالعطش فحسب. بل انتظر حتى مات من العطش قبل أن يبدأ في حفر الأرض.
إن فرضية الكتاب هي أنه من المهم بناء العلاقات قبل أن نحتاج إليها بمدة طويلة. وكان أكبر صدى أحدثه في ذهني هو مفهوم أن شبكة التواصل من المفترض ألا تخفت على الإطلاق. وترسخت قناعتي بذلك حتى يومنا هذا، ولا يزال هذا المفهوم يشكل دليلًا استرشد به في حياتي حتى وقتنا الراهن.
لا شك أن تخصيص الوقت في بداية أي علاقة في العمل سيحدث فارقًا كبيرًا. وعلى هذا النهج سيساعدك هذا التخصيص على بناء العلاقات في مجال الأعمال وباقي جوانب الحياة أيضًا.
وفي السطور الموجزة القادمة، سنسلط الضوء على أربع استراتيجيات بسيطة يمكنك تنفيذها لبذل المزيد من الجهد وإظهار اهتمامك في التعرف على الأشخاص.
١- تعلم حفظ الأسماء
الخطوة الأولى في إقامة علاقات عميقة هي تعلم حفظ أسماء الأشخاص وتذكرها، لذا؛ ابذل جهدك لحفظ أسماء الأشخاص الذين تقابلهم من المرة الأولى.
وبينما قد تواجه في كثير من الأحيان مواقف اجتماعية محرجة؛ حيث ينتقل جار جديد للعيش بجوارك. وتسأله عن اسمه في أول مرتين أو ثلاث مرات. ولكن بمجرد أن يقيم لمدة أطول من ذلك وتنسى اسمه فإن هذا الأمر يسبب حرجًا شديدًا. ومن المرجح أن يبدو ذلك وكأنه عدم اهتمام بتخصيص بعض الوقت لحفظ اسم هذا الجار.
وينطبق الأمر نفسه على الفرق وزملاء العمل. فعندما ينضم شخص ما إلى فريقك للمرة الأولى، ستتاح لك فرصة فريدة للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات منه.
2- جرب تقنية العد التنازلي 4، 3، 2، 1
إذا وجدت نفسك في حدث اجتماعي تكافح في التواصل مع شخص تتحدث معه. أو تجد صعوبة في تجاوز الحديث القصير، فإن إحدى التقنيات التي يمكنك استخدامها بفاعلية كبيرة تسمى تقنية العد التنازلي “4، 3، 2، 1”.
وتعني هذه التقنية باختصار، أنه يجب أن يكون لديك 4 قصص و3 حقائق واقتباسين وسؤال جاهز في جميع الأوقات. وفي حين أنك قد لا تشارك كل هذه الأشياء في كل محادثة تجريها. لكن جاهزيتها للمشاركة يزيل الصمت المحرج في أثناء المحادثة ويدعو الشخص الآخر إلى مشاركة المزيد عن نفسه أيضًا، ويمكنك تجربتها على النحو التالي:
4 “قصص”: البشر مبرمجون على تذكر القصص:
لا يسمح سرد القصة للشخص الآخر بالتعرف عليك فحسب. بل عندما تُروى جيدًا، فإنها تجعلك لا تُنسى، ومن بين القصص الأربع التي يجب أن تكون جاهزة لديك لسردها هي: قصة “شخصية”، وواحدة تتعلق “بالعمل”. ويجب أن توضح قصة ثالثة “تحديًا”، ويجب أن توضح القصة الأخيرة “وقتًا” كنت ناجحًا فيه.
3 “حقائق”: فكِّر في ثلاث حقائق تثير الشغف:
على أن تكون غير معروفة على نطاق واسع، لكنك تعتقد أنها وثيقة الصلة بالأشخاص الذين تتحدث معهم بانتظام.
2 “اقتباسان”: احفظ اقتباسين ملهمين لك واعرف قائلهما:
قد يكون مشاركة هذين الاقتباسين ملهمًا، بل وقد يحفز المزيد من المحادثات.
1 “سؤال”:
يجب أن يكون هذا السؤال قابل للطرح على أي شخص في العالم. بحيث يمكنك طرحه على ملياردير. أو يمكنك طرحه على شريد بلا مأوى في الشارع. والسؤال الذي أحب طرحه دائمًا هو: “استنادًا على خبرتك الآن، ماذا ستنصح نفسك قبل عشرين عامًا؟”.
لذا، كن منفتحًا، وشارك الآخرين، وتعاطف معهم، وتفهم وجهة نظرهم، وحاول معرفة كل شيء عنهم. ودوِّن الملاحظات واحفر قنوات اتصال عميقة في وقت مبكر. وإذا انتظرت لمدة طويلة قبل اتخاذ هذه الخطوة، فستصبح المهمة أكثر صعوبة.
3- اطرح الأسئلة الصحيحة
كلما أظهرت اهتمامًا حقيقيًا بزملائك في العمل، وأصدقائك، وأفراد عائلتك، وحتى وجيرانك، زادت احتمالية انفتاحهم عليك والثقة بك. لذا؛ ابدأ بطرح الأسئلة، ما قيمهم الشخصية؟ ما نقاط قوتهم وقدراتهم؟ لا شك أن فهم الدوافع الحقيقية لهم يمكن أن يؤدي إلى مستوى أعمق من الثقة. كما أن معرفة كيف يفكر الآخرون، وما الذي يحفزهم، يسمح لك بالتفاعل والاستجابة على نحو أفضل لاحتياجاتهم.
أحد الأسئلة التي أحب طرحها عندما أكون في محادثة: ما الذي يمنحك الطاقة الآن؟ إنه سؤال متفرع للغاية. ولكن عندما أستطيع فهم ما يهم الأشخاص شخصيًا ومهنيًا وفي حياتهم العائلية، أعرف كيف يمكنني مساعدتهم بطرق محددة.
أما على الصعيد التجاري، تأكد أنك كلما ساعدت شخصًا ما في تحقيق أهدافه، حصلت على المزيد من الدعم كقائد له. إنها عقلية العطاء أولًا. لذا؛ ضع في اعتبارك أن مساعدة شخص ما ستجعله يرغب في معاملتك بالمثل.
4- اكتب ملاحظاتك بخط اليد
أمضيت بضعة أسابيع عندما بدأت العمل في شركة الأدوية العالمية “نوفارتس” في التنقل بين أقسام مختلفة لمعرفة المزيد عن الشركة. وكان أمامي الكثير لأتعلمه. وخلال التدريب، أمضى أحد المتخصصين في إدارة خدمة العملاء ثلاث ساعات في تعليمي كيفية عمل الإدارة. وبعد ذلك كتبت ملاحظة قصيرة أقول فيها “شكرًا”، معبرًا عن مدى تقديري لتخصيص الوقت لمساعدتي على اكتساب الخبرة.
وبعد مرور عام، مررت بمكتب المتخصص الذي قدم لي التدريب، وكان لديه البطاقة التي كتبتها مثبتة على لوحة الإعلانات الخاصة بها. لقد أثر ذلك عليّ كثيرًا، لأنه استغرق قدرًا ضئيلًا من وقتي لا يزيد على عشرين ثانية للكتابة. ولكنه كان مميزًا للغاية لدرجة أن ملاحظتي كانت لا تزال مثبتة على اللوحة بعد كل هذا الوقت.
أدركت آنذاك مدى أهمية تخصيصي الوقت لإظهار الدعم والامتنان الصادق للمحيطين. وعندما اعتدت على حضور الكثير من المؤتمرات. كنت أحاول الاستفادة من قوة الملاحظات المكتوبة بخط اليد كلما أمكن ذلك. وعندما كنت أعلم أن بعض العملاء المحتملين والعملاء يقيمون في نفس الفندق، كنت أرسل لهم رسائل مكتوبة بخط اليد.
من المؤكد أن مبادراتي الصغيرة هذه كانت ملفتة للنظر، فكم من مرة أحضر لي أحد العاملين في الفندق طردًا صغيرًا إلى غرفتي، أو اتصل بي ليخبرني أن هناك طرد ينتظرني في الطابق السفلي. وفي كل مرة كنت أوجه لهذا العامل في الفندق رسالة مني، كان يشعر بالسرور، وكنت أعلم أنه سيتذكر هذه الرسالة لمدة طويلة.
فن “بناء العلاقات” قبل أن تحتاج إليها
إن فن “بناء العلاقات” قبل الاحتياج لها ليس سوى الخطوة الأولى كبداية لرحلتك. فهو الجانب الأكثر سطحية في بناء العلاقات. ولكن هذه الاستراتيجيات الأربع السابقة ستساعدك على إنشاء اتصال ذي معنى.
وبعد أن تتقن كل هذه الخطوات، يجب أن تواصل الاستثمار في كل علاقة لتعميق الاتصال وبناء الثقة. وفيما قد يتطلب هذا الاستثمار إنشاء علاقات عميقة ومتابعتها، لكنها واحدة من أفضل الأمور التي ستفعلها على الإطلاق. سواء لنفسك أو لمسيرتك المهنية.
بقلم / بارت فوستر
المقال الأصلي: هنا