في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها ساحة الأعمال العالمية برزت الاستعانة بمصادر خارجية كإحدى أهم الأدوات التي يتسلح بها رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق النمو والتوسع. فما هي هذه الاستراتيجية بالضبط؟
ببساطة الاستعانة بمصادر خارجية هي عملية تفويض مهام أو وظائف معينة لشركات أو أفراد خارجيين. هذا النهج يمنح الشركات المرونة للتركيز على جوهر أعمالها، بينما تتولى جهات أخرى مهام الدعم والخدمات المساندة.
ووفقًا لدراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة “هارفارد” الأمريكية فإن ما يزيد على 52% من رواد الأعمال يلجأون إلى هذه الاستراتيجية، لا سيما في مجالات التسويق الرقمي وتصميم المواقع وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي.
الاستعانة بمصادر خارجية
في حين تمثل الاستعانة بمصادر خارجية وسيلة فعالة لتوسيع نطاق المهارات والمعارف المتاحة للشركات. فبدلًا من توظيف موظفين جدد في كل تخصص يمكن للشركات الاستعانة بخبرات متخصصة عند الحاجة.
وفي هذا الصدد أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة “ستانفورد” أن 65% من الأفراد المستقلين في قطاع ريادة الأعمال استفادوا من هذه الاستراتيجية لتعزيز جودة أعمالهم.
من ناحية أخرى تساهم الاستعانة بمصادر خارجية في تعزيز الابتكار وسرعة الاستجابة للتغيرات السوقية. وعبر إسناد المهام الروتينية إلى جهات خارجية يركز رواد الأعمال على تطوير أفكار جديدة وابتكار منتجات وخدمات. وفي هذا السياق أكدت دراسة صادرة عن المفوضية الأوروبية أن 48% من رواد الأعمال الذين اعتمدوا على هذه الاستراتيجية شهدوا تحسينات ملموسة في كفاءة أعمالهم.
بينما تواجه تلك الخطوة بعض التحديات، مثل: اختلاف الثقافات وتباين الجودة إلا أن التقدم التكنولوجي وتطور المنصات الرقمية سهّل عملية اختيار الشركاء المناسبين وتسهيل التواصل والتعاون بين الأطراف المعنية.
ووفقًا لدراسة أخرى من كلية هارفارد للأعمال فإن 75% من الأفراد الذين اعتمدوا على استراتيجيات الاستعانة بمصادر خارجية أبدوا رضاهم عن مستوى الخدمات المقدمة.
إدارة المشاريع وتفويض المهام
في إطار السعي لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة وتسريع وتيرة الإنجاز يواجه العديد من الأفراد والشركات تحديات في إدارة المشاريع وتفويض المهام. فمع تزايد تعقيد المشاريع وزيادة الضغوط على الوقت والميزانية بات من الضروري الاستعانة بمصادر خارجية لتحقيق النجاح وإدارة المهام بكفاءة عالية.
فيما يلي 11 سؤالًا يجب أن تطرحها على نفسك:
1. ما هو نطاق المهمة؟
يشكل تحديد نطاق العمل حجر الزاوية في أي مشروع؛ إذ يحدد بوضوح المخرجات المتوقعة والنتائج المرجوة. لذا ينبغي التأكد من وضوح جميع المتطلبات قبل بدء تنفيذ المشروع، وتوثيقها بشكلٍ كاملٍ لتجنب أي لبس أو اختلاف في التفسيرات.
هذا الإجراء يضمن تحقيق أهداف المشروع بكفاءة وفعالية، ويقلل من احتمالية حدوث تغييرات غير متوقعة قد تؤدي إلى تأخير المشروع أو زيادة تكلفته.
2. هل هذه المهمة أساسية لعملي؟
تفويض المهام هو نقل مسؤولية تنفيذ جزء محدد من المشروع إلى شخص آخر. وفي حين أن الاحتفاظ بجميع المهام تحت السيطرة قد يبدو أمرًا مثاليًا إلا أنه في الواقع قد يعوق التقدم ويقلل من الإنتاجية.
ومن خلال تفويض المهام غير الأساسية يمكن للمديرين التركيز على المهام الاستراتيجية التي تتطلب خبرتهم ومهاراتهم. أضف إلى ذلك أن تفويض المهام يساهم في تطوير قدرات الموظفين ويمنحهم شعورًا بالمسؤولية.
3. ما الخبرة المطلوبة؟
قبل تفويض أي مهمة لا بد من تحديد المهارات والمؤهلات اللازمة لتنفيذها بنجاح. وعن طريق اختيار مستقلين أو وكالات لديهم سجل حافل في المجال المطلوب يمكن ضمان جودة العمل وتسليمه في الوقت المحدد.
ورغم أن التكلفة عامل مهم يجب أخذه في الاعتبار إلا أنه لا يجب أن يكون العامل الوحيد في عملية الاختيار. وتذكر أنه من الضروري العمل على الموازنة بين التكلفة والجودة؛ لضمان أن الاستثمار يستحق العناء.
4. ما هي ميزانيتي؟
تشكّل الميزانية عنصرًا حاسمًا في أي مشروع؛ حيث تحدد الموارد المتاحة لتنفيذه. فقبل بدء أي مشروع يجب وضع ميزانية تفصيلية تحدد التكاليف المتوقعة لكل مرحلة من مراحل المشروع.
كما من المهم تخصيص مبلغ احتياطي للتعامل مع أي نفقات غير متوقعة. وفي حين أن توفير التكاليف أمر مرغوب فيه لكنه لا يجب أن يتم على حساب جودة العمل.
5. ما هو الجدول الزمني؟
لا يخفى على أحد أن الجدول الزمني هو خطة تفصيلية تحدد المهام التي يجب إنجازها والمواعيد النهائية لكل مهمة. ومن هذا المنطلق لا بد أن يكون الجدول الزمني واقعيًا وقابلًا للتحقيق، مع مراعاة جميع العوامل التي قد تؤثر في سير العمل.
ومن المهم التواصل بوضوح مع جميع الأطراف المعنية حول الجدول الزمني والتأكد من فهم الجميع لدورهم ومسؤولياتهم. كما ينبغي أن تتوفر مرونة كافية في الجدول الزمني للتعامل مع أي تحديات غير متوقعة.
6. كيف يتم قياس النجاح؟
بعد الانتهاء من المشروع يأتي دور تقييم النتائج وتحليل الأداء. ولتحديد مدى نجاح المشروع يجب وضع مجموعة واضحة من المعايير أو مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) قبل البدء.
وبالطبع هذه المؤشرات ينبغي أن تكون قابلة للقياس والتحقق، وتتوافق مع أهداف المشروع. كما من المهم أن يتفق الطرفان، سواء كانا داخليين أو خارجيين، على هذه المعايير لضمان تقييم عادل ودقيق.
7. كيف أدير التواصل؟
يعد التواصل الفعال أحد أهم عوامل نجاح أي مشروع. ولضمان سير العمل بسلاسة ينبغي تحديد أدوات الاتصال المناسبة، مثل: برامج التراسل الفوري أو البريد الإلكتروني، وتحديد تردد التحديثات.
فيما يجب تحديد قنوات الاتصال الرسمية وغير الرسمية لضمان وصول المعلومات إلى جميع الأطراف المعنية في الوقت المناسب. إلى جانب أنه يمكن أن تساعد عمليات التدقيق المنتظمة في الحفاظ على التقدم ومعالجة أي مشكلات قد تنشأ خلال تنفيذ المشروع.
8. هل لديهم خبرة ذات صلة؟
قبل تفويض أي مهمة إلى طرف خارجي يجب التأكد من أن لديه الخبرة والكفاءة اللازمتين لتنفيذها. ويتحقق ذلك من خلال مراجعة سجل أعمالهم السابق، ودراسة الحالات، والتقييمات التي حصلوا عليها من عملاء سابقين.
فيما ينبغي التأكد من أن لديهم تاريخًا في تسليم مهام مشابهة بنجاح.
9. ما المخاطر المحتملة؟
كل مشروع يحمل معه مجموعة من المخاطر التي يجب التعامل معها بحذر. ومن أهم المخاطر التي تواجهها عند تفويض المهام: السرية، وجودة العمل، والاعتماد على موظفين خارجيين.
ولتقليل هذه المخاطر ينبغي وضع عقود واضحة تحدد حقوق ومسؤوليات كل طرف، وتحديد توقعات واضحة بشأن جودة العمل والمواعيد النهائية.
10. ما تكلفة أداء هذه المهمة داخليًا؟
قبل اتخاذ قرار بتفويض مهمة ما يجب مقارنة التكلفة بالفرصة للإبقاء عليها داخليًا مقابل الاستعانة بمصادر خارجية. كما ينبغي مراعاة الوقت والموارد التي يتم توفيرها من خلال الاستعانة بمصادر خارجية، وكذلك الجودة المتوقعة للعمل.
في بعض الحالات قد تكون الاستعانة بمصادر خارجية أكثر فعالية من حيث التكلفة، خاصة إذا كانت المهمة تتطلب مهارات أو موارد غير متوفرة داخليًا.
11. هل هذه العلاقة طويلة الأمد؟
عند اختيار شركاء خارجيين ينبغي النظر إلى إمكانية بناء علاقات طويلة الأمد معهم. فإذا كانت هناك احتمالية للتعاون في مشاريع مستقبلية فإن بناء علاقة قوية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل سيكون مفيدًا لكلا الطرفين.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال التواصل المستمر والشفاف، وتقديم تغذية راجعة بناءة؛ والالتزام بالمواعيد النهائية.
في نهاية المطاف تتجلى الاستعانة بمصادر خارجية كأداة قوية ومرنة تساهم في تطوير الأعمال وتحقيق النمو المستدام. فهي تتيح للشركات التركيز على جوهر أعمالها، وتعزيز الابتكار، وتوفير التكاليف، والوصول إلى خبرات متخصصة.
لكن نجاح هذه الاستراتيجية يتوقف على عدة عوامل؛ أبرزها: اختيار الشركاء المناسبين، ووضع خطط عمل واضحة، وبناء علاقات تعاونية قوية.
ولا شك أن التحديات التي تواجه الشركات في عالم الأعمال اليوم تتطلب اتخاذ قرارات استراتيجية سريعة ومرنة. والاستعانة بمصادر خارجية تمثل إحدى هذه القرارات التي يمكن أن تحدث فارقًا كبيرًا في أداء الشركات وتحقيق أهدافها. فمن خلال تفويض المهام غير الأساسية إلى جهات خارجية تستطيع الشركات تخصيص مواردها وجهودها للمهام الاستراتيجية التي تساهم في تحقيق التميز التنافسي.
ومع تطور التكنولوجيا وظهور منصات العمل عن بعد أصبح من السهل أكثر من أي وقت مضى الاستعانة بمصادر خارجية. فالشركات الصغيرة والمتوسطة يمكنها الآن الوصول إلى شبكة عالمية من الخبراء والمستقلين الذين يتمتعون بمهارات متنوعة.
ومع ذلك يجب على الشركات أن تكون حذرة في اختيار الشركاء الخارجيين، والتأكد من أنهم يتمتعون بالكفاءة والخبرة اللازمة لتنفيذ المهام الموكلة إليهم.