تاريخيًا، لم يُعرف للفقراء حضورٌ أو صوتٌ، فهم مجرد دُمي تتحرك رغم أنهم أحرار، ظلوا طويلًا غير مرئيين، ولم يُتعرَّف عليهم قط، إلا في صور الشفقة وطلب الإحسان والمعونات، “لا صوت لهم”، وغالبًا ما صُوِّروا كمصدر للفوضى وإثارة الشغب، وكأنهم لم يُولدوا، فهُم العوام والدهماء والرعاع والسفلة والغوغاء والسواد والهمج، بل مصدر الخوف والحذر، رغم كونهم سادة الأغنياء البالغ عددهم 2000 ملياردير بثروات تبلغ 8 تريليونات دولار؛ حتى إن منهم من حقق المليارات خلال جائحة كوفيد-19 العالمية.
أجل، هُو الفقر، وغالبًا ما تجد أصحابه بترسانة العدالة والقضاء عبر آثار الأدب وكُتب الدين فقط، خاصة بعهود الإسلام الأولى التي حافظت على كرامتهم وساوت بين البشر، لكن في عامنا هذا يتهم العالم جائحة كورونا بأنها مسؤولة عن سقوط 71 مليون شخص إلى 100 مليون إضافيين في براثن الفقر المدقع، وفق قياس خط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولار للفرد يوميًا.
ومن المتوقع أن تُسقِط جائحة كورونا ما بين 88 و115 مليون شخص في براثن الفقر المدقع بنهاية 2020؛ ما جعل جهات دولية- معنية بأمر الجوع والفقر عمومًا- تعتقد أنَّ عدد الوفيات بسبب الجوع الناجم عن كورونا سيزيد على عدد الوفيات بالفيروس نفسه، وأنَّ عدد من يعانون من نقص التغذية في العالم سيصل بحلول 2030 إلى 909 ملايين إنسان، مقارنةً بعام 2017م؛ ليبلغ عدد الفقراء نحو 689 مليون نسمة؛ أي 9.2 % من سكان العالم.
الفقر المدقع
ورغم هذه المتغيرات والتقديرات، إلا أن التركيبة تظل على مستوى المناطق لأعداد الفقراء جرَّاء الجائحة متماثلة إلى حد كبير، فمعظم الفقراء الجدد عند خط الفقر المدقع، يعيشون في جنوب آسيا، تليها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء عند خط الفقر 1.90 دولار للفرد يوميًا، وشرق آسيا والمحيط الهادئ عند خط الفقر 5.50 دولار.
وعبر الـ 30 عامًا الماضية، كانت الأزمة المالية الآسيوية في 1997 – 1998سببًا في زيادة معدل الفقر بنسبة 1.3 % في عام 1998 مقارنة بعام 1997 من 29.6 % إلى 30 %، لتزداد جرَّاء كورونا 2020 التي لا تزال تتطور إلى نسبة 8.1 % عن مستواها في 2019 من 8.4 % 9.1 %، أما العامان المتأثران بجائحة كورونا 2020 و2021، فحسب تنبؤات تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية في يناير الماضي، وتنبؤاته لشهر يونيو، تجد اختلافًا في أعداد الفقراء ما قبل تفشي الجائحة، وفي ظل تفشيها في 2019؛ فتلاحظ العدد الإضافي للفقراء لعامي 2020 و2021، وفق منهجية الاختلاف.
إنقاذ 30 مليون نسمة
وقد بدا هذا واضحًا لما وصل إليه برنامج الأغذية العالمي الذي ناشد مديره “بيزلي” أثرياء العالم، إنقاذ نحو 30 مليون نسمة على شفا المجاعة، كما تأمل برامج الأغذية في مساعدات تصل إلى 138 مليون دولار للعام الحالي، علاوة على 4.9 مليار دولار لعام واحد فقط لإطعام أكثر من 30 مليونًا؛ ما يتطلب تدخل المجتمع الدولي لمواجهة آفتي الجوع والفقر، في ظل مواجهة الإنسانية أشد أزمة في التاريخ الحديث.
إنجاز سعودي عالمي
وفي إطار المساعدات الدولية، حققت المملكة العربية السعودية إنجازًا جديدًا بحصولها على المركز الخامس عالميًا، والأول عربيًا في مجال تقديم المساعدات الإنسانية وفق منصة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدةFTS، بمساعدات بلغت مليارًا و281 مليون دولار بنسبة 5.5 % من إجمالي المساعدات الإنسانية المدفوعة دوليًا، متصدرة- برئاستها مجموعة العشرين لعام 2020 – مساعداتها لمكافحة فيروس كورونا، بـ500 مليون دولار للمنظمات الدولية في مارس الماضي؛ لتصل مساهماتها المالية في المنظمات والهيئات الدولية وفق آخر إحصائية إلى 560 مساهمة، يستفيد منها 48 جهة بمبلغ إجمالي 2.21 مليار دولار(8.30 مليار ريال سعودي)، فضلًا عن مساهمتها في عام 2018 بحوالي 100 مليار دولار مساعدات للدول الفقيرة والمنكوبة.
إن الحرب ضد الجوع صارت في أوجها؛ لذا على العالم التحرك سريعًا، دون أية مُبررات، فما تُرزقون إلا بفقرائكم حتى لو انتهت أزمة كورونا غدًا؛ إذ يكفي أن يعلم البشر جميعًا- خاصة الأغنياء والبُخلاء منهم- أنه بنهاية العام الجاري، من المتوقع وفاة 12 ألف شخص من الجوع المُرتبط بكورونا يوميًا، في ظل الجوع الذي ينهش الفقراء.
اقرأ أيضًا:
الشروط العشرة لتحقيق أهدافك في الحياة
التعليم الإلكتروني وسيلة لاستمرار التعليم
التوجيه القيادي النيوكارزمي.. والبطالة