كتاب Rework، هو في المقام الأول، كتاب تفكيكي، فهو يخالف كل القواعد المتعارف عليها في عالم المال والأعمال، ويشكك ليس في صدقها فحسب وإنما في جدواها العملية كذلك، ويبدو أنه من المناسب استخدام مصطلحات جاك دريدا في محاولة فهم هذا الكتاب والنفاذ إلى جوهره.
يطرح جيسون فرايد وديفيد هاينميير هانسون في كتاب Rework رؤى مغايرة حقًا لما درجنا على اللهج به وترديده بشكل لا واعٍ تقريبًا، وليس أدل على ذلك من كونهما يقولان إن ريادة الأعمال لم تعد تعني شيئًا محددًا، طالما أن كل شخص أطلق مشروعًا ما ظن نفسه رائد أعمال.
وعلى الرغم من ذلك فإن كتاب Rework موجه للجميع، لمن لديهم مشروعات قائمة بالفعل، ولكن بالأخص لأولئك الذين يفكرون في خوض غمار التجربة، وامتلاك مشاريعهم الخاصة.
إذا كنت تسعى للحصول على كتاب يعيد «تفكيك» منظوماتك الفكرية، ويقلبها قاطبة رأسًا على عقب، فإننا في «رواد الأعمال» نقترح عليك وضع كتاب Rework على رأس القائمة.
اقرأ أيضًا: كتاب The Five Dysfunctions of a Team.. لماذا لا تنجح فرق العمل؟
التخطيط تخمين
إننا ندرك أن هذا الطرح غريب وغير مألوف بالمرة، لكن من الحكمة أن يساءل المرء قناعاته بين آن وآخر؛ فذاك أسلم طريق للوصول إلى صدق وجدوى قناعاتنا.
يشدد مؤلفا كتاب Rework على أن التخطيط غير مجدٍ على الإطلاق، بل لا يعدو كونه مجرد تخطيط، صحيح أن المرء _خاصة إذا صنع لمشروعه توقعات مالية وخلافه_ لا يريد أن يتم التطويح بأفكاره وأرقامه المالية وتوقعاته إلى فوهة العدم، لكن المؤلفين يشددان على أن التخطيط، لا سيما إذا كان طويل المدى، ليس أكثر من عملية تخمين.
والحجة هنا، والحق يقال، داحضة؛ إذ كيف للمرء أن يخطط لخمس سنوات مقبلات وهو عائش في عالم مفرط في السيولة، مسرف في التغير؟!
إنهما يشددان على أن الواقع غير موجود _تحيلنا هذه الفكرة على نحو ما إلى أطروحات جان بودريار خاصة في أطروحاته حول الواقع المفرط، وأن الواقع لا يقع؛ بمعنى أنه لا واقع إلا ما أوقعه الإنسان_ كل ما هناك أن الذين يريدون التقيد بشروط الواقع وقيوده هم أولئك الذين لا جرأة لديهم كيما يتمكنوا من المحاولة، ويشقوا الدرب صوب مغامرة ممكنة.
اقرأ أيضًا: كتاب The Power of Now.. التنوير الروحي والمساعدة الذاتية
متى تطلق مشروعك؟
واتصالًا بالطرح السابق حول مسألة التخطيط نقول إن هناك قومًا _ممن يفكرون في إطلاق مشروعاتهم الخاصة_ يفرطون في التخطيط لكل شيء، ويحسبون حساب كل التفاصيل (هذا مهم بطبيعة الحال لكن شريطة ألا نغفل اللامتوقع، والذي لا يمكننا التحكم فيه ولا حتى التنبؤ به)؛ لذلك تراهم دائمًا في حالة انتظار أن يمسي كل شيء على ما يرام، حتى يطلقوا مشروعهم المنتظر.
والمفاجأة أن أمثال هؤلاء لا يطلقون مشروعات أبدًا، وأن كل شيء لن يصير على ما يرام، وكما تخطط له، أو تتمناه.
يتحدى مؤلفا كتاب Rework افتراضات الإدراك البشري؛ وقصدهما من ذلك، على ما يبدو، هو تحفيز الناس على دخول مجال العمل الحر، وريادة الأعمال. فالواقع الذي تخشى شروطه وظروفه أنت من تصنعه كما أنه متبدل أبدًا.
وبالتالي فإن الخيار العقلاني الوحيد المتاح أن تبدأ مشروعك بالفعل، وأن تحاول التحسين والتطوير على طول الطريق، علاوة على تقديم منتج جيد ذي قيمة مضافة.
«الطريقة الأسهل والأكثر مباشرة لإنشاء منتج أو خدمة رائعة هي صنع شيء تريد استخدامه».
اقرأ أيضًا: كتاب «أغنى رجل في بابل».. الثراء على طريقة «أركاد»
العميل أم المستثمر؟
ينطوي هذا السؤال على قدر كبير من الإرباك؛ فكلا الطرفين (العميل والمستثمر) مهم، ولا يستقيم المشروع من دونهما، سوى أن إجابة جيسون فرايد وديفيد هاينميير هانسون؛ مؤلفا كتاب Rework، واضحة لا تقبل التأويل، فهما ينحازان إلى العميل حصرًا ومن دون مواربة.
لكن إلى نوعية معينة من العملاء، كي نكون أكثر دقة؛ فالحكمة تتمثل في جذب أهم وأنفع العملاء، كما أنهما يقولان إن محاولة إرضاء كل شرائح العملاء ستفضي بك إلى الفشل مع الجميع، وخسارتهم.
أما فيما يتعلق بموضوع المستثمرين فلديهما فكرة على قدر كبير من الغرابة؛ إذ يريان أن المشروعات الناشئة لا تحتاج إلى تمويل خارجي، ولا يجب أن تكون كذلك، ومن ثم فهما يقولان إن التوجه إلى المستثمر الخارجي محض خطأ؛ حيث سينتهي بك ذلك إلى محاولة تقديم ما يريده المستثمر بدلًا مما يريده العميل.
اقرأ أيضًا: كتاب «قواعد السطوة».. أسس السيطرة الناعمة
التوظيف ووهم الخبرة
لن نجافي الصواب إن قلنا إن الفصل الخاص بـ «التوظيف» كان من أكثر فصول كتاب Rework ذكاءً ومخالفة للمألوف أيضًا؛ فكل من تطرق لهذا الكتاب بالشرح أو التحليل أشاد بهذا الفصل حصرًا.
ويرى المؤلفان أن تفاني الفرد ومدى ذكائه وقوة شخصيته يجب أن تكون العوامل الحاسمة في عملية الاختيار والتوظيف؛ فالمهم هو الجودة وليس عدد السنوات التي قضاها هذا المرشح للمنصب الوظيفي أو ذاك في أداء هذه المهمة.
وسنوات الخبرة ذاتها قد تكون محض عبء لا جدوى منه إطلاقًا، خاصة إذا كان الموظف من أولئك الذين عفا عليهم الزمن، ولم يعد قادرًا أو لا يريد تعلم أشياء جديدة، أو أداء المهام بطرق مختلفة.
اقرأ أيضًا:
كتاب Nudge.. ثالوث التحيز والخطأ والاختيار
كتاب Creative Living.. دربك نحو السعادة
كتاب «خرافة ريادة الأعمال».. مراحل نضج الشركات