لم تكن قصة نجاح ميلاني بيركنز؛ رائدة الأعمال التقنية الأسترالية والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “كانفا”، مجرد صدفة بل هي نتاج رؤية ثاقبة وعمل دؤوب. فمنذ تأسيسها للشركة أثبتت قدرتها على قيادة واحدة من أسرع الشركات الناشئة نموًا في العالم؛ حيث تمتلك حاليًا 18% من الشركة. ما جعلها واحدة من أصغر الرؤساء التنفيذيين الإناث لشركة تقنية ناشئة تتجاوز قيمتها المليار دولار أسترالي.
علاوة على ذلك لم يقتصر نجاح ميلاني يركنز على المستوى المحلي، بل تجاوز الحدود ليضعها في مصاف أغنى النساء في أستراليا؛ فبلغت ثروتها الصافية 4.4 مليار دولار اعتبارًا من مايو 2021.
من ناحية أخرى لم تتوقف إنجازات ميلاني بيركنز عند هذا الحد، بل استمرت في تحقيق المزيد من النجاحات؛ حيث احتلت المرتبة 89 في قائمة فوربس “أقوى 100 امرأة في العالم” لعام 2023، والمرتبة 92 في قائمة “فورتشن لأقوى النساء”.
الحياة المبتكرة
وُلدت ميلاني بيركنز يوم 13 مايو 1987 في بيرث، بأستراليا الغربية، وهي ابنة لمعلمة أسترالية ومهندس ماليزي ذي أصول فلبينية وسريلانكية. التحقت بكلية القلب المقدس؛ إذ أظهرت منذ نعومة أظفارها طموحًا جمًا، فبينما كانت تحلم بأن تصبح متزلجة محترفة على الجليد لم تتوانَ عن الاستيقاظ في الرابعة والنصف فجرًا للتدريب.
علاوة على ذلك لم يتوقف شغفها عند الرياضة. ففي سن الرابعة عشرة بدأت مشروعها التجاري الأول؛ حيث كانت تبيع الأوشحة المصنوعة يدويًا في المتاجر والأسواق بجميع أنحاء بيرث، وهو ما عزز لديها الدافع الريادي.
بدايات ريادة الأعمال
بعد المدرسة الثانوية التحقت ميلاني بجامعة أستراليا الغربية، وتخصصت في الاتصالات وعلم النفس والتجارة. في هذا الوقت كانت أيضًا معلمة خاصة للطلاب الذين يتعلمون تصميم الجرافيك. ولاحظت الصعوبات التي يواجهها الطلاب في تعلم برامج التصميم، مثل: أدوبي فوتوشوب. وغالبًا ما يستغرق الطلاب فصلًا دراسيًا في الجامعة للتعرف على الميزات الأساسية لبرامج التصميم المعقدة هذه.
واعتقدت ميلاني بيركنز أن هناك فرصة عمل في تسهيل عملية التصميم. وكانت فكرتها هي إنشاء منصة تصميم لا تتطلب خبرة فنية. وتركت الجامعة في سن التاسعة عشرة لمتابعة مشروعها التجاري الأول مع زميلها كليف أوبريشت وهو شركة “فيوجن بوكس”.
ولم يكن هذا القرار مجرد قفزة في المجهول لكنه كان نابعًا من رؤية واضحة وإيمان بقدرتها على تحقيق النجاح.

مسيرة مهنية حافلة
بدأت ميلاني بيركنز مسيرتها المهنية بتأسيس شركة فيوجن بوكس مع كليف أوبريشت في عام 2007م؛ حيث قدمت الشركة للطلاب أداة تصميم سهلة الاستخدام لإنشاء كتبهم السنوية. مستخدمةً نظام السحب والإفلات وقوالب تصميم جاهزة.
وفي الأصل كانت ميلاني تطمح إلى تطوير برنامج شامل لتسهيل عملية التصميم، ولكنها أدركت أن المنافسة الشديدة ونقص الموارد يجعلان ذلك غير مجدٍ. من ناحية أخرى استلهمت فكرة “فيوجن بوكس” من والدتها المعلمة. التي كانت تنسق الكتاب السنوي للمدرسة، ولاحظت الجهد الكبير الذي يتطلبه ذلك.
توسع “فيوجن بوكس”
انطلقت فيوجن بوكس من غرفة معيشة والدة ميلاني؛ حيث كان “أوبريشت” يجري مكالمات للمدارس لجذب العملاء. وغالبًا ما كان الأهل يساعدون في طباعة الكتب السنوية. وعلى مدى خمس سنوات نمت “فيوجن بوكس” لتصبح أكبر شركة كتب سنوية في أستراليا. وتوسعت إلى فرنسا ونيوزيلندا.
وفي حين أن هذا النجاح كان ملحوظًا إلا أنه لم يكن سوى خطوة نحو تحقيق رؤية ميلاني بيركنز الأوسع.
ولادة “كانفا”
في عام 2011م التقت ميلاني وأوبريشت بالمستثمر بيل تاي؛ الذي شجعهما على إيجاد فريق تقني مؤهل. وبفضل ذلك انضم راسموسن كمستشار تقني، وقدمهما إلى كاميرون آدامز؛ الذي أصبح المؤسس الثالث وكبير مسؤولي المنتجات في كانفا.
كما لم تتوقف ميلاني بيركنز عن السعي لتحقيق هدفها، فأقنعت آدامز بالانضمام إلى فريقها.
نجاح غير مسبوق
ميلاني بيركنز هي الرئيس التنفيذي لواحدة من الشركات الناشئة “وحيدة القرن” القليلة التي تحقق أرباحًا.
وفي نوفمبر 2023 قدرت قائمة “فوربس” صافي ثروتها بـ 3.6 مليار دولار. وبقيت الرئيس التنفيذي لشركة كانفا، وتمتلك حوالي 18% من الشركة. كما تم إدراج اسمها بقائمة الأثرياء في مجلة “فاينانشيال ريفيو” لعام 2023.
المرأة في عالم التكنولوجيا
يثور جدل حول التفاوت بين الجنسين في صناعة التكنولوجيا؛ حيث يتم تأسيس واحدة من كل أربع شركات ناشئة من قبل امرأة. وميلاني بيركنز من بين 2% من الرؤساء التنفيذيين الإناث للشركات المدعومة من رأس المال الاستثماري. من ناحية أخرى تسعى جاهدة لكسر هذه الحواجز.

رسالة ملهمة
كتبت ميلاني بيركنز مقالًا للأشخاص الذين يشعرون بأنهم “على الهامش”. وناقشت رحلتها كرائدة أعمال شابة لتشجيع الأشخاص من خلفيات متنوعة على السعي لتحقيق أحلامهم.
كذلك نفذت سياسات في كانفا تقضي على التحيز في عملية التوظيف. ما أدى إلى حصول الشركة على تمثيل نسائي بنسبة 41%، وهو أعلى بكثير من متوسط الصناعة البالغ 28 بالمائة.
مثال مُلهم للشباب الطموح
في النهاية تُعد قصة ميلاني بيركنز مثالًا ملهمًا للشباب الطموح، خاصةً الفتيات، في جميع أنحاء العالم. فهي أثبتت أن النجاح لا يعرف حدودًا، وأن الأحلام يمكن أن تتحقق بالعمل الجاد والمثابرة والرؤية الثاقبة. كما أنها رسالة قوية تؤكد أهمية التنوع والشمول في عالم الأعمال، وأن المرأة قادرة على تحقيق إنجازات عظيمة في أي مجال تختاره.
وتعد ميلاني بيركنز رمزًا للابتكار والإبداع والقيادة النسائية، وقصتها ستظل تلهم الأجيال القادمة لتحقيق أحلامهم وتجاوز التحديات.