ساعات صعبة عاشها السودانيون مرت عليهم كأنها دهر من الزمن، مشاعر مختلفة سيطرت عليهم ما بين خوف ممزوج بقلق ورعب من مواجهة المستقبل المجهول، فما أصعب أن تهجر وطنك مضطرًا.
لم يمر عام 2023 مرور الكرام على أهل السودان بل شهد أحداثًا مأساوية كانت الأصعب والأسوأ في تاريخ البلاد؛ على رأسها اندلاع حرب طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، انطلقت من قلب العاصمة الخرطوم، لتمتد إلى ما يزيد على 60% من مساحة البلاد وتأخذ في طريقها آلاف القتلى والضحايا والمصابين، فضلًا عن تشتت الملايين داخل البلاد وخارجها.
تواصل “رواد الأعمال” مع رب أسرة سودانية ليروي لنا معاناته وحكاية تهجيره من أرضه بسبب الظروف الراهنة التي تشهدها بلاده الآن.
لحظات فارقة
🔴رعب وهروب ومصير مجهول.. شاهد أسرة نزحت في جنح الظلام من قلب #السودان تروي مأساتها بشكل خاص لمجلة #رواد_الاعمال ⬇️ pic.twitter.com/z6s4mHSocT
— مجلة رواد الأعمال (@rowad_alaamal) January 6, 2024
مواقف وأحداث مؤلمة عاشها السوداني “أحمد صلاح” أثناء رحلة تهجيره مع أسرته التي كانت تضم رُضّعًا وأطفالًا ونساءً.
فتح أحمد صلاح قلبه لـ”رواد الأعمال” قائلًا: “أنا من سكان مدينة مدني بالسودان، منذ أيام هددت قوات الدعم السريع بالدخول وتدمير المدينة، بعدها شهدنا أنا والأسرة بأجمعها 3 أيام متواصلة من الرعب والقلق نسمع فيها أصوات ضرب بعيد وطلقات الرصاص في الشرق تحديدًا”.
ويضيف: “الحمدلله أسرتي سليمة ولكن أحد أقاربي أُصيب برصاصة في يده وأخري في قدمه ومنزلنا هُدم كأغلب بيوت المدينة، كان الإحساس صعبًا بالتأكيد؛ فهذه مدينتي التي كبرت فيها وتخرجتُ فيها وعشت أجمل ذكريات بها، وعندما بدأ الضرب من قِبل الدعم السريع كنت أرفض الخروج وقولت “أموت على أرضي” ولا أفارق منزلنا”.
اقرأ أيضًا.. خاص| فاطمة الغامدي: 6 نصائح للشركات المتوسطة والصغيرة لاستمرار النجاح
رحلة الهروب
وتابع: “في ظل الظروف التي شهدانها كانت النساء يعشن حالة من الرعب ويردن الفرار والهروب، ووقعنا -3 رجال في العائلة- في حيرة بين أمرين؛ الهروب أو التمسك بحياتنا وأرضنا وذكرياتنا”.
ويستكمل أحمد صلاح بصوت حزين: “لكن للأسف الظروف كانت أقوى منا، ولم تكن معنا النقود الكافية التي تؤهلنا لخوض الرحلة والنزوح من البلاد؛ بسبب ارتفاع أسعار المواصلات التي تضاعفت بنحو 300%، وبعدما كان سعر التذكرة 6 آلاف أصبحت 80 ألف جنيه سوداني”.
مواجهة المستقبل
قال “صلاح”: عندما اشتد الوضع وأصبحنا نواجه الخطر اقترحتُ على أسرتي أن نخرج سيرًا على الأقدام؛ فالأسرة عبارة عن 7 نساء بأطفالهم بينهم رُضَّع وقطعنا مسافات طويلة حتى نصل إلى قرية اسمها “أم سنط”.
يومين على رغيف جاف!
ويسترجع رحلة المعاناة قائلًا: “أثناء الطريق مرت علينا أصعب لحظة وهي وصول الجيش هاربًا على الطريق ليحذرنا من أن قوات الدعم السريع تلاحقنا؛ لذا اضطرينا إلى أن ندخل قرية غرب طريق سنار تسمى الشكابة، قضينا فيها يومًا كاملًا، بعدها أوقفنا شاحنة كبيرة وافق صاحبها على أن يأخذ معه النساء والأطفال بسعر معقول ويقينا نحن الرجال في الشارع ثم وصلنا إلى سنار أثناء صلاة المغرب، وجدنا السيدات باقيات على الطريق لم يعرفن إلى أين يتجهن ولا يملكن النقود الكافية لاستقلال المواصلات”.
ويتابع: “يومين كاملين في طريق سنار عايشين فقط على رغيف جاف”.
انتهاء الطعام والزاد
“ما في حد يقدر يساعدك .. كل البشر ماشيين على أساس نفسي نفسي” بهذه الكلمات استكمل السوداني حديثه قائلًا: “عندما وصلنا إلى النساء كان يوجد طريقان؛ الأول الشرق والآخر الغرب وبينهما كوبري، سارت النساء في طريق الغرب وظلينا نسير وراءهم”.
صراع من أجل البقاء
ويستدرك أحمد صلاح قائلًا: بعدها وصلنا قرية اسمها مايرنو حتى نصل إلى النيل الأزرق، وأصبحت وجهتنا الأخيرة قرية شرق النيل اسمها “الشيخ طلحة”، وبعد طول معاناة وتخبط وجدنا سيارة في الـ 9 مساءً وفي هذه اللحظة كان الطعام انتهى ولم نستطع الحصول على شربة ماء تروي عطش أطفالنا”.
وأشار إلى أن أسرته بقيت بدون طعام أو شراب لمدة تزيد على 12 ساعة، والأطفال كان عددهم 12 طفلًا، مضيفًا: لكن بفضل الله عند الوصول إلي النيل الأزرق أصبح السفر أسهل، ووجدنا عبارة بسعر رخيص نسبيًا 500 جنيه سوداني للشخص، وبعدها وصلنا البيت في سنار. حاليًا في البيت يوجد أكثر من 8 أسر بكل أفرادها مجتمعين في شقة واحدة بها غرفتان وصالتان، ويوميًا ننفق أكثر من 20 ألف جنيه سوداني على الوجبات فقط، ولم يعمل أحد من الرجال ولا نعرف كيف سنكفّي احتياجاتنا خلال الفترة القادمة بعد نفاذ الوقود”.
اقرأ أيضًا.. خاص| ريان جستنيه: طورتُ جهاز «الحركة السلبية المستمرة» تكنولوجيًا لتسهيل علاج المرضى
أزمة منتصف الطريق
اختتم أحمد صلاح حكايته قائلًا: “معظم الشعب يقف وراء الجيش الرسمي، لكن في الوقت نفسه كان هناك اتفاق إطاري بين الطرف العسكري “الجيش+ الدعم السريع” والطرف المدني “الحرية والتغيير + بقية الأحزاب السياسية” على تقسيم السلطة لمدة معينة يحكم فيها العسكر ومدة أخرى يحكم بها المدنيون.