عند بداية المشروع يكون أمام رائد الأعمال أحد خيارين؛ إما أن يُكرّس خدماته للبيئة الجغرافية المحيطة به، أو أن يتوجه دوليًا، لكن أي من هذين التوجهين هو الأجدى والأكثر نفعًا وجلبًا للربح؟
لنقل، في البداية، إن التوجه الدولي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ينطوي على ميزات جمة، لكنه مخاطرة من دون شك. وفي حال نجاح هذا التوجه سيكون المشروع كُتب له النجاح والبقاء طويلاً، ناهيك عن أن معدل الأرباح سيكون أعلى مما لو كان توجهنا محليًا.
لكن، وعلى الناحية الأخرى، سيكون التوجه محليًا، والاقتصار على البيئات الجغرافية المحيطة أقل تكلفة، إلى جانب أن الجهود التسويقية ستكون أقل؛ نظرًا لخبرة أصحاب هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمجتمعاتهم التي قرروا العمل فيها، وتوجيه خدماتهم إليها.
ممكّنات التوجه عالميًا
أليس غريبًا القول إنه من الممكن الأخذ بيد المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتتوجه عالميًا، وأن تنافس في مجتمعات كبيرة، ومفعمة بالكثير من المنافسين الكبار والصغار؟
ليس هذا الطرح غريبًا، ولا مستحيلًا الآن؛ خاصة بعد ظهور التقنية الجديدة، وعطاءاتها المختلفة، التي جعلت من السهل، حاليًا، الوصول إلى أكبر عدد من العملاء، وإلى مجتمعات أكثر بُعدًا وتنوعًا.
لم يكن هذا التوجه ممكنًا فيما سبق؛ خاصة أن هذا التوجه العالمي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة كان يتطلب الكثير من الموظفين، ومندوبي المبيعات، فضلاً عن شتى النفقات التي وفّرتها التكنولوجيا الجديدة.
أسباب التوجه عالميًا
والآن، لنطرح السؤال الأكثر أهمية: ما الذي يدفع رائد أعمال أو صاحب مشروع صغير هنا أو هناك لأن يتوجه بمشروعه عالميًا، وينقل ساحة المنافسة إلى الصعيد الدولي؟
في واقع الأمر هناك الكثير من الأسباب والمحفّزات التي تدفع رواد الأعمال لخوض غمار مثل هذه المغامرة، وأن ينهجوا سبل هذا التوجه، ولعل من بينها ما يلي:
تغير احتياجات المستهلكين:
إن التغيرات الديموجرافية التي يتعرض لها مجتمع من المجتمعات، وتغير أنماط وسبل معيشة أفراد مجتمع ما إلى تبدل رغباتهم واحتياجاتهم، لنفترض مثلًا أن عدد المواليد في مجتمع معين يأخذ في الانخفاض وبشكل مضطرد، وعلى ذلك، فإن القرار الصائب الذي تتخذه شركة تعمل في مجال منتجات الأطفال أن تنقل ساحة عملها إلى مجتمعات، وأسواق أبعد، باختصار أن تتوجه دوليًا.
تشبع الأسواق المحلية
لكل منتج من المنتجات دورة حياة طبيعية_مثلما هو الحال تمامًا بالنسبة للكائنات الحية الأخرى_ وعندما يصل هذا المنتج أو ذاك إلى ذروته، وأن يمسي بيد كل شخص يحتاجه، وعندما تحصل الشركة المنتجة أو الموزعة له على أكبر معدل ربح من الممكن الحصول عليه من ورائه، فإنه يأخذ في الانحدار والاضمحلال.
هذه الحقيقة البديهية تدفع الشركات أو تحتم عليها أن تعمل، وبشكل مطرّد وممنهج، على غزو أسواق جديدة، ونقل المعركة إلى ساحات جديدة طوال الوقت، فبعيدًا عن فكرة دورة حياة المنتج _التي أشرنا إليها أعلاه_ فإن أي مجتمع سيصل، في لحظة من اللحظات، إلى مرحلة التشبع الكامل من المنتج، ولن يعود بحاجة إلى المزيد منه.
وهو الأمر الذي لا يفرض على رائد الأعمال التفكير في الانتقال بمشروعه إلى مجتمع جديد فحسب، بل إذا أراد أن يستمر في المجتمع الأصلي، أن يغير من خصائص المنتج ذاته.
ليس هذين السببين فقط هما الكامنان وراء حتمية التوجه عالميًا حتى في مرحلة بداية المشروع، لكنهما سببان أساسيان، وعليهما تترتب الكثير من الأسباب الثانوية الأخرى.
اقرأ أيضًا:
حماية المشروع.. كيف نستطيع الاستثمار في المخاطر؟