أظهر بحث جديد شارك في تأليفه البروفيسور جيمس تشوي من كلية الإدارة بجامعة “ييل” أن الناس أقل التزامًا بالوفاء بتعهداتهم بسداد الديون إذا تم إبرامها مع وكيل يعمل بالذكاء الاصطناعي. هذا الاكتشاف يلمّح إلى مجال يتفوق فيه محصلو الديون على الروبوتات.
كذلك عندما أطلقت شركة “Sonos” المصنعة للأجهزة الصوتية تحديثًا جذريًا لتطبيقها العام الماضي، كان أحد الوكلاء الذين استقبلوا سيلًا من المكالمات الغاضبة من العملاء عبارة عن روبوت دردشة متعدد الوسائط من شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة Sierra.
كما تعد “Sonos” واحدة من العديد من الشركات التي بدأت تعتمد على الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء، مستفيدة من قدرته المتنامية على التعامل مع المحادثات غير المتوقعة مع البشر.
محصلو الديون والذكاء الاصطناعي
لكن إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يتحمل عبء الرد على محادثة صعبة، فهل يمكنه هو أن يبدأها؟
إحدى شركات التمويل الاستهلاكي الكبرى في الصين باتت تستخدم الذكاء الاصطناعي لدعم فرق تحصيل الديون البشرية.
والسؤال: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي إقناع الناس بفعل ما لا يرغبون فيه. مثل سداد دين متأخر؟ أي هل يمكن أن يكون هناك محصلو الديون في زمن الذكاء الاصطناعي.
يقول الباحثون: «إن طبيعة الذكاء الاصطناعي بحد ذاتها، تدفع المقترضين إلى خرق وعود السداد. فإذا علمت أن الكيان الذي أخاطبه ليس إنسانًا، فإن الأمر يختلف جذريًا».
وتخلص الدراسة الجديدة التي شارك في تأليفها «جيمس تشوي» إلى أن الإجابة: «لا—على الأقل ليس بنفس كفاءة البشر. هنا يتفوق محصلو الديون من البشر».
فقد وجد الباحثون أنه مهما تحسّن أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي، وقد شهدت الشركة المعنية عدة ترقيات خلال فترة الدراسة؛ فإنها لم تستطع التفوق على البشر.
كذلك عندما تدخل محصلو الديون لاستلام زمام الأمور بعد ستة أيام من تاريخ الاستحقاق، لم يتمكنوا من سد فجوة السداد التي خلّفها الذكاء الاصطناعي. بل إن المقترضين الذين تم التواصل معهم أولًا عبر الذكاء الاصطناعي سددوا جزءًا أقل من ديونهم المتأخرة بعد مرور عام، وكانوا أكثر عرضة للتخلف عن سداد دفعات لاحقة مقارنة بمن تواصل معهم محصلون بشريون فقط.
يقول “تشوي”: «يمكننا أن نعزو بعض قصور الذكاء الاصطناعي إلى اختلافات قابلة للقياس في استراتيجياته مقارنة بالإستراتيجيات البشرية، لكن هناك فجوة لا يمكن تفسيرها. حتى لو كان الذكاء الاصطناعي ممتازًا للغاية؛ فإن مجرد معرفتي أني أخاطب كيانًا غير بشري يغيّر الأمر».
الديون المتأخرة والمحصلين الآليين
الورقة البحثية، التي استندت إلى 22 مليون حالة تحصيل ديون بين أبريل 2021 وديسمبر 2022، شارك في إعدادها أيضًا دونغ هوانغ؛ طالب دكتوراه في Yale SOM، وتشيشو يانغ؛ من جامعة تسينغوا، وتشي تشانغ؛ من جامعة شانغهاي جياو تونغ.
وخلال تلك الفترة، التي سبقت الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT، أسندت الشركة معظم الديون المتأخرة الجديدة التي تقل عن 300 يوان “نحو 42 دولارًا” إلى محصلين آليين، بينما نهض محصلو الديون بالنسبة الأكبر من الديون.
كذلك وبمقارنة الديون التي تقل قليلًا أو تزيد قليلًا عن حد 300 يوان. وجد الباحثون أن قيمة السداد التي جمعتها أنظمة الذكاء الاصطناعي خلال أول 30 يومًا من التأخير كانت أقل بـ 9% مما جمعه البشر. ورغم أن الفجوة تضاءلت بمرور الوقت؛ إلا أن الفارق ظل قائمًا بنسبة 5% حتى بعد عام كامل.
في بعض الديون الأكبر، وزعت الشركة المهام عشوائيًا: نصفها تم التواصل بشأنه من قبل الذكاء الاصطناعي خلال الأيام الخمسة الأولى قبل أن يتولى البشر المهمة. والنصف الآخر تعامل معه محصلو الديون من البشر منذ البداية.
كما أظهرت البيانات أن المحصلين الآليين كانوا أقل قدرة على انتزاع وعود شفهية بالسداد من المقترضين. علاوة على أن الوعود المقدمة للذكاء الاصطناعي كانت تُنتهك بمعدل أكبر. وعندما تدخل البشر في اليوم السادس، تمكنوا من تعويض جزء من الخسارة، لكن ليس كلها.

يقول جيمس تشوي: «حتى عندما يتولى البشر المهمة لـ360 يومًا لاحقًا؛ فإنهم لا يستطيعون عكس الضرر الذي تسببه أولى محادثات الذكاء الاصطناعي».
دلالات أوسع
تشير نتائج البحث إلى أن هناك وظائف عديدة تعتمد جوهريًا على قدرة الإنسان على الإقناع. خاصة عندما ينطوي الأمر على إقناع الآخر بفعل شيء يكلّفه شخصيًا.
يعلق البروفيسور جيمس تشوي: «هناك أدوار كثيرة يكون فيها عنصر الضغط والمساومة جزءًا أساسيًا من العمل. من الصعب جدًا إحالة مثل هذه المهام إلى الذكاء الاصطناعي».
وفي مستقبل قد يصبح فيه الذكاء الاصطناعي «موجودًا في كل مكان». يضيف «تشوي» أن هذا البحث «يسلّط الضوء على مجال محتمل يحتفظ فيه البشر بميزة تنافسية. مهارات التعامل البشري لن تفقد قيمتها».
المقال الأصلي (هنـــــــــــــا)



