قبل ساعات فقط من الإغلاق الحكومي المحتمل في أمريكا، عاد الديمقراطيون والجمهوريون إلى المربع الأول: تبادل اللوم بسبب تعنت الطرف الآخر.
كما جمع اجتماع السبت الماضي في البيت الأبيض، الرئيس دونالد ترامب مع تشاك شومر وهاكيم جيفريز، أبرز الديمقراطيين بالكونغرس. وقد فشل التوصل إلى أي تسوية.
فيما قال نائب الرئيس جي دي فانس متحسرًا: «نحن متجهون نحو إغلاق لأن الديمقراطيين يرفضون القيام بالشيء الصحيح». فرد شومر: «لا تزال هناك خلافات كبيرة بيننا».
الإغلاق الحكومي وتبعاته
ستبدأ الوكالات الفدرالية بنفاد الأموال عند الساعة 12:01 بعد منتصف الليل بالتوقيت المحلي من يوم الأربعاء.
كما ستشمل أبرز الآثار المباشرة إغلاق الوكالات والمتنزهات الوطنية والمتاحف. كما سيتم تجميد رواتب الموظفين الفدراليين، حتى أولئك الذين سيُطلب منهم الاستمرار في عملهم مثل القوات المسلحة ومراقبي الحركة الجوية.
أما مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، المصنفة على أنها «إنفاق إلزامي»، فستستمر، وإن كان من الممكن أن تتأخر الشيكات.
كذلك قد يبدو أن مثل هذا الفشل في الحكم يحدث بوتيرة متزايدة. لكن في الواقع كان عدد الإغلاقات (الإغلاق الحكومي) في العقدين الأخيرين أقل بكثير من الثمانينيات والتسعينيات.
ومع أن الإغلاقات الأخيرة كانت أطول زمنًا—مثل الإغلاق القياسي الذي استمر 35 يومًا في 2018-2019 خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب—فإن أثرها الاقتصادي ظل محدودًا نسبيًا.
ورغم أن ذلك قد يكون صحيحًا هذه المرة أيضًا. إلا أن هناك تعقيدات إضافية في الاقتصاد الأمريكي اليوم.

حجب البيانات الاقتصادية
كما أن الإغلاق الحكومي سيعني على الأرجح تأجيل صدور بيانات اقتصادية مهمة، خصوصًا أرقام التوظيف من مكتب إحصاءات العمل المقرر نشرها في 3 أكتوبر 2025. المكتب ينشر أيضًا بيانات عن التضخم والأجور، وهي أرقام تخضع لتدقيق شديد.
وفي وقت تبدو فيه التوقعات للاقتصاد الأمريكي ضبابية وقرارات الاحتياطي الفيدرالي حول أسعار الفائدة مثيرة للخلاف على نحو غير معتاد. فإن ترك صناع القرار يعملون في العتمة ليس بالأمر المثالي.
ماذا عن الأسواق المالية؟
أما الأسواق المالية، فعادة ما تتعامل مع الإغلاقات باعتبارها أحداثًا ثانوية مقارنة بضوضاء السياسة. ففي الإغلاق الحكومي الأخير، مثلًا، وصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى أدنى مستوى له في اليوم الثالث ثم أنهى الفترة أعلى بنسبة 10% مما كان عليه عند البداية.
لكن بالنظر إلى الإغلاقات السابقة، وجدت مؤسسة «جولدمان ساكس» أن الدولار غالبًا ما يتراجع بعد بدء الإغلاق. ومع الرسوم الجمركية لما سمي «يوم التحرير» والهجمات على الاحتياطي الفيدرالي، فإن الإدارة فعلت الكثير هذا العام لإضعاف الدولار. سيشكل الإغلاق الحكومي إضافة غير مرحب بها، لكنه لن يكون أكثر من ذلك.
البطالة ومعضلة البحث عن وظائف
كما أن تسريح 900 ألف موظف فدرالي «غير أساسي»—أي نحو 40% من القوة العاملة—سيرفع البطالة ويخفض النمو على المدى القصير.
وكان من المتوقع أصلًا أن تفقد الحكومة 300 ألف وظيفة بحلول ديسمبر القادم، نتيجة حزم الاستقالات المؤجلة التي قدمتها وزارة كفاءة الحكومة (DOGE) في وقت سابق من هذا العام.
ويقدر مكتب الموازنة في الكونغرس أن إغلاق 2018-2019 اقتطع 0.02% من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك العام، بسبب فقدان مساهمة الموظفين المسرحين وتأجيل الإنفاق الفيدرالي.
علاوة على ذلك، فإن الباحثين عن وظائف جديدة سيواجهون أيضًا بيئة توظيف صعبة. خصوصًا مع تباطؤ نمو الوظائف في الأشهر الأخيرة. ولا سيما بالمناطق المحيطة بواشنطن مثل فيرجينيا وميريلاند؛ حيث يقيم العديد من الموظفين الفدراليين والمتعاقدين.
غالبًا ما تعكس هذه الآثار سريعًا عند انتهاء الإغلاق مع عودة الموظفين واستلامهم رواتبهم المتأخرة، لكن قد لا يكون الحال كذلك هذه المرة.
تقليص البرامج الحكومية
راسل فوت، مدير مكتب الإدارة والموازنة (OMB)، شجع الحكومة الفدرالية على استغلال الإغلاق الحكومي كفرصة لطرد آلاف الموظفين الفدراليين وتقليص البرامج الحكومية في حال توقف التمويل.
وقد وزع مكتبه مذكرة تحث رؤساء الإدارات على التفكير في التخلص من جميع الموظفين العاملين على أجزاء من الموازنة مشمولة بإنفاق تقديري ولا تتماشى مع أولويات الرئيس.
كما قد يُنظر إلى ذلك على أنه تكتيك للضغط على أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين للتصويت على الموازنة. إلا أنه يتسق مع أهداف فوت طويلة الأمد ومع العداء الواسع داخل الحزب الجمهوري تجاه البيروقراطية الفيدرالية.
ولا يوجد قانون ينص صراحة على منح الوكالات سلطة فصل الموظفين بسبب توقف الاعتمادات. وعمليًا، فإن الإغلاق الحكومي سيعني أيضًا توقف تمويل إدارات الموارد البشرية داخل معظم الوكالات الفيدرالية، ما يمنعها من اتباع الإجراءات القانونية المطلوبة لفصل الموظفين.
لكن الأسئلة القانونية أو الإجرائية لن توقف الإدارة، بحسب بوبي كوجان، المسؤول السابق في مكتب الإدارة والموازنة والباحث الآن في مركز التقدم الأميركي، وهو مركز أبحاث يساري.
ويضيف: «يبدو أنهم يريدون القيام بذلك منذ وقت طويل». وأحد الدروس المستخلصة من تجربة DOGE هو أن الإدارة تستطيع التحرك أسرع بكثير من المحاكم. فبحلول الوقت الذي يقرر فيه القضاة أن مؤسسة معينة لم يكن ينبغي تفكيكها، تكون قد انتهت فعليًا.
المصدر: ذا إيكونومست


