يمكننا القول بأن التحكم في الحرارة، جعل البشرية تتطور بصورة غير مسبوقة في القرون الثلاثة المنصرمة، فمنذ اختراع المحرك البخاري والبشرية تتخذ خطوات واسعة لنشر العمران والحضارة في ربوع المعمورة.
الحرارة محركة الحضارة الأولى
كما ارتبطت الحضارة البشرية بأماكن الماء والنباتات التي يمكن أن تتخذ كغذاء كما يمكن لأخشابها أن يقتبس منها النار للتدفئة والطبخ.
كذلك استمرت البشرية على هذا المنوال حتى أواخر القرن السابع عشر؛ حيث تم تحويل الحرارة إلى حركة ميكانيكية بواسطة المحرك البخاري.
كما سمح ذلك بالتمدد العمراني للبشرية بعيدًا عن أماكن الزراعة والماء حاملًا معه الكثير من المؤن للمجتمعات الجديدة. ثم كانت المحطة التالية، اختراع محركات الاحتراق الداخلي؛ ما سمح بمحركات أكثر كفاءة وأصغر حجمًا. سمح ذلك بمزيد من الازدهار والانتشار للبشرية.

الحرارة المنخفضة كمحرك حضاري
كذلك لم تكن الحرارة المرتفعة عن حرارة الجو هي السبب الوحيد لرفاهية البشرية؛ حيث يمكن تحويل الفرق إلى شغل ميكانيكي يقدر على تشغيل الآلات ودفع القاطرات.
وأيضًا مثل الانخفاض في درجات الحرارة بابًا آخر للنمو البشري؛ حيث سمحت درجات الحرارة بتكييف الهواء في الأجواء الحارة؛ ما سمح باستكشاف واستعمار أماكن جديدة من الكوكب.
كما مثلت درجة حرارة المنخفضة فرصة لحفظ الطعام، سمحت بالتوسع في الأسواق والمتاجر وتوفير الطعام طوال العام، بكميات وفيرة.

رحلة الوصول إلى الحرارة المنخفضة
كذلك ومع دراسة الغازات وعلاقات الحجم والضغط ودرجة الحرارة أدرك العلماء أن ضغط الغاز يتناسب عكسيًا مع حجمه عند نفس الحرارة، وأن الحرارة عامل حاسم في تمدد الغازات. ما شجع العلماء لدراسة العلاقة بين حجم الغاز ودرجة الحرارة.
كما أيقن العلماء أن الحرارة يمكنها أن تزيد الضغط إذا زادت والعكس صحيح. ووجدوا أن ضغط الغاز وحجمه يؤولان إلى الصفر عند درجة حرارة منخفضة للغاية تسمى “الصفر المطلق”.
عند تلك النقطة، التي تساوي -273.15 درجة مئوية، تتوقف الجزيئات عن الحركة تمامًا وينعدم حجم الغاز وضغطه نظريا.
ومنذ اكتشاف الصفر المطلق ويتسابق العلماء إلى الوصول إلى هذه الحدود الخيالية لدرجة الحرارة. ولكن كيف يمكن الوصول الى تلك الدرجات.
خفض الحرارة بالتبخير
عند ضغط غاز معين إلى ضغوط كبيرة نسبيًا ومن ثم إتاحة الفرصة له للتمدد تنخفض درجة حرارته بصورة ملحوظة.
كما ينطبق هذا على غاز الفريون في الثلاجات والتكييفات المنزلية العادية؛ حيث يضغط المكبس الغاز إلى ضغط عال.
يتبع ذلك فتح صِمَام الغاز لينتقل الغاز إلى حجم أوسع من المواسير؛ حيث يتمدد بصورة فجائية؛ ما يخفض درجة حرارته.
كذلك يسمح للغاز بالتبادل الحراري ( امتصاص الطاقة الحرارية من جسم الثلاجة ) ويخفض درجة الحرارة الكلية للثلاجة.
كما يمكن تطبيق هذا المبدأ على غازات مختلفة في شكل متسلسلة للوصول إلى درجات حرارة منخفضة.
يمكن البدء مثلًا بغاز الكلور يليه الفلور ثم الأكسحين فالنيتروجين، ومن ثم الهيدروجين يليه الهيليوم. يمكن هذا الترتيب من الوصول إلى درجات حرارة تقترب بشدة إلى الصفر المطلق.

التبريد بالاحتواء المغناطيسي
كما يمكن للمجالات المغناطيسية تقييد الأيونات في حدود مكانية صغيرة وتقليص طاقة حركتها. حيث تعد الطاقة الحركية للذرات مؤشرًا مباشرًا لدرجة حرارة الذرات كلل. وينتج هذا الاحتواء والتقييد المغناطيسي انخفاضًا سريعًا في طاقة المادة المتأينة.
التبريد بالليزر
كذلك يعتقد كثيرون أن الليزر قد يعطي حرارة لأي وسط إذا أطلق عليه. ولكن في ظروف خاصة يمكن لليزر أن يقلص درجة الحرارة. يمكن تعريف درجة الحرارة بأنها متوسط الطاقة الحركية لوسط ما، فإدا استطعنا تسليط ضوء الليزر على الذرات في الحالة الغازية حال سفرها في اتجاه الضوء، يمكن للضوء أن يسبب رد فعل من شأنه إبطاء الذرات ومن ثم خفض درجة حرارتها.
من الجدير بالذكر، أن Claude Cohen-Tannoudji, Steven Chu, and William D. Phillips قد حصلوا على جائزة نوبل لعام 1997، لاختراعهما تلك الطريقة في التبريد.
خواص جديدة للمواد قرب الصفر المطلق
كما اختبر العلماء الكثير من المواد وخصائصها بالقرب من الصفر المطلق. ومع تلك الاختبارات وجد العلماء خصائص كان يمكن اعتبارها من الخيال العلمي.
ومن أمثلة تلك الخصائص الموصلية الفائقة. حيث يسري التيار الكهربي في الموصلات دون أي مقاومة؛ ما يعني أن التيار يمكنه أن يسري في السلك إلى ما لا نهاية طالما احتفظ بتلك الشروط من الحرارة.
كما وجد العلماء أيضًا خصائص مثل الطفو المغناطيسي؛ حيث تطفو المواد الموصلة فوق المغناطيس إلى مالا نهاية. وقد استفاد المهندسون من تلك الخاصية في القطارات السريعة خلال رفع ثقل القطار كاملًا اعتمادًا على تلك الظاهرة.
كذلك، وجد العلماء ظاهرة التدفق الفائق؛ حيث تستطيع السوائل عند درجة الحرارة المنخفضة التدفق عكس الجاذبية.
وساهمت تلك الدراسات والاختبارات في اختراعات مفيدة جدًا للبشرية كأجهزة الرنين المغناطيسي والمفاعلات النووية الاندماجية. وأيضًا الموصلات الفائقة وغيرها.