لا مراء في أن كتاب “The Four Agreements” أحدث تأثيرًا عميقًا في حياة العديد من الأشخاص منذ صدوره، خاصة بعد أن استوحى المؤلف Don Miguel Ruiz أفكاره من رحلته الشخصية عقب حادث سيارة كاد يودي بحياته.
عاد Ruiz إلى جذوره الروحية تحت رعاية والدته؛ ما دفعه لاكتشاف حكمة “تولتك” القديمة، وهي فلسفة ترتكز على إلغاء الاعتقادات والتوقعات السلبية التي تؤدي إلى المعاناة. من هنا، وُلدت فكرة “The Four Agreements”، التي تُعد اليوم منهجًا حيويًا لتحقيق السعادة والحرية الشخصية.
ولا يزال كتاب “The Four Agreements”، الذي صدر منذ ما يقرب من ربع قرن تقريبًا، يُعد من أبرز الكتب في مجال التنمية الذاتية. وبالرغم من حجمه الصغير الذي لا يتجاوز 150 صفحة، فإنه تمكن من جذب مئات الآلاف من القراء على مدى سنوات عدة. ويعود ذلك إلى عمق محتواه وبساطته في نفس الوقت. فالقراء يجدون أنفسهم يعودون إليه مرارًا وتكرارًا، بحثًا عن الإلهام والحكمة التي يقدمها، والتي ترتكز على تحقيق التوازن الداخلي والسلام النفسي.
كتاب The Four Agreements
في جوهره، يقدم “The Four Agreements” خارطة طريق للعيش بحكمة وسلام. في هذا الكتاب، يعتمد Don Miguel Ruiz على هذه الاتفاقات الأربع كأساس لتحسين الحياة وتغيير النظرة إليها. من خلال الالتزام بالكلام بصدق، وتجنب أخذ الأمور بشكلٍ شخصي، والابتعاد عن الافتراضات المسبقة، وأخيرًا تقديم أفضل ما لديك في كل ما تقوم به. ويرى Ruiz أن هذه المبادئ الأربعة تشكل حجر الأساس لحياة مليئة بالسلام الداخلي والسعادة.
وعلى الرغم من بساطة هذه الاتفاقات، إلا أنها تحمل وزنًا كبيرًا وتأثيرًا عميقًا على من يلتزم بها. فكتاب “The Four Agreements” ليس مجرد صفحات عابرة، بل دعوة للناس لتحرير أنفسهم من قيود المجتمع والمعتقدات الشخصية التي تؤدي إلى المعاناة. من خلال هذا الكتاب يدعو Don Miguel Ruiz القراء إلى كسر هذه القيود واتخاذ قرارات واعية تؤدي إلى حياة أكثر حرية ورفاهية.
الاتفاقيات الأربع
يحدد المؤلف Don Miguel Ruiz أربع اتفاقات رئيسة لتحقيق حياة أكثر سعادة وسلامًا، من بينها الاتفاق الأول الذي يدعو إلى الصدق في الكلام. ويشدد Ruiz في كتابه على أهمية قول ما نعنيه ومعنى ما نقوله؛ حيث يعتبر الكلمات أدوات قوية يمكنها أن تخلق أو تدمر. كما يؤكد أيضًا ضرورة استخدام هذه الأدوات بحكمة لتعزيز العلاقات وتحقيق السعادة الشخصية.
1. كُن دقيقًا في كلامك
الالتزام بالصدق في الكلام لا يعني فقط قول الحقيقة، بل أيضًا اختيار الكلمات التي تعزز الشفاء والتواصل البنّاء. يقدم المؤلف Don Miguel Ruiz هذا المبدأ في كتابه “The Four Agreements” كأداة لتعزيز النزاهة الشخصية والعلاقات المهنية. فهو يشير إلى أن الكلمات، إن استخدمت بحكمة، يمكنها أن تغير مجرى الأمور وتسهم في بناء مجتمع قائم على التفهم والتسامح، بدلًا من الانتقادات السلبية التي تؤدي إلى إيذاء الآخرين.
وفي مجال العمل، خاصة في أماكن مثل: المكاتب التي تكون مليئة بالثرثرة والنقد، يصبح الصدق في الكلام أمرًا حيويًا. فمن السهل جدًا أن نجد أنفسنا في مواقف تتطلب التعامل مع الشائعات أو تحميل الآخرين المسؤولية بشكلٍ غير منصف. وفي هذا السياق، يشدد Ruiz على أن الحديث السلبي يضر بالبيئة المهنية؛ ما يؤدي إلى خلق حالة من التوتر وانعدام الثقة بين الأفراد.
-
تغيير ثقافة الكلام في بيئات العمل
منذ صدور كتاب “The Four Agreements”، اتفقت العديد من الفرق المهنية على وقف الحديث السلبي في أماكن العمل والتركيز على النزاهة والمساءلة. فالأخطاء، بدلًا من أن تكون شيئًا يجب تجنبه أو الخوف منه، تعد جزءًا من عملية النمو. وبلا شك تُعزز هذه الثقافة التعاون والإبداع؛ حيث يشعر الجميع بالحرية في تجربة الأمور دون خوف من الانتقادات المدمرة.
كما يشجع الكتاب الأفراد على التفكير في الطريقة التي يتحدثون بها مع أنفسهم، فالكلمات التي نختارها للتحدث مع أنفسنا عند الفشل أو مواجهة التحديات لها تأثير كبير على النتائج. وعندما نكون لطيفين مع أنفسنا ونعترف بأن الفشل جزء طبيعي من الحياة، فإننا نبني ثقة داخلية تجعلنا أقوى وأكثر مرونة.
2. لا تأخذ الأمور على محمل شخصي
يُعد الاتفاق الثاني من كتاب “The Four Agreements” واحدًا من أهم المبادئ التي تغير حياة الأفراد. في هذا الاتفاق، يشدد Ruiz على أهمية عدم أخذ الأمور على محمل شخصي؛ حيث إن معظم ما يقوله أو يفعله الآخرون لا يعكس حقيقة شخصيتك، بل يعكس تجاربهم ومشاعرهم الخاصة. بالطبع، هذه الفكرة قد تكون مفيدة للغاية في أماكن العمل؛ إذ يمكن أن تؤدي الضغوطات اليومية إلى مشاعر القلق والتوتر.
وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من القلق، فإن أخذ الأمور على محمل شخصي يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم وتفاقم المشكلات. وفي بعض الأحيان، قد يفسر الفريق المهني توتر القائد أو المدير على أنه استياء منهم، في حين أن الحقيقة هي أن التوتر قد يكون نابعًا من الضغوطات الخارجية وليس نتيجة لسوء أداء الفريق.
-
العلاقات المهنية الصحية
صحيح، الأشخاص الذين يدركون هذا المبدأ جيدًا، أي عدم أخذ الأمور بشكل شخصي، هم غالبًا من يبنون علاقات مهنية قوية ومستقرة. فهم يدركون أن التعبير عن التوتر أو الغضب في مكان العمل لا يعني بالضرورة انتقادًا شخصيًا. بل يتعلق بالمواقف والتحديات التي يواجهها الفريق ككل. وبالتأكيد، يعزز هذا الفهم العميق العلاقات بين الأفراد ويساعدهم على نحو كبير لعمل متناغم لتحقيق أهداف مشتركة.
ولعل الأمثلة على ذلك واضحة في فرق العمل التي تتميز بالمرونة والقدرة على التعامل مع التوترات اليومية دون أن تتأثر علاقاتها الشخصية. على سبيل المثال، فريق عمل الشركة التي كان بعمل بها Ruiz في السابق، قام برحلة ناجحة إلى باريس وهو ما يُعد دليلًا واضحًا على الترابط العميق الذي نشأ بينهم نتيجة تطبيق هذه الاتفاقات في حياتهم المهنية.
3. لا تصنع افتراضات
لاشك أن الالتزام بعدم صنع الافتراضات من أصعب المبادئ التي يدعو إليها Don Miguel Ruiz. ولكنه في الوقت ذاته الأكثر تأثيرًا. كبشر، نحن مبرمجون لنعمل بناءً على افتراضات سريعة من أجل حماية أنفسنا واتخاذ قرارات سريعة. ولكن هذه الافتراضات قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها وتسبب التوتر في العلاقات.
على سبيل المثال، قد يحدث سوء تفاهم بسيط بين الأزواج بسبب افتراضات غير دقيقة. تحكي إحدى السيدات عن حادثة وقعت بينها وبين زوجها؛ حيث كانت تتجهز لتصوير مهم واضطرت إلى تحضير القهوة في وقت أبكر من المعتاد. ظن زوجها خطأ أنها تحاول احتكار القهوة لنفسها ولم يسأل عن السبب الحقيقي. ما أدى إلى شجار غير ضروري. هذا المثال يعكس كيف يمكن للافتراضات الخاطئة أن تؤدي إلى توتر العلاقات.
-
تجنب الافتراضات في بيئة العمل
في العمل، يمكن أن تكون الافتراضات سببًا قويًا في سوء الفهم وتراجع الإنتاجية. وغالبًا ما يفترض القادة أن أعضاء فريقهم قد فهموا المهام الموكلة إليهم بشكلٍ كامل، دون متابعة أو التأكد من ذلك. هذه الافتراضات قد تؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل.
ولذلك، ينصح Ruiz بالتأكد من فهم الفريق للمهام بشكلٍ دقيق من خلال مراقبة الأداء الفعلي؛ ما يوفر الوقت والجهد ويقلل من التوتر في بيئة العمل.
وعند الشعور بالاستياء أو التوتر، من المهم أن يتساءل الشخص عما إذا كانت مشاعره مبنية على الواقع أو مجرد افتراضات شخصية. وبالطبع طلب الوضوح من الأشخاص المعنيين هو الحل الأمثل؛ لتجنب سوء الفهم. هذه الاستراتيجية البسيطة يمكن أن تحل الكثير من المشكلات سواء في العلاقات الشخصية أو المهنية.
4. افعل دائمًا أفضل ما لديك
يقدم Don Miguel Ruiz في الاتفاق الرابع نصيحة تبدو بسيطة، لكنها معقدة في التطبيق. يدعو هذا الاتفاق إلى بذل قصارى الجهد في كل ما تفعله. لكنه يعترف في الوقت نفسه أن مستوى الأداء قد يختلف من يوم لآخر بناءً على الظروف الشخصية والصحية. كما يكمن التحدي في التوازن بين السعي لتحقيق أفضل النتائج والاعتراف بأن القدرة على الأداء المثالي ليست ثابتة يوميًا.
وفي حياتنا اليومية، هناك ضغط مستمر لتحقيق الإنتاجية المثلى في كل وقت، وهذا يؤثر سلبًا على صحتنا النفسية والجسدية. في هذا الصدد يشدد Ruiz على أن “أفضل ما لديك” قد يختلف من يوم لآخر. ويجب علينا تقبل هذا التغير الطبيعي دون الشعور بالذنب أو الحكم على أنفسنا بقسوة.
-
تحقيق التوازن بين الجهد والرضا
وبالرغم من تقبل هذا التغير اليومي في الأداء، ينبغي الحذر من الوقوع في فخ اللامبالاة أو التهاون. وبالتأكيد، عدم بذل الجهد المطلوب في المجالات المهمة قد يؤدي إلى شعور بالذنب والإحباط الذاتي. خاصة عندما ندرك أننا لم نكن نتصرف بأفضل صورة ممكنة؛ لذا، من المهم أن نحافظ على الالتزام ببذل أقصى جهد ممكن كل يوم. حتى في الأيام التي نشعر فيها بالإجهاد أو الإحباط.
وبالطبع، يتطلب تحقيق التوازن بين الأداء العالي والراحة النفسية جهدًا مستمرًا. ويؤكد Ruiz أن السعي الدائم لبذل أفضل ما لدينا هو الطريق لتحقيق السعادة والرضا المهني. هذا الالتزام ببذل الجهد سيساعدنا على الاستمتاع بما نقوم به. حتى في أصعب الأوقات، وسيجلب لنا الفرح الذي نحتاجه في حياتنا اليومية.
في النهاية، يقدم كتاب “The Four Agreements” منهجًا عمليًا لتحقيق حياة أكثر سعادة وسلامًا. من خلال التركيز على أربعة مبادئ أساسية هي الصدق، وعدم أخذ الأمور على محمل شخصي، وتجنب الافتراضات، وبذل أقصى جهد، يوفر الكتاب للقارئ أدوات قوية لتغيير نمط تفكيره وسلوكه.