يشهد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تحولات اقتصادية غير مسبوقة – صفقات الدمج والاستحواذ ليست استثناءً – بات عنصرها الحيوي في رسم ملامحها صفقات الدمج والاستحواذ.
ففي ظل التنافسية المتزايدة على المستوى العالمي، تسعى الشركات الخليجية إلى تعزيز مكانتها ومدى تأثيرها من خلال هذه الصفقات التي تتيح لها تحقيق نمو أسرع والوصول إلى أسواق جديدة. كما أن هذه الصفقات تسهم بشكلٍ كبيرٍ في تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاقتصاد الوطني لدول المجلس.
مجلس التعاون الخليجي
إن مجلس التعاون الخليجي، بهذا التكامل الاقتصادي الذي يجمع بين دوله، يوفر بيئة خصبة لنمو الشركات وتوسعها.
فالشركات الخليجية، بدعم من الحكومات الرشيدة والاقتصاديات القوية، تسعى جاهدة إلى تعزيز مكانتها التنافسية من خلال الدخول في شراكات استراتيجية والاندماج مع كبرى الشركات العالمية. هذه الصفقات ليست مجرد عمليات اندماج عادية، بل استثمارات في بناء اقتصادات متنوعة ومستدامة.
وليس أدل على ذلك من حجم الصفقات التي تشهدها المنطقة، التي تتجاوز بكثير حدود القطاعات التقليدية لتشمل قطاعات حيوية. مثل: التكنولوجيا والطاقة المتجددة والبنية التحتية.
فالشركات الخليجية، واعية بأهمية التحول الرقمي، تستثمر بكثافة في الشركات الناشئة والتكنولوجيات الحديثة، سعيًا لبناء اقتصادات قائمة على المعرفة والابتكار. كل هذه التحولات الجذرية التي تشهدها المنطقة، تدفع عجلة النمو الاقتصادي وتخلق فرص عمل جديدة للشباب.
أنشطة الدمج والاستحواذ في “التعاون الخليجي”
تشير أحدث البيانات إلى تباطؤ ملحوظ في وتيرة صفقات الدمج والاستحواذ بدول مجلس التعاون الخليجي، خلال الربع الأول من العام الجاري؛ حيث سجلت 48 صفقة فقط، بانخفاض نسبته 13% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
ورغم هذا التراجع العام، حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة، على موقعها كأكثر الدول نشاطًا في هذا المجال، بإبرامها 21 صفقة، تلتها المملكة العربية السعودية بـ 20 صفقة.
كما أظهرت البيانات أن جميع الأسواق الأخرى في المنطقة شهدت استقرارًا أو تراجعًا في أنشطة الدمج والاستحواذ، باستثناء المملكة.
ويرجع هذا التباطؤ إلى مجموعة من العوامل، من بينها التحديات الاقتصادية العالمية، والتغيرات في السياسات الحكومية، فضلًا عن زيادة حذر المستثمرين.
صفقات بارزة
علاوة على ذلك، سلط تقرير صادر عن إدارة الخدمات المصرفية الاستثمارية في شركة المركز المالي الكويتي الضوء على أبرز الصفقات التي تمت خلال هذه المدة. فقد تصدرت شركة “بروكفيلد” لإدارة الأصول المحدودة قائمة أكبر الصفقات بقيمة ملياري دولار؛ حيث تدرس الاستحواذ على حصة الأغلبية في شركة جيمس للتعليم الإماراتية.
كذلك، سجلت شركة “ليونديل باسل” للصناعات القابضة ثاني أكبر صفقة، من خلال توقيع اتفاقية للاستحواذ على حصة 35% في الشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية من شركة اللجين السعودية بقيمة 498.2 مليون دولار.
وفي صفقة أخرى بارزة في مجلس التعاون الخليجي، قدمت المؤسسة الوطنية للسياحة والفنادق عرضًا لشركة “ألفا ظبي” القابضة للاستحواذ على 100% من ثلاث شركات تابعة لها بقيمة إجمالية قدرها 248.8 مليون دولار.
من ناحية أخرى، واصلت شركة فيرفاكس “بربادوس” الدولية توسيع حضورها في المنطقة؛ حيث أصدرت عرض مناقصة إلزامي للاستحواذ على نسبة 10% المتبقية من أسهم مجموعة الخليج للتأمين بقيمة 179.2 مليون دولار.
بينما تحرص شركة الخليج للاستثمار الإسلامي إلى تعزيز حضورها في قطاع الرعاية الصحية بالمملكة العربية السعودية. من خلال الاستحواذ على حصة الأغلبية في شركة العبير الطبية مقابل 159.8 مليون دولار.
تحليل وتوقعات
وتشير هذه الصفقات إلى استمرار اهتمام المستثمرين بفرص الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن التباطؤ العام بأنشطة الدمج والاستحواذ يطرح تساؤلات حول مستقبل هذه السوق. فمن المتوقع أن تستمر التحديات الاقتصادية العالمية في التأثير على قرارات الاستثمار في المدى القريب.
على سبيل المثال، قد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة التضخم إلى تقليل شهية المستثمرين للمخاطرة. ومع ذلك، فإن القطاعات الواعدة مثل: الرعاية الصحية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة من المتوقع أن تستمر في جذب الاستثمارات.
هيمنة المستثمرين الخليجيين
كما هو متوقع، احتفظ المستثمرون الخليجيون بهيمنتهم على صفقات الدمج والاستحواذ في مجلس التعاون الخليجي خلال الربع الأول من عام 2024؛ بنسبة 65% من إجمالي الصفقات. علاوة على ذلك، ركز هؤلاء المستثمرون على الشركات المحلية والإقليمية، مع تفضيل واضح للأسواق المحلية.
من ناحية أخرى، شهدنا زيادة طفيفة في عدد الصفقات العابرة للحدود التي أبرمها المستثمرون الخليجيون؛ ما يدل على تزايد طموحاتهم الاستثمارية خارج حدود دولهم. وبصورة خاصة، برزت الإمارات العربية المتحدة، كمركز رئيس للنشاط الاستثماري العابر للحدود في المنطقة.
ارتفاع اهتمام المستثمرين الأجانب
ويهيمن المستثمرون الخليجيون على المشهد، إلا أننا نلاحظ ارتفاعًا ملحوظًا في اهتمام المستثمرين الأجانب بأسواق الخليج. فقد زاد عدد الصفقات التي أبرمها هؤلاء المستثمرون 23% مقارنة بالربع السابق.
كذلك، استمرت الإمارات العربية المتحدة في جذب أكبر حصة من الاستثمارات الأجنبية. ما يؤكد مكانتها كوجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة.
تنوع القطاعات المستهدفة
من جهة أخرى، لم تقتصر صفقات الدمج والاستحواذ على قطاع معين، بل شملت مجموعة واسعة من القطاعات. ولكن، برزت قطاعات السلع الاستهلاكية والصناعات وتقنية المعلومات كأكثر القطاعات نشاطًا.
هذا التنوع في القطاعات المستهدفة يعكس الثقة المتزايدة في آفاق النمو الاقتصادي في المنطقة. كما يسهم في تعزيز التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط.
صفقات معلنة قيد التنفيذ
بلغ إجمالي عدد الصفقات المعلنة قيد التنفيذ في مجلس التعاون الخليجي بحلول نهاية الربع الأول من العام الجاري 33 صفقة، مقارنة بـ 22 صفقة في الربع الأول من عام 2023.
وتبرز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كأكبر سوقين للصفقات في المنطقة؛ حيث استحوذت كل منهما على حصة كبيرة بلغت 39% من إجمالي عدد الصفقات المعلنة. كما تأتي الكويت والبحرين وعُمان في المراتب التالية بنسب 12% و6% و3% على التوالي.
وعلى الرغم من تراجع النشاط في سوقي الكويت وعُمان مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي. إلا أن الأسواق الأخرى شهدت زيادة ملحوظة في عدد الصفقات المعلنة.
ومن الجدير بالذكر أن قطر لم تسجل أي صفقات معلنة قيد التنفيذ خلال الفترتين المذكورتين.
وتظهر هذه النتائج التطورات الإيجابية التي تشهدها اقتصادات دول الخليج العربي. والتي تدعمها عوامل عدة من أهمها: ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الاستثمارات الحكومية في مختلف القطاعات. وارتفاع معدلات الإنفاق الاستهلاكي.
ويرى الخبراء الاقتصاديون، أن هذه الزيادة في عدد الصفقات المعلنة تعكس ثقة المستثمرين في آفاق النمو الاقتصادي بالمنطقة. كما تشير إلى وجود فرص استثمارية واعدة في مختلف القطاعات.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه الإيجابي الفترة المقبلة. مع استمرار تحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية، وزيادة الجهود الحكومية لتنويع مصادر الدخل، ودعم القطاع الخاص.