يواجه رواد الأعمال في بداية مسيرتهم تحديًا كبيرًا في إدارة نفقاتهم؛ حيث يُصبح التمييز بين المشتريات الضرورية وغير الضرورية مهمة صعبة، وبينما يُردد البعض مقولة “يجب أن تنفق المال لتكسب المال” إلا أن هذا التوجه قد يتعارض مع نهج إدارة الأموال الشخصية المُعتمد قبل تأسيس العمل.
تكمن الصعوبة في إيجاد التوازن بين الإنفاق الكافي لضمان نجاح العمل دون الوقوع في فخ الديون؛ ونتيجة لذلك يُقدم رواد الأعمال الأثرياء حلولًا مقترحة بتخصيص نسبة معينة من الإيرادات للنفقات، مثل 30%، إلا أن هذه النسبة قد لا تُناسب الأعمال الناشئة التي لا تجني إيرادات كافية.
لذلك ينصح بتقييم الإيرادات المتوقعة للعمل عند وصوله إلى مستوى التشغيل الطبيعي، وتخصيص 30% من هذا الرقم كميزانية للنفقات.
لكن قد تواجه الأعمال الناشئة ذات الإمكانيات المحدودة صعوبة في تطبيق هذه الطريقة، ففي هذه الحالة يصبح من الضروري تحديد الأولويات بدقة، والتركيز على النفقات الأساسية لضمان استمرارية العمل.
إفلاس الأعمال
تُشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى ازدياد حالات إفلاس الشركات؛ حيث شهد عام 2023 وحده 3062 قضية إفلاس؛ ما يمثل استمرارًا لنمط تصاعدي مقلق، ففي ظل بيئة الأعمال التنافسية تواجه الشركات صعوبة في البقاء على قيد الحياة؛ إذ تفشل ما بين 4% و25% من الشركات في السنة الأولى من عملياتها.
وبينما من المفهوم أن الشركات الناشئة تتطلب جهدًا مضاعفًا للبقاء إلا أن العمل الجاد وحده لا يكفي؛ لذا تصبح الحاجة ملحة إلى تبني نهج استراتيجي منظم لضمان استدامة الأعمال على المدى الطويل.
وبلا شك تتطلب هذه المهمة إنشاء نظام متكامل يهدف إلى تحسين كفاءة العمليات، وتعزيز الإيرادات، والحد من المخاطر، وتطوير ميزات تنافسية قوية.
ودون اتخاذ خطوات حاسمة في هذا الاتجاه ستظل الشركات عرضة لخطر الإفلاس؛ ما يهدد فرص النمو والازدهار في مختلف القطاعات الاقتصادية.
عوامل رئيسية تؤدي إلى السقوط
عادة ما يواجه رواد الأعمال تحديات جمة، ونرى العديد من الشركات الناشئة تعلن إفلاسها سنويًا، وربما تعود هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل المتداخلة؛ أبرزها:
-
نقص رأس المال
يعد رأس المال عصب العمل، ونقصه يشكل خطرًا كبيرًا على استمرارية أي مشروع، فعندما تبدأ الشركة بأموال غير كافية لا يمكنها الوفاء بالتزاماتها؛ ما قد يؤدي إلى توقف العمليات التجارية والإغلاق النهائي.
-
قلة الابتكار
في عالم تتسارع فيه التطورات تصبح الشركات التي تهمل الابتكار عرضة للفشل، فالمستهلكون يطالبون بمنتجات وخدمات تسهل حياتهم، والشركات التي لا تواكب هذه التغيرات وتقدم حلولًا جديدة تصبح مهددة بالخروج من السوق.
-
الاعتماد على أشخاص غير مؤهلين
يمثل اختيار الموظفين المناسبين حجر الزاوية في نجاح أي شركة؛ فالموظفون الأكفاء هم القوة الدافعة للنمو والتقدم.
وعندما توظف الشركة أشخاصًا غير مؤهلين أو غير منخرطين في العمل ربما يسبب ذلك انخفاض الإنتاجية، وتراجع جودة الخدمات، وبالتالي خسائر مالية تهدد استمرارية الشركة.
-
سوء إدارة الأموال
قد لا يخفى على أحدٍ منا أن سوء إدارة الأموال من أخطر الأسباب التي تؤدي إلى إفلاس الشركات الناشئة، فالإنفاق غير المخطط له، والسياسات المالية غير المنظمة، والاختلاس، كلها عوامل تساهم بشكلٍ كبيؤ في استنزاف الأموال وتعرض الشركة لخطر الإفلاس.
-
التحمل المفرط بالديون
يمكن أن يشكل الاقتراض المفرط عبئًا كبيرًا على كاهل الشركات، فعندما تلجأ الشركة إلى الاقتراض بشكل مبالغ فيه دون تقييم قدرتها على السداد تصبح مهددة بفوائد الديون المتراكمة، وهذا يؤدي إلى إفلاسها إن لم تتمكن من تحقيق إيرادات كافية لتغطية التزاماتها.
إن تجنب هذه الأخطاء يتطلب تخطيطًا دقيقًا، وإدارة مالية رشيدة، واختيارًا حكيمًا للموظفين، وابتكارًا مستمرًا، وعندما تطبق الشركات هذه المبادئ تقلل بشكل كبير من مخاطر الفشل وتعزز فرصها في تحقيق النجاح والاستدامة على المدى الطويل.
خطوات تجنب الإفلاس:
يمثل الإفلاس كابوسًا يهدد رواد الأعمال المبتدئين، سواء كانوا يديرون شركة صغيرة أو شركة ضخمة؛ لذلك ينصب تركيزهم على اتخاذ خطوات استباقية لمنع حدوثه، وهذه مجموعة من النصائح العملية لتجنب الإفلاس:
-
الاستعانة بموظفين أكفاء
لا يعد مجرد توظيف أشخاص لمساعدة صاحب العمل كافيًا، بل يجب الحرص على اختيار موظفين أكفاء قادرين على تحقيق النمو والارتقاء بمستوى العمل.
فوجود فريق عمل ذي كفاءة يساهم في تقليل مخاطر العمل وتحسين العمليات التجارية بشكل ملحوظ.
-
مراجعة النفقات
من الضروري مراجعة النفقات بشكلٍ دوري وتحديد غير الضرورية التي لا تضيف قيمة إلى الشركة، وتشمل هذه النفقات: “اشتراكات الموسيقى، وتناول الغداء في الخارج، عضوية الجيم”، وهي غير مهمة للعمليات التشغيلية للشركة، ويجب وقفها تمامًا على الأقل في فترة التشغيل الأولى.
-
بيع الأصول غير المستغلة
لا شك أن بيع الأصول غير المستخدمة منذ فترة طويلة خطوة ذكية لتحسين السيولة المالية للشركة، ويمكن استخدام العائد من البيع لسداد الديون أو تمويل مشاريع جديدة تُعزز من الربحية.
-
إعطاء الأولوية لسداد الديون
يجب الحرص على الوفاء بالتزامات الديون في الوقت المحدد؛ للحفاظ على الثقة مع الدائنين، ويمكن اللجوء إلى خدمات خفض الديون الوطنية للحصول على المساعدة في هذا المجال.
-
إعادة هيكلة الديون
في حالة لو واجهت الشركة صعوبة في سداد ديونها تستطيع اللجوء إلى إعادة هيكلتها من خلال استشارة متخصصين.
وتشمل إعادة الهيكلة تغيير شروط الديون لتسهيل عملية السداد، مثل: تمديد فترة السداد أو إعادة هيكلة المبلغ الرئيسي.
-
تجنب الإفلاس قدر الإمكان
ينبغي على رواد الأعمال بذل كل جهد ممكن لإنقاذ الشركة الناشئة قبل اللجوء إلى إعلان الإفلاس كملجأ أخير؛ وذلك من خلال اتباع خطط منظمة، والعمل الجاد، والاستعانة بخبراء مختصين.
في نهاية هذا الطرح يمكن القول إن تجنب الإفلاس يتطلب التزامًا صارمًا بمبادئ الإدارة السليمة، ووعيًا بمتطلبات السوق، واتخاذ قرارات حكيمة تعزز استمرارية عملك وازدهاره على المدى الطويل.