ليس مفاجئًا أن تحظى سياحة التأمل بهذا الانتشار في الوقت الحالي؛ لا سيما في عصر القلق المعمم الذي نحيا في كنفه. والحق أن التأمل كممارسة قديم جدًا؛ إذ هو إحدى الممارسات الأصيلة في الروحانيات الشرقية بوجه عام.
وربما ينظر البعض إلى سياحة التأمل على أنها نوع من الهروب، طالما أنها تدفع الإنسان إلى الهرب من كل ما يقلقه ويفزعه، إلى بعض المناطق والأمكنة التي من شأنها أن تعينه على التقاط أنفاسه.
والحق أن سياحة التأمل هي فترة مؤقتة، فأنت لا تهرب من مشاغلك طيلة حياتك، وإنما لبضعة أيام فقط، ومن ثم يمسي الاعتراض السابق عليها في غير محله.
أضف إلى ذلك أن للتأمل العديد من الفوائد الإيجابية والمميزات؛ فهو يعمل على تصفية الذهن، واستعادة الجسم حيويته ونشاطه، ناهيك عن أنه يبعث على السرور والهدوء، فضلًا عن تنشيط الفكر والإبداع.
وعلاوة على ما فات تشير بعض الدراسات إلى أن التأمل يُسهم في التغلب على مشاعر الاكتئاب، والقلق، ويعمل على تقليل التوتر، والتقليل من اضطرابات النوم، بل تخفيف الآلام المزمنة في بعض الحالات.
اقرأ أيضًا: اليونان.. أجمل الوجهات السياحية الأوروبية
ما هي سياحة التأمل؟
سياحة التأمل هي منتج سياحي حديث نسبيًا، وقد بدأ التسويق له على المستوى العربي خلال عام 2014 في الأردن، وفي البحر الميت تحديدًا.
وتُعتبر سياحة التأمل من أرقى أنواع السياحة العالمية، وهي ذات متطلبات (مكانية) دقيقة، كما أنها تُعد من فئة السياحة النخبوية؛ أي التي تقتصر إلى حد كبير على فئات مجتمعية معينة.
وعلى المستوى العالمي تشتهر بها دول شرق آسيا والهند، إضافة إلى العديد من الدوّل حول العالم، ولا شك أن العالم العربي سيكون مكانًا خصبًا لسياحة التأمل؛ نظرًا لعراقة أمكنته التاريخية، وتوفره على الكثير من المناطق الهادئة، والتي تساعد في التأمل، ناهيك عن البُعد التاريخي لكثير من هذه البقاع.
اقرأ أيضًا: الخطوط السعودية والاتحاد للطيران تعززان شراكتهما عبر اتفاقية تبادلية
خصائص مكانية
ويشترط لإنجاح سياحة التأمل وجود بعض المتخصصين والخبراء في هذا المجال؛ لاختيار أماكن الفعاليات المناسبة؛ حتى تؤتي هذه التجربة ثمارها المرجوة.
ويشترط في الأماكن التي تُمارس فيها سياحة التأمل أن تكون هادئة، بعيدة عن جو الصخب والضوضاء، وأن تعمل على حفز الإبداع، وإلهاب الفكر والخيال.
فليس منطقيًا أن تذهب إلى مكان مكتظ بالسكان، مفعم بالضوضاء، لا فرصة فيه للتأمل ولا حتى لالتقاط الأنفاس ثم ترجو، بعد هذا كله، أن تُحل مشاكلك من خلال هذا التأمل.
فمن الواجب عليك أن تدقق في اختيار المكان؛ فعليه جزء كبير من إنجاح المهمة، والوصول إلى الهدف المنشود.
اقرأ أيضًا: بعد قرار رفع تعليق السفر.. أهم 4 وجهات سياحية عربية
آفاق عربية واستشرافات مستقبلية
مرّ معنا أن العالم العربي، خاصة تلك الدول التي تنطوي على بُعد تاريخي وتراثي واضح، مهيأ تمامًا للدخول إلى مجال سياحة التأمل، وتحقيق نجاحات كبرى فيه.
وقد رأينا الأردن، ومن ورائها مصر والمملكة العربية السعودية تقطع أشواطًا لا بأس بها في هذا المجال، وتشق دربًا جديدة في مجال سياحي وليد.
أما من الناحية المالية والاقتصادية فالمؤكد أن سياحة التأمل ستحظى بإقبال كثيف وواسع، فما أكثر القلقين في عالمنا المعاصر بشكل عام.
وإذا كان إنسان العصر الحديث قلقًا، متوترًا، خاضع للكثير من الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية، فما من شك أنه سيجد في سياحة التأمل ضالته. هذا معناه أن الإقبال/ الطلب على هذا النمط من السياحة سيكون كثيفًا وعاليًا.
صحيح أن الفئة التي يحتمل أن تخوض غمار هذه التجربة التأملية لن تكون كبيرة العدد كغيرها من أنواع السياحة المنتشرة الأخرى؛ فسياحة التأمل تتطلب قدرًا لا بأس به من الإنفاق، غير أن المؤكد أن هذه الأعداد لن تكون قليلة.
فضلًا عن أن انتباه المنظمات والهيئات السياحية إلى أهمية سياحة التأمل سيقودها إلى تصميم برامج من شأنها التيسير على من يرغب في خوض المغامرة، أو تجربة هذا المجال السياحي الجديد.
اقرأ أيضًا:
المدن الزراعية في السعودية.. تحولات الرؤية وتغيرات النسق
الخطوط السعودية تحدد شروط السفر إلى خارج المملكة
رئاسة شؤون الحرمين توثق الحجر الأسود بتقنية حديثة