تحدد يوم العمل المكون من ثماني ساعات خلال الثورة الصناعية في محاولة لتقليص عدد ساعات العمل اليدوي التي كان العمال يضطرون إلى تحملها في المصانع.
وكان هذا الإنجاز بمثابة نهج أكثر إنسانية مقارنة بما يقارب قرنين من الزمن مضيا من عملهم بضعف تلك الساعات، ومع ذلك فإن منهج عدد ساعات العمل الحالي يعد قديمًا وغير فعال.
من المتوقع أن نظل نعمل طيلة الثماني ساعات الطويلة والمتواصلة في اليوم كما كان يفعل أجدادنا، مع فترات راحة قليلة أو تكاد تكون معدومة، حتى إن معظم الأشخاص يعملون خلال الدقائق المعدودة لتناول الغداء.
ولا شك أن هذا النهج العتيق في العمل لا يساعدنا على الإطلاق؛ لذا علينا أن نتخلص من آثار عدد ساعات يوم العمل الراهن الذي أصبح منهجًا دون جدوى وعفا عليه الدهر، ونحاول اتباع نهج جديد أكثر إنتاجية.
أجرت مجموعة Draugiem، وهي شركة تكنولوجية معلوماتية مقرها لاتفيا، مؤخرًا، دراسة لاستكشاف أفضل طريقة لتنظيم يوم العمل عبر تطبيق كمبيوتر لتتبع عادات عمل الموظفين، وقاس التطبيق مقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص في مهام مختلفة ومقارنته بمستويات إنتاجيتهم.
توصلت المجموعة أثناء عملية قياس نشاط الأفراد إلى نتيجة رائعة؛ وهي أنه لم تكن لطول يوم العمل أي أهمية كبيرة.
ولكن كل ما يهم هو كيف ينظم هؤلاء الأشخاص يومهم، وكشفت الدراسة عن أن الأشخاص الذين يأخذون فترات راحة قصيرة هم الأكثر إنتاجية بكثير عن أولئك الذين كانوا يعملون لساعات أطول.
وكانت النسبة المثالية بين العمل والاستراحة هي 52 دقيقة من العمل، تليها 17 دقيقة من الراحة، وكان لدى الأشخاص الذين حافظوا على هذا الجدول الزمني مستوى فريد من التركيز في عملهم، وكانوا ملتزمين بنسبة 100% بالمهمة التي يتعين عليهم إنجازها ولمدة ساعة متواصلة تقريبًا في المرة الواحدة.
كما أظهرت الدراسة أن نفس فئة الأشخاص لم يفحصوا الفيسبوك، ولم يتشتتوا أيضًا برسائل البريد الإلكتروني، وكانوا يأخذون بعد حوالي ساعة من العمل المتواصل -كلما شعروا بالإرهاق- فترات راحة قصيرة ينفصلون خلالها تمامًا عن عملهم، وساعدهم ذلك في العودة إلى نشاطهم مجددًا لساعة عمل مثمرة أخرى.
العقل البشري يريد 60 دقيقة من العمل و15 دقيقة راحة
تمكن الأشخاص الذين اكتشفوا نسبة الإنتاجية السحرية هذه من سحق منافسيهم؛ لأنهم كانوا يستفيدون من حاجة أساسية للعقل البشري ومفادها أنه يعمل بشكل طبيعي لنحو ساعة متتالية وسط طفرات من الطاقة العالية، يليها من 15 إلى 20 دقيقة في طفرات من الطاقة المنخفضة.
في حين أن هذا المد والجزر الطبيعي للطاقة بالنسبة لمعظمنا يتركنا مترددين بين فترات التركيز ذات الطاقة العالية التي تليها فترات إنتاجية أقل بكثير، وعندما نتعب نستسلم للمشتتات.
ومع ذلك تعد أفضل الطرق للتغلب على الإرهاق والانحرافات المحبطة هي تقسيم يوم عملك، فبدلًا من العمل لمدة ساعة أو أكثر، ثم محاولة التغلب على عوامل التشتيت والإرهاق، فعندما تشعر بأن إنتاجيتك بدأت في الانخفاض فذلك علامة على أن الوقت حان للاستراحة.
ومن الأسهل أيضًا أخذ فترات راحة حقيقية عندما نعلم أنها ستجعل يومنا أكثر إنتاجية، ولكن معظمنا غالبًا ما يدع التعب ينتصر؛ لأننا نواصل العمل من خلاله بعد فترة طويلة من فقدان الطاقة والتركيز؛ لذا فإن فترات الراحة التي نأخذها والتي نفحص خلالها البريد الإلكتروني ونشاهد اليوتيوب ليست فترات راحة حقيقية؛ فتلك المشتتات لا تعيد شحنتنا بالطريقة نفسها التي قد يفعلها المشي.
تولي مسؤولية يوم عملك
قد يكون يوم العمل المكون من ثماني ساعات مفيدًا لك إذا قسمت وقتك إلى فترات زمنية استراتيجية، وبمجرد مواءمة طاقتك الطبيعية مع مجهودك تبدأ الأمور في السير بسلاسة أكبر، وفيما يلي أربع نصائح ستجعلك تصل إلى هذا الإيقاع المثالي وهي كالآتي:
1- قسّم يومك إلى فترات زمنية
نحن نخطط بطبيعة الحال لما يتعين علينا إنجازه بحلول نهاية اليوم، أو الأسبوع، أو الشهر، ولكننا نكون أكثر فاعلية عندما نركز على ما يمكننا تحقيقه في الوقت الراهن؛ ما يجعلنا بالفعل نتبع الإيقاع الصحيح.
وفي حين يمكن أن يبسط تخطيط يومك على فترات زمنية مدتها ساعة المهام الشاقة؛ عن طريق تقسيمها إلى أجزاء يمكن التحكم فيها، لكن إذا كنت حرفيًا يمكنك التخطيط ليومك على فترات زمنية مدتها 52 دقيقة إذا أردت.
2- احترم ساعتك
إن استراتيجية الفترات الزمنية لا تنجح إلا إذا استخدمنا مستويات الطاقة القصوى لدينا للوصول إلى مستوى عالٍ جدًا من التركيز لفترة قصيرة نسبيًا من الوقت، وعندما لا تحترم ساعتك وتفصلها بإرسال رسائل نصية، أو التحقق من رسائل البريد الإلكتروني، أو فحص سريع على فيسبوك فإنك تبطل الغرض الكامل من هذا النهج.
3- خذ راحة حقيقية
أظهرت نتائج الدراسة التي أجرتها Draugiem أن الموظفين الذين حصلوا على فترات راحة متكررة أكثر من الحد الأمثل في الساعة كانوا هم الأكثر إنتاجية من أولئك الذين لم يحصلوا على راحة مطلقًا.
وبالمثل فإن أولئك الذين أخذوا فترات راحة للاسترخاء بشكل متعمد كانوا أفضل حالًا من الذين واجهوا صعوبة في فصل أنفسهم عن عملهم خلال فترة الراحة.
وأكدت الدراسة أن الابتعاد عن جهاز الكمبيوتر، والهاتف، وقائمة المهام الخاصة بك أمرًا ضروريًا لتعزيز إنتاجيتك، وأن فترات الراحة التي يتخللها المشي، والقراءة، والدردشة من أكثر أشكال إعادة شحن الطاقة بفعالية؛ لأنها تأخذك بعيدًا عن عملك.
وعلى الرغم من أنه قد يكون من المغري في يوم عمل مكدس بالمزيد من المهام التفكير في التعامل مع رسائل البريد الإلكتروني، أو إجراء المكالمات الهاتفية كفترات راحة، فعليك ألا تستسلم لمثل هذه الأفكار.
4- لا تنتظر حتى يخبرك جسدك بأخذ قسط من الراحة
إذا انتظرت حتى تشعر بالتعب لتأخذ قسطًا من الراحة يكون فات الأوان، وفاتتك بالفعل فرصة الوصول إلى ذروة الإنتاجية؛ حيث إن الالتزام بجدولك الزمني يضمن لك العمل عندما تكون في أعلى مستويات إنتاجيتك والاستراحة في الأوقات التي قد تكون غير منتج.
وتذكر أن الراحة لفترات قصيرة أكثر إنتاجية من الاستمرار في العمل عندما تكون متعبًا ومشتتًا.
خلاصة القول
إن تقسيم يومك إلى أجزاء من العمل والراحة التي تتناسب مع مستويات الطاقة الطبيعية لديك يمنحك شعورًا جيدًا، ويجعل يوم عملك يسير بشكل أسرع، ويعزز إنتاجيتك ويجعل ساعات عملك مثمرة.