لطالما شكّل عالم الحاسوب الأمريكي دينيس ريتشي شخصيةً بارزةً ومؤثرةً؛ إذ يُعد رائدًا في مجال تطوير لغات البرمجة وأنظمة التشغيل. وابتكر لغة البرمجة C الشهيرة، التي تعد من أكثر اللغات استخدامًا في العالم حتى يومنا هذا.
كما طور “ريتشي”؛ بالتعاون مع زميله كين تومسون؛ نظام التشغيل “يونكس”، الذي أحدث ثورةً في عالم الحوسبة.
دينيس ريتشي
علاوة على ذلك لم يقتصر إسهام “ريتشي” على لغة C و”يونكس” فقط، بل طور أيضًا لغة B، التي كانت بمثابة النواة الأولى للغة C. وحصل ريتشي وتومسون على العديد من الجوائز المرموقة تقديرًا لإسهاماتهما. منها جائزة تورنغ من جمعية آلات الحوسبة (ACM) عام 1983م. وميدالية ريتشارد هامنج من معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) عام 1990م. والميدالية الوطنية للتكنولوجيا من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 1999م.
من ناحية أخرى لم يقتصر دور ريتشي على الجانب التقني فحسب، بل كان له أيضًا دور قياديٌّ في مجال البحث والتطوير. فشغل منصب رئيس قسم أبحاث أنظمة البرمجيات في شركة Lucent Technologies؛ حيث قاد فريقًا من الباحثين والمهندسين لتطوير تقنيات جديدة في مجال الحوسبة.
واستمر في هذا المنصب حتى تقاعده عام 2007م. تاركًا وراءه إرثًا عظيمًا من الإنجازات التي ساهمت في تشكيل عالم الحوسبة كما نعرفه اليوم.

نشأة دينيس ريتشي
وُلد دينيس ريتشي يوم 9 سبتمبر 1941م، في برونكسفيل، نيويورك. وكان والده “أليستر إي. ريتشي” عالمًا في مختبرات بيل ومؤلفًا مشاركًا لكتاب “تصميم الدوائر التبديلية” الذي تناول نظرية الدوائر التبديلية. ما يشير إلى تأثره بوالده في مجال العلوم والتكنولوجيا.
وخلال طفولته انتقل مع عائلته إلى بلدة سامت، في نيو جيرسي؛ حيث تخرج في مدرسة Summit High School.
علاوة على ذلك تفوق ريتشي في دراسته، وحصل على شهادة في الفيزياء والرياضيات التطبيقية من جامعة هارفارد عام 1963م. وهو ما يؤكد شغفه بالعلوم الدقيقة وقدرته على التحليل والتفكير المنطقي. وفي حين أن تخصصه الجامعي كان في الفيزياء والرياضيات إلا أنه انجذب إلى عالم الحاسوب، الذي كان في ذلك الوقت مجالًا ناشئًا.
بداية المسيرة المهنية
في عام 1967م كانت بداية المسيرة المهنية لدينيس ريتشي في مركز أبحاث علوم الحاسوب التابع لمختبرات بيل؛ حيث انطلق في رحلة استثنائية بعالم الحاسوب.
وفي عام 1968م أتم “ريتشي” مسودة أطروحته للدكتوراه بعنوان “التعقيد الحسابي وهيكل البرنامج” في جامعة هارفارد تحت إشراف باتريك سي. فيشر. إلا أنه لم يحصل رسميًا على درجة الدكتوراه. وخلال عام 2020م عثر متحف تاريخ الحاسوب، بالتعاون مع عائلتي ريتشي وفيشر، على نسخة من الأطروحة المفقودة. ما أضاء جانبًا آخر من مسيرته العلمية.
التعاون مع كين تومسون ونظام يونكس
شهدت فترة الستينيات تعاونًا مثمرًا بين ريتشي وكين تومسون في مختبرات بيل؛ حيث عملا على نظام التشغيل Multics. وبعد ذلك اكتشف تومسون جهاز PDP-7 قديمًا، فبدأ في تطوير برامجه ونظام تشغيل جديد بمساعدة ريتشي وآخرين.
وفي عام 1970م اقترح بريان كيرنيغان اسم “يونكس” (Unix) كتورية لفظية على اسم Multics.
تطوير لغة C والمساهمة في يونكس
وفي سياق تطوير نظام التشغيل ابتكر تومسون لغة B، التي كانت بمثابة لغة برمجة على مستوى النظام لتعزيز لغة التجميع.
وفي وقت لاحق طور ريتشي لغة C التي حلت محل لغة B، وواصل إسهاماته في تطوير كل من يونكس وC لسنوات عديدة. ما جعلهما من أهم الأدوات في عالم الحاسوب.
مساهمات أخرى في علم الحاسوب
وخلال السبعينيات تعاون “ريتشي” مع جيمس ريدز وروبرت موريس في تنفيذ هجوم يعتمد على تحليل النص المشفر فقط لكسر تشفير آلة M-209 التابعة للجيش الأمريكي. ونجحوا في فك رسائل بطول 2000 إلى 2500 حرف، لكنهم قرروا عدم نشر نتائجهم بعد مناقشات مع وكالة الأمن القومي (NSA)؛ حيث أُبلغوا بأن المبدأ المستخدم لا يزال قابلًا للتطبيق على أنظمة تستخدم من قبل حكومات أجنبية.
فيما شارك ريتشي في تطوير أنظمة التشغيل Plan 9 وInferno. بالإضافة إلى لغة البرمجة Limbo. وهو ما يبرز تنوع مساهماته في مجال علم الحاسوب.
التقاعد والإرث
وفي منتصف التسعينيات نقل ريتشي إلى Lucent Technologies بعد إعادة هيكلة شركة AT&T. وظل هناك حتى تقاعده في عام 2007م كرئيس لقسم أبحاث أنظمة البرمجيات.
ترك دينيس ريتشي إرثًا عظيمًا في عالم الحاسوب؛ حيث ساهم في تطوير لغة C ونظام يونكس. وهما من الأدوات الأساسية التي لا تزال تستخدم على نطاق واسع حتى اليوم.

في النهاية قصة نجاح دينيس ريتشي، الذي بدأ مسيرته في عالم الحاسوب منذ نعومة أظافره، هي قصة ملهمة لكل شاب يطمح إلى تحقيق إنجازات عظيمة. فهو تمكن؛ بفضل شغفه وعمله الدؤوب، من ترك بصمة لا تمحى في تاريخ التكنولوجيا؛ إذ ساهم في تطوير لغة C ونظام يونكس، اللذين أحدثا ثورة في عالم الحوسبة.
كما أن إسهاماته الأخرى في مجال علم الحاسوب، مثل: تطوير لغة B والمشاركة في تطوير أنظمة التشغيل Plan 9 وInferno، تبرز مدى تنوع مواهبه وقدرته على الابتكار.