من المهم أن نتعمق في معرفة مفاهيم التنمية، ليس فقط لمزيد من الفهم، بل أيضًا لفض الاشتباك بين معناها ومغزاها، وبين ما تتشابه معه التنمية؛ مثل “النمو” أو “التحديث” أو “النهضة” أو “التطوير” وغيرها.
سبق أن أوضحنا أن النمو Growth هو معيار كمي Quantitative يأخذ به البنك الدولي وشركاه (مثل صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية (الدولية) للحكم على تقدم الدول وخاصة اقتصاديًا، وعادة ما يعبر عن نسبة مئوية لزيادة إجمالي الناتج أو الدخل القومي GDP & GNP، وقلما تهتم النسبة أو تحلل النمو في الصناعة أو الزراعة على حدة؛ لقياس التقدم في إنتاج وإنتاجية الدول والمجتمعات.
و”النمو” مؤشر indicator يقيس نسبة زيادة إجمالي الدخل القومي GDP سنويًا، فإذا إجمالي الناتجها القومي لدولة ما 100 مليار دولار مثلًا، وارتفع العام التالي إلى 105 مليارات دولار، فيقال إن نسبة النمو 5%.
والوصفة التقليدية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لجميع الدول متوسطة الدخل وكثيفة السكان، أن تحقق نسبة نمو سنوي للدخل القومي لها لا يقل عن 7%، ولمدة عقد أو عقدين متتاليين؛ لتُصنف على أنها دولة متقدمة لا تعاني من البطالة أو من نسبة عالية للفقراء بين مواطنيها.
ومن الغريب أن منظمة العمل الدولية ILO ، قد حذرت في تقريرها السنوي عام 2005 من أن هناك نموًا لا يولِّد أية فرص عمل جديدة، يسمَّي Jobless Growth؛ أي نمو دون وظائف جديدة.
والأغرب أن هذا النوع من النمو هو السائد؛ لأن معظم الاستثمارات الجديدة الحديثة – التي تحقق نموًا – هي استثمارات كثيفة رأس المال Capital Intensive وليست كثيفة العمالة Labour Intensive، بدليل أن تكلفة توفير أو توليد فرص عمل قد ارتفعت من حوالي 10 آلاف دولار/ فرصة عمل ، إلى أكثر من 100 ألف دولار/ فرصة عمل في السنوات الأخيرة.
وعليه فإن الأخذ “بمؤشر النمو” كمعيار أساسي للتقدم، اختيار تكتنفه مخاطر؛ لأنه معيار كمي فقط أولًا، ولأنه لا يهتم بنوع وهيكل النمو القطاعي (أي نمو الصناعة والزراعة والسياحة والصحة والتعليم والتشييد والبترول والتعدين كل على حدة) ثانيًا، ولأن “النمو” لا يهتم عادة إلا بتراكم رأس المال Capital Accumulation ولا يهتم بتراكم رأس المال الاجتماعي Social Capital Accumulation ثالثًا، وأخيرًا لأن معيار النمو لا يهتم عادة بما يسمَّى بالعدل الاجتماعي أو توزيع عائدات النمو، توزيعًا عادلًا على السكان.
كذلك، يختلف التحديث Modernization عن التنمية، فهو عملية يتم بمقتضاها “رفع الشيء لمستوى زمنه”؛ أي المعاصرة ومجاراة الزمن والمتغيرات الآنية.
وللتطوير ثلاثة أشكال: أولها شكل التحديث، وثانيها أنه قفزة للأمام خلال فترة زمنية مستقبلية، وثالثها أنه قد يكون إضافة شئ يؤدى لزيادة القيمة الحالية.
وتختلف التنمية أيضًا عن التطوير وإن كانت تتميز بأن بها تطويرًا، ونموًا وتحديثًا كما سنتعرض له لاحقًا .
أما “النهضة”، فلم نجد لها تفسيرًا أو تعريفًا علميًا واضحًا، ينطبق عليها ضمن التعريفات التنموية أو الاقتصادية، بينما تعني لغويًا: “القيام من قعود” أو “القيام من سبات (نوم) عميق”.
والتنمية تعني “تحقيق التغيير في المجتمع اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا؛ لينتقل من الوضع الحالي إلى الوضع التالي”.
ولأن التغيير سنة الحياة، فإن التنمية هي جهد رشيد مخطط؛ لكي يكون التغيير دائمًا نحو الأفضل. وهي هنا تختلف عن “النمو” الذي إذا كان حرًا – غير مخطط – في مجتمع متخلف، فقد يؤدى لما يسمَّى “تنمية التخلف” أو زيادة التخلف.
فإذا كانت التنمية تتحقق من خلال “جهد مخطط” للتغيير نحو الأفضل؛ فالسؤال: كيف يتحقق ذلك؟. واضح أنه بالتخطيط والتنفيذ العملي، لكن ما هي أدوات التنمية؟!.
تتحقق التنمية بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
ولأن التغيير المنشود للتنمية هو تغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي، فإن هناك تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفوق ذلك تنمية موارد بشرية وتنمية بشرية وتنمية مستدامة، فكيف نشأت هذه الأنواع من التنمية؟ وما أهدافها؟ هذا هو موضوعنا القادم.