حين تولّى روب توماس منصب نائب الرئيس الأول للبرمجيات والرئيس التجاري في شركة «آي بي إم» (IBM). وجد نفسه أمام واحدة من أعقد المهام في عالم الأعمال: الموازنة بين الابتكار طويل الأمد في المنتجات والأداء التجاري قصير المدى.
كما أن قلة من القادة يتولون في الوقت ذاته الإشراف على كلٍّ من منظومة الهندسة العالمية وشبكة المبيعات لشركة تكنولوجية عريقة يتجاوز عمرها قرنًا.
يقول توماس إن هذه التجربة صقلت فهمه لأسباب إخفاق العديد من الشركات الكبرى في الابتكار. ويختصر الأمر في كلمة واحدة: التكرار.
كذلك يشرح قائلًا إن معظم المؤسسات الكبيرة مهيّأة بطبيعتها للتوسّع، لا للسرعة. فهي تميل إلى وضع خرائط طريق تمتد لسنوات. والمراهنة على مشاريع ضخمة ذات مخاطر عالية. وهو أسلوب يتعارض مع فلسفة التجريب السريع والتغذية الراجعة المستمرة التي يتطلبها الابتكار الحقيقي. ويضيف أن ثقافة المحاولة والخطأ المرنة لا تكون عادة جزءًا من DNA الشركات الكبرى.
يشير توماس إلى أن «آي بي إم» تحاول كسر هذا النمط عبر تبنّي نهج جديد يقوم على مبدأ «ابنِ قليلًا، اختبر قليلًا، وتعلّم كثيرًا». حيث تكون أولوية العمل لدورات الملاحظات المستمرة بدلًا من الخطط العملاقة.
كما أن هذا التحوّل استوحاه جزئيًا من جيت ساكسينا، مؤسس شركة «نيتيزا» (Netezza) المتخصصة في تخزين البيانات. والتي استحوذت عليها «آي بي إم» عام 2010.
يسترجع توماس قصة ساكسينا الذي، حين بدأ الاستثمار في الشركات الناشئة، كان يلتقي مؤسسيها شهريًا ليسألهم سؤالًا واحدًا: ماذا يقول لكم العملاء؟
ومع الوقت، كانت هذه الحلقات المنتظمة من الملاحظات تدفع كثيرًا من الشركات إلى تغيير مسارها بالكامل عن الخطط الأصلية. وهو ما يعتبره توماس جوهر بناء المنتجات العظيمة.
عند سماع تلك القصة، أدرك أن «آي بي إم» لم تكن تعمل بهذه الطريقة، بل كانت مقاربتها خطّية وصلبة. ليخلص إلى أنه:
«كان علينا أن نغيّر طريقة تفكيرنا في الابتكار».
تغيير ثقافة عمرها قرن
كما يقرّ توماس بأن تغيير ثقافة مؤسسية متجذّرة داخل شركة عالمية ليس مهمة سهلة. لكنه يرى أن المفتاح يكمن في تحديد الأصوات الداخلية الصحيحة وإبرازها. وغالبًا ما تكون تلك التي تتحدّى الأعراف السائدة.
ويعتقد أن الأشخاص القادرين على دفع عجلة التقدّم الحقيقي في الشركات الكبرى موجودون بالفعل داخلها. غير أن التحدي أمام الإدارة هو اكتشافهم، وتمكين أفكارهم، ومنحهم حرية التصرف.
كذلك يقول توماس:
«غالبًا ما يكون هؤلاء الأشخاص من النوع الذي يكسر القواعد، لديهم رؤية واضحة لما ينبغي القيام به. ولا يحبون اتباع كل الإجراءات التقليدية. قد يكونون أعلى صوتًا وربما أكثر جدلًا من غيرهم. لكن جزءاً من مسؤوليتنا كقادة هو تشجيع هذا النوع من الطاقة».
ويضيف أن التشجيع لا يعني الفوضى أو غياب الاحترام، بل يعني إفساح المجال لما يسميه «الاحتكاك البنّاء». فالسماح لهؤلاء الموظفين «بالمجازفة قليلاً» هو في نظره الطريقة الأكثر فعالية لإحداث تغيير ثقافي دائم.
كما يستشهد توماس بجائزة نوبل في الاقتصاد هذا العام التي أكدت أن النمو ليس حقًا مكتسبًا لأي شركة. بل يُنتزع من خلال الابتكار المستمر.
ويقول:
«لا يمكنك أن تبتكر إلا إذا كنت مستعداً لأن تغيّر هويتك كشركة باستمرار من دون أن تتخلى عن مبادئك. هذا ما يجب أن تتعلمه كل مؤسسة».
التنفيذ بوصفه «قوة خارقة»
كذلك إلى جانب شغفه بالابتكار، يصف توماس نفسه بأنه مهووس بالتنفيذ. ويرى أن هذه السمة هي ما يميز القادة العاديين عن العظماء. ويشير إلى أن عادة الكتابة المنتظمة كانت عاملاً رئيسياً في تطوير هذا الانضباط.
فكل يوم إثنين، يرسل توماس مذكرة قصيرة إلى زملائه عبر «آي بي إم» يشاركهم فيها ما يشغل ذهنه ويذكّرهم بالأولويات. مرة أو مرتين في العام، يكتب مذكرة موسعة على شكل ورقة تحليلية تتراوح بين أربع إلى سبع صفحات. لتوضيح رؤيته ومساعدة فرق العمل على الاصطفاف حول الأهداف المشتركة.
كما يقول إن هذا الأسلوب مستوحى جزئيًا من ما يسميه «عادات روكفلر»، المقتبسة من منهج جون دي. روكفلر في إدارة شركة «ستاندرد أويل».
كذلك يوضح: «هناك ثلاثة عناصر فقط تقود التنفيذ الفعّال: الأولويات، والبيانات، والإيقاع». فالأولويات تضمن التركيز، والبيانات تكشف التقدّم، والإيقاع يحافظ على الاستمرارية.
ويرى أن الفرق تفقد زخمها عندما تتبدل الأهداف باستمرار أو تكون الاجتماعات ردّ فعل آنيًا، أما وجود إيقاع ثابت فهو ما يبقي التنفيذ قويًا ومتصلًا.
القراءة كعادة قيادية
كما يؤمن توماس بأن القراءة المنتظمة والعميقة هي من أكثر العادات القيادية التي يُغفل عنها المهنيون في بدايات مسيرتهم. ويقول إن تخصيص وقت للدراسة والتفكير واستكشاف الأفكار بات أمرًا نادرًا في عالم يتسم بالسرعة والتشتت.
ويكشف أنه يخصص ساعتين إلى ثلاث ساعات من القراءة كل صباح قبل بدء يوم عمله. ويطالع كتباً وتقارير في مجالات تمتد من الدراسات القيادية إلى سير الرياضيين.
ويضيف:
«أعشق كتب السِّير الذاتية. عندما يتحول فريق رياضي متعثر إلى فريق ناجح. أريد أن أعرف ما الذي فعله المدرب بشكل مختلف. وعندما يسطع نجم طاهٍ فجأة، أبحث عمّا يميز أسلوبه».
فهو منجذب إلى قصص النجاح غير المتوقع وإلى تحليل الأساليب التي قادت إليها.
كما أن هذا الفضول نفسه دفعه إلى إطلاق نشرته الإلكترونية «The Mentor» على منصة «سابستاك».
يقول: «قرأت أن الشركة جمعت 40 مليون دولار لتمويل النشرات الإخبارية، فقلت لنفسي: كيف يكون ذلك ممكنًا؟» ثم اشترك وبدأ يكتب، لتتحول التجربة إلى تأملات في الاستراتيجية والثقافة التنظيمية.
كذلك يقدّر توماس أنه يقضي ما بين 30 و40% من وقته في القراءة، سواء كانت تقارير عن الصناعة أو دراسات عن القيادة أو سيرًا ذاتية.
ويختم قائلًا: «إن الجمع بين القراءة العميقة والتجريب المستمر هو ما يصنع الفارق حقًا، فهو ما يغذي التعلم والابتكار والقيادة».
المصدر: فورتشن



