في عالمٍ يُتَوّج فيه النجاح ويُسْتَغَلّ الفشل تُصبح ريادة الأعمال مسرحًا للعديد من الخرافات التي تُشوّه الصورة الحقيقية لهذه الرحلة المُثيرة؛ فبين رغبةٍ عارمة في تحقيق الإنجاز ورهبةٍ من المخاطر المُحتملة يقع رواد الأعمال الطموحون فريسةً لِمُعتقداتٍ خاطئة تعوقهم عن تحقيق أحلامهم.
يحيط بريادة الأعمال العديد من الخرافات، وغالبًا ما تؤثر في قرارات وتصورات رواد الأعمال الطموحين؛ لذا يُصبح من المُلحّ كسر هذه القيود الوهمية لبناء فهمٍ واقعي لِمُتطلبات النجاح في هذا المجال؛ فمن خلال تفنيد تلك الخرافات يُمكن لروّاد الأعمال تفادي الوقوع في الفخاخ غير الضرورية، والتركيز على الأمور الجوهرية التي تُقودهم نحو تحقيق أهدافهم.
من الخرافات الشائعة أن بعض الناس يولدون مُهيّئين لريادة الأعمال، بينما تُشير الحقيقة إلى أن مهاراتها قابلة للاكتساب والتنمية من خلال الخبرة والتعلم المستمر، وبالطبع يُساعد فهم هذه الأفكار الخاطئة في تمكين الأفراد من اتخاذ قراراتٍ مُنيرةٍ تُدرك مُتطلبات النجاح في هذا المجال، وتعزز قدرتهم على خوض رحلتهم الريادية بِعقليةٍ مُتّزنةٍ تُقدّر أهمية التعلم والتكيف.
خرافات عن ريادة الأعمال
تُشكل الخرافات المُحيطة بالعالم الريادي حجابًا كثيفًا يُخفي وراءه الحقائق المُتعلقة ببدء مشروع تجاري؛ لذلك فإنّ كسر هذا الحجاب وتقديم منظور أكثر وضوحًا وواقعيةً يُصبح أمرًا بالغ الأهمية، وفيما يلي بعض الخرافات المُتكررة حول هذا العالم الريادي:
1- رواد الأعمال لا يُهزمون
تُؤثر الخرافة القائلة بأنّ رواد الأعمال لا يُواجهون الفشل سلبًا في توقعات من يريدخوض هذا المجال، خاصةً أنّ العديد من الشركات تُواجه الفشل قبل تحقيق أهدافها، ويُؤكد روّاد الأعمال الناجحون، مثل: مارك كوبان وريد هوفمان، أنّ الفشل جزء من رحلة النجاح.
على سبيل المثال: بنى مارك كوبان ثروته من خلال سلسلة من المشاريع التجارية الناجحة؛ فهو أحد مؤسسي شبكة HDNet التلفزيونية، التي واجهت صعوبة في جذب جمهور كبير على الرغم من حصولها على استحسان النقاد؛ ما أدى إلى بيعها في النهاية إلى شبكة AXS TV عام 2012.
2- رواد الأعمال يُولدون بمهارات استثنائية
لا أساس من الصحة للخرافة التي تُصور روّاد الأعمال بأنّهم يُولدون بمهارات استثنائية؛ فمهارات ريادة الأعمال قابلة للتعلم والتطوير مع مرور الوقت، في الواقع بدأ العديد من روّاد الأعمال الناجحين من نقطة الصفر دون أي ميزة خاصة أو مهارات فطرية في المجال الريادي، مثل: بيل جيتس، وأوبرا وينفري، وبريان تشيسكي.
مثلًا: كان بيل جيتس طفلًا خجولًا وخائفًا يعاني من صعوبة في التحدث أمام الجمهور، بينما كانت أوبرا وينفري تتمتع بموهبة فطرية في الخطابة العامة لكنها لم تكن تمتلك أي مهارات أو خبرات محددة في العالم الريادي عندما بدأت مسيرتها المهنية، وبالمثل يُعد بريان تشيسكي أحد مؤسسي موقع Airbnb الرائد في مجال الإيجارات قصيرة الأجل، ولم تتوفر لديه أي خبرة سابقة في مجال الضيافة أو تأسيس الأعمال التجارية عندما بدأ مشروعه.
3- رواد الأعمال دائمًا مبتكرون
لا يُشير المجال الريادي دائمًا إلى ابتكار أفكار جديدة كليًا بل حقق العديد من رواد الأعمال نجاح أعمالهم من خلال أخذ أفكار موجودة وتطويرها بطرق جديدة ومبتكرة، ويُعدّ مارك زوكربيرج، وجيف بيزوس، وراي كروك أمثلة حقيقية على ذلك.
على سبيل المثال: لم يبتكر مارك زوكربيرج فكرة التواصل الاجتماعي إنما حسّن النماذج الموجودة من خلال إنشاء منصة Facebook الأكثر سهولة وراحة للمستخدمين، أما جيف بيزوس فابتكر سوقًا إلكترونية أكثر توافقًا مع العصر وأكثر سهولة في الوصول إليها مقارنة بالمتاجر التقليدية، وفي المقابل تمكن راي كروك من الابتكار على مستوى نموذج العمل؛ من خلال إنشاء نظام الامتياز التجاري (franchising) الذي سمح بتوسع أعمال ماكدونالدز بشكل سريع.
4- رواد الأعمال يعملون لحسابهم الخاص دائمًا
يُعتقد خطأً أنّ رواد الأعمال يعملون لحسابهم الخاص بشكل حصري بينما يُظهر الواقع أنّ العديد من رواد الأعمال الناجحين بنوا شركاتهم بينما كانوا يعملون في شركات أخرى؛ حيثُ يُوظفون مهاراتهم وخبرتهم لإنشاء مشاريع مبتكرة داخل تلك الشركات؛ ما يُساعدهم في اختبار أفكارهم وتطويرها قبل الانطلاق بمبادراتهم الخاصة.
5- الانفتاح ليس شرطًا أساسيًا
على عكس الصورة النمطية لا يُشترط على رواد الأعمال أن يكونوا منفتحين اجتماعيًا؛ فالكثير من رواد الأعمال الناجحين يحققون إنجازات عظيمة رغم كونهم انطوائيين؛ حيث يفضلون العمل في بيئة هادئة ومُنعزلة.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك: “بيل جيتس” المعروف بشغفه بالقراءة والتأمل، و”إيلون ماسك” المشهور بحماسه وتركيزه الشديد، و”سارة بليكلي” مؤسسة شركة Spanx التي تغلبت على خجلها لتصبح واحدة من أنجح رائدات الأعمال في مجال الأزياء، بالإضافة إلى “مارك زوكربيرج” المعروف بهدوئه وحبه للبرمجة، والذي يفضل العمل بشكل مستقل أو ضمن مجموعات صغيرة.
6- الثقة بالنفس ليست مطلقة
من المعتقدات الخاطئة أن رواد الأعمال الناجحين يتمتعون دائمًا بالثقة بالنفس ولا يعانون من الشك الذاتي، بينما الواقع يُظهر عكس ذلك، فهناك العديد من رواد الأعمال المرموقين الذين صرحوا علانية عن معاناتهم مع عدم الثقة بالنفس، مثل: هوارد شولتز مؤسس “ستاربكس” الذي تحدث صراحة عن صراعاته مع هذا الشعور، وأريانا هافينغتون التي واجهت مقاومة كبيرة عندما اقترحت في البداية إنشاء سلسلة مقاهي في الولايات المتحدة.
وكذلك أوبرا وينفري التي واجهت الشكوك وعدم اليقين ولكنها نجحت في التغلب عليها وبناء إمبراطورية إعلامية ضخمة، كما تحدث ريتشارد برانسون، مؤسس مجموعة فيرجن، عن التحديات التي واجهها كرائد أعمال ولكنه تمكن من بناء واحدة من أكثر الشركات نجاحًا على مستوى العالم.
7- المخاطرة ليست نهجًا ثابتًا
إن الادعاء بأن رواد الأعمال الناجحين يتخذون باستمرار قرارات محفوفة بالمخاطر هو مفهوم خاطئ؛ ففي الواقع يتبع العديد منهم نهجًا تحفظيًا ومدروسًا، ومن الأمثلة على ذلك: وارن بافيت، وجيف بيزوس، وسارة بليكلي، وبيل جيتس؛ ففي حين يُنظر إلى جيف بيزوس بأنه مغامر بسبب استعداده لإنفاق مبالغ كبيرة على المشاريع والأفكار الجديدة يُعرف وارن بافيت بدقته في إجراء الأبحاث والتزامه بالحذر في الاستثمارات.
8- التعليم الرسمي ليس ضروريًا
هناك خرافة مفادها أن رواد الأعمال لا يحتاجون إلى تعليم رسمي، وأن الناجحين منهم هم من صنعوا أنفسهم بأنفسهم ولا يحتاجون إلى شهادة جامعية، بينما الواقع يُثبت عكس ذلك، فهناك العديد من رواد الأعمال البارزين الذين حصلوا على تعليم عالٍ، ومنهم أوبرا وينفري التي تخرجت بدرجة بكالوريوس “في الاتصال” في جامعة تينيسي الحكومية، وإيلون ماسك الذي حصل على درجتين جامعيتين في الفيزياء والاقتصاد من جامعتي بنسلفانيا وستانفورد، ومارك زوكربيرج الذي درس في جامعة هارفارد وأطلق فكرة موقع فيسبوك.
وأخيرًا ريد هاستينغز، مؤسس شركة Netflix، الذي امتلك الخبرة التكنولوجية والرياضية اللازمة لإنشاء خدمة بث ناجحة، وذلك بفضل دراسته لعلم الحاسوب والرياضيات في جامعة ستانفورد وكلية بودوين.
في نهاية الأمر يُمكن القول إن ريادة الأعمال تُعد بمثابة رحلةً مُثيرةً مليئةً بالتحديات والفرص، وغالبًا ما يحيط بها العديد من الخرافات والمفاهيم الخاطئة التي قد تُشوّه الصورة الحقيقية لهذه الرحلة؛ فمن خلال كسر هذه القيود الوهمية يستطيع رواد الأعمال أن يُبحرُوا في رحلتهم بوعيٍ ووضوحٍ أكبر.
اقرأ أيضًا:
تمويل الشركات الناشئة.. مصادر وعوامل
كيف تبدأ مشروعًا ناجحًا من الصفر؟
التحديات التي تواجه رائد الأعمال.. من التخطيط لتوازن المالية يبدأ سر النجاح