في مطلع مايو الماضي، أصدر خادم الحرمين الشريفين؛ الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمرًا ساميًا بإعفاء المرأة من الحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، في خطوة تنم عن مدى إدراك القيادة الرشيدة جدوى اتخاذ قرارات من شأنها زيادة تمكين المرأة وإزالة ما يواجهها من عراقيل لدى ممارسة حقوقها الوظيفية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إنه قرار صائب بمعمى الكلمة؛ إذ يشمل جميع الخدمات التي تشترط حضور أو موافقة ولي الأمر ، ما لم يخالف الشرع، أو يوجد له مستند نظامي؛ مثل الخدمات التعليمية، والصحية، والاجتماعية، وكذلك العمل، كما أنه يلزم هيئة حقوق الإنسان بالعمل مع الجهات الحكومية على حصر تلك الخدمات ومتابعتها، وتقديم برامج وحملات توعوية وتثقيفية، سواء للجهات أو المستفيدين .
ولاشك في أن القرار سيسهم بشكل كبير في دعم حقوق المرأة في المملكة، والحد من التعسف، وسوء استخدام بعض أولياء الأمور مفهوم الولاية؛ وهي الإشكالية التي لا تزال غالبية الأسر تعانى منها.
وسواءً كان الولي أبًا أو زوجًا أو ابنًا، فإنَّ الولاية في الإسلام تعني القوامة والرعاية لشؤون المرأة وحمايتها والمحافظة والإنفاق عليها، وليس ممارسة التسلط والتقليل من شأنها وحرمانها من أبسط حقوقها في التعايش الكريم ، بل وجعلها “عالة” على أسرتها، بحجة التمسك بعادات عفا عليها الزمن ولا تمت للإسلام بصلة.
في كثير من الأحيان، تتعطل مصالح المرأة بسبب عدم تمكنها من إصدار وثيقة “جواز سفر”، خاصًة عندما يكون ولي أمرها خارج البلاد لفترة طويلة، كما أنها تفقد فرصتها في تقديم الطلبات للحصول على بعض الوظائف التي تشترط موافقة ولي الأمر، وربما تكون في حاجة ماسة إلى تحسين أوضاعها المعيشية.
لقد ذكر المولى -عز وجل- في أكثر من موضع بكتابه الكريم ما يدعم موقف المرأة في الإسلام وحقها في ممارسة أهليتها الرشيدة والاستثمار في قدراتها تمامًا كالرجل، طالما كان الهدف هو عمارة الأرض وخدمة الدين؛ إذ يقول تعالى:”وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ”، كما حث الله تعالى في موضع آخر على المساواة بين الرجل والمرأة في حقوق العمل؛ في قوله:”مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم”، وفي موضع آخر قال تعالى:” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”، مساويًا بذلك بين الجنسين في حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض.
ولعل الدافع الأول لما تناله المرأة اليوم من ثقة ودعم القيادة بالمملكة هو ما أثبتته من جدارة وما تبوأته من مكانة مجتمعية، ومناصب مرموقة في شتى المجالات، وما حققته من نجاحات على صعيد العمل والتعلم والحياة الشخصية، خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكدة بذلك مدى قدرتها على تحمل المسؤولية وصنع القرار، خاصة وأنها تتمتع بمستوى تعليمي مرتفع يمكنها من إدراك الإجراءات ومتطلباتها.
خالص التقدير لخادم الحرمين الشريفين، لما يبذله من جهود ترمي إلى تصحيح كافة الأوضاع، ولاسيما أوضاع المرأة؛ وذلك لتمكينها، وتفعيل دورها، كعنصر رئيس في التنمية المستدامة، وفقًا لرؤية المملكة 2030، وتبديد المُعتقدات الاجتماعية العقيمة البعيدة عن الشرع، آملين في اتخاذ مزيد من مثل هذه القرارات الحاسمة لفتح صفحة طال انتظارها في حياة المرأة السعودية.