تبدأ قصة جين-سون هوانغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Nvidia، بطريقة لا تختلف كثيرًا عن قصص العديد من رواد الأعمال الناجحين. قصة كفاح وعزيمة بدأت من الصفر. ولد هوانغ في تايوان، وهاجر إلى الولايات المتحدة في سن مبكرة؛ واجه تحديات كبيرة كأي مهاجر شاب. عمل في مطاعم، ودرس بجد، وحلم ببناء مستقبل أفضل.
جين-سون هوانغ
لم يكن طريق هوانغ نحو القمة مفروشًا بالورود. فبعد حصوله على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة ستانفورد، أسس شركة Nvidia عام 1993. واستثمر كل ما يملك من مال وطاقة في هذا المشروع الطموح. في البداية، ركزت الشركة على تطوير رقائق رسوميات عالية الأداء لأجهزة الكمبيوتر. وهو قطاع كان يعد متخصصًا وغير مثير للاهتمام من قبل المستثمرين.
ولكن، بفضل رؤيته الثاقبة وإصراره على الابتكار، تمكن هوانغ من تحويل Nvidia إلى واحدة من أكبر الشركات التكنولوجية في العالم. ففي عام 2014، قرر هوانغ توجيه الشركة نحو مجال الذكاء الاصطناعي. وهو قرار جريء غيَّر مسار صناعة التكنولوجيا بأكملها. وقد أثبتت هذه الخطوة نجاحها بشكل ساحق. حيث أصبحت رقائق Nvidia هي القوة الدافعة وراء العديد من التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. مثل السيارات ذاتية القيادة والروبوتات وأنظمة التعرف على الصور.
أسهم Nvidia
بفضل هذا النجاح الهائل، ارتفعت قيمة أسهم Nvidia بشكل كبير؛ ما جعل هوانغ واحدًا من أغنى الأشخاص في العالم. وتشير التقديرات إلى أن ثروته تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات؛ ما يضعه في منافسة شرسة مع عمالقة التكنولوجيا الآخرين مثل إيلون ماسك.
وفي مسيرة حافلة بالإنجازات، استطاع جين-سون هوانغ أن يتسلق سلم النجاح خطوة بخطوة. حتى وصل إلى قمة المجد بتحقيقه المركز الأول في قائمة أفضل المديرين التنفيذيين في العالم لعام 2019. وقد كان له الفضل الكبير في تحويل شركة NVIDIA إلى قوة عظمى في مجال التكنولوجيا. وذلك بفضل رؤيته الثاقبة وقراراته الحكيمة.
هذا التصنيف اتى من خلال مجلة Harvard Business Review التي صنفت السيد جين-سون هوانغ. في المركز الأول بجدارة خاصة انه كان من المساهمين الرئيسين بزيادة الحصة السوقية للشركة بأربعة عشر مرة من 2015- 2018 خلال ثلاث سنوات فقط.
رقاقات الحاسوب
حينما أسس جين-سون هوانغ مع الشركاء شركة NVIDIA في عام 1993، ركز على هدف واحد وهو بناء رقاقات حاسوب قوية لإنشاء رسوميات تنبض بالحياة من أجل ألعاب فيديو سريعة الحركة. بعد أن نمت الشركة خلال الألفية الثانية، بقيت ألعاب الفيديو الهدف الأساسي لها. لكن حتى في ذلك الوقت هوانغ المهاجر التايواني الذي درس الهندسة الكهربائية في ولاية اوريجون وستانفورد قد رأى مسارا مختلفا نحو الأمام بالنسبة لـ NVIDIA.
علماء البيانات كانوا يبدؤون الطلب من الحواسب لإجراء حسابات أكثر تعقيدا بكثير على نحو أسرع، بالتالي انفيديا بدأت بإنفاق مليارات من الدولارات على الأبحاث والتطوير لإنشاء رقاقات تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
أفضل مدير تنفيذي في العالم
بحلول منتصف 2010 رقاقاتها المرتكزة على الذكاء الاصطناعي قد أتت لتهمين على هذا السوق الناشئ. بحيث ظهرت في المركبات الذاتية القيادة، الروبوتات، الطائرات بلا طيار وعشرات الأدوات الأخرى العالية التقنية. نظرة واحدة على الرسم البياني لأسهم انفيديا يظهر كيف حصدت ثمار أعمالها من أواخر 2015 إلى أواخر 2018. نمت أسهم الشركة بأربعة عشرة مرة وهو مجهود عمل يضع هوانغ في المركز الأولى على لائحة أفضل مدير تنفيذي في العالم لهذا العام.
هاجر جين-سون هوانغ من تايوان إلى كنتاكي الأميركية طفلًا برفقة أخيه الأكبر. وحيدين ودون والديهما، وكان عليه منذ البداية أن يتحمل التنمر اليومي من زملائه في المدرسة الداخلية التي التحق بها كونه تايوانياً.
لكن هوانغ برع في مراهقته لاعبا ناشئا لتنس الطاولة. وبدأ العمل أثناء دراسته منظف مراحيض. وقال في لقاء جمعه بطلبة جامعة ستانفورد بداية هذا العام: “لقد نظفت مراحيض في حياتي أكثر مما فعلتم جميعًا”. ثم واصل وسط تصفيق القاعة: “لا توجد مهمة تافهة أو صغيرة بالنسبة لي”.
أفضل غاسل صحون
بهذه الطريقة، يحب المدير التنفيذي لشركة إنفيديا أن يقدم نفسه تحت الأضواء. وطالما استعاد أول وظيفة له كغاسل صحون في مطاعم Denny . وهو في الخامسة عشرة من عمره أمام الشباب المنبهر بنجاحه قائلًا: “ربما كنت أفضل غاسل صحون عرفته سلسلة مطاعم Denny على الإطلاق”.
لكن هذا لا يغير من حقيقة أن الرجل لا يتحمل أي أخطاء أو هفوات من العاملين معه. لذا عرف عنه تعامله القاسي مع فريقه، وهو ما يبرره بقوله: “إذا أردت أن تخلق كيانًا اقتصاديًا ناجحًا، فيجب أن تتعامل بقسوة وبلا مشاعر أحيانًا”.
شركة إنفيديا
تسيطر شركة إنفيديا بقوة على سوق رقائق الذكاء الاصطناعي. حيث تستحوذ على حصة سوقية تقارب 80 % وتحقق هوامش ربح هائلة. هذه الهيمنة دفعت الشركات المنافسة؛ مثل “إنتل” و”ألفابت”، إلى تكثيف جهودها لتطوير رقائقها الخاصة؛ ما أشعل حربًا شرسة في هذا القطاع الحيوي. وقد أدى هذا التنافس إلى زيادة حادة في وتيرة الابتكار. ولكن أيضًا أدى إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية. بخاصة مع اعتماد إنفيديا على تصنيع رقائقها في تايوان.
عام 2016، سلّم هوانغ أول كمبيوتر عملاق من “إنفيديا” إلى مكاتب شركة أوبن إيه آي بنفسه؛ إذ استلمه إيلون ماسك رئيس مجلس الإدارة آنذاك من هوانغ في حفل كبير شكل نقطة تحول للصناعة كلها. وعندما أطلقت “أوبن إيه آي” ثورتها الجديدة “تشات جي بي تي” في 2022. قررت “إنفيديا” الدخول في ركب تصنيع رقائق الكمبيوتر الأسرع والأكثر إتقاناً، والمستخدمة اليوم في جميع أنظمة الكمبيوتر الحديثة فائقة السرعات.
شركة أوبن إيه آي
في نهاية مارس الماضي أيضًا، سجلت “إنفيديا” ارتفاعًا كبيرًا في قيمتها السوقية. بعدما ارتفع سعر السهم خمسة أضعاف، وتضاعف إجمالي المبيعات بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ أطلقت شركة أوبن إيه آي “تشات جي بي تي” في 2022. الذي فجّر طفرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؛ ما سمح لـ”إنفيديا” بفرض نفسها كعملاق للتكنولوجيا، متفوقة في البورصة على شركات “جوجل” و”ميتا” و”أمازون”. بهذا، تتخطّى الشركة الرائدة في إنتاج معالجات الرسوم وبطاقات العرض المرئي وتصميم الرقائق الإلكترونية شركات أضخم؛ لتصبح ثاني أكثر الشركات قيمة في العالم بعد “مايكروسوفت”.
وفي الوقت نفسه، اقتربت ثروة الرئيس التنفيذي للشركة جين-سون هوانغ (61 عامًا) من حاجز الـ100 مليار دولار. ووفقًا لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، لم تشهد ثروة شخص هذا النمو المتسارع الذي شهدته ثروة هوانغ خلال 2023، إذ تتضاءل أرباح مؤسس “فيسبوك” مارك زوكربيرغ (48 مليار دولار)، أمام أرباح هوانغ (63 مليار دولار) عن العام الماضي فقط.