تناولنا في المقال السابق 11 طريقة لتمويل الشركات الناشئة في مراحل نموها المتلاحقة، واليوم نستكمل رحلة الاستثمار والتمويل بالحديث عن الجولات التمويلية، من حيث خصائصها وأرقام تمويلها، ومراحل الشركة الناشئة بها، ومعايير اختيار شركات رأس المال الجريء للشركات الناشئة التي تستثمر فيها، حسب ما تعلمت من أصدقائي السعوديين رواد التقنية.
هل يمكن تحويل بذرة إلى شجرة وارفة مثمرة بمجرد سَقْيَها بالماء؟، بالطبع لا، فكل شيء يبدأ صغيرًا ثم يكبُر تدريجيًا على مراحل. وفي عالم الاستثمار، تُعرف هذه المراحل بالجولات الاستثمارية؛ حيث يتم تمويل الشركات الناشئة على عدة مراحل أو جولات، لكل منها هدفها، وتميُز التمويل الخاص بها؛ وذلك كما يلي:
الجولة أ
يطلق عليها جولة “التحسين“؛ حيث تكون الشركة الناشئة قد حققت شيئًا من النجاح بين العملاء، مكنها من تحقيق دخل بسيط، وليس بالضرورة أرباحًا كبيرة. غالبًا، ما يلجأ رائد الأعمال إلى الجولة” أ “لمضاعفة هذا النجاح ؛من خلال تطوير المنتج ،أو الخدمة المقدمة، وتوسيع قاعدة العملاء، وتوظيف عدد أكبر من العاملين. وعادةً ما تحصل الشركات الناشئة على التمويل في هذه الجولة من شركات رأس المال المخاطر، كما يمكن للمستثمرين الملائكة المساهمة بآلية التمويل الجماعي.
الجولة ب
بعد نجاح تحسين المنتجات وتطوير فريق العمل، ننتقل إلى الجولة “ب”، التي تُعرف بجولة “البناء“؛ فهي بداية تحول الشركة الناشئة إلى شركة أكثر نضجًا. والهدف من هذه الجولة، نقل شركتك إلى مرحلة متقدمة من الاستقرار والنمو وتوظيف الكفاءات العالية، والانتقال من الخسارة أو الدخل البسيط إلى تحقيق أرباح صافية.
الجولة ج
الشركات التي تصل إلى مرحلة التمويل من خلال هذه الجولة، لابد أن تكون قد حققت أداءً جيدًا، ومستعدة للتوسع في أسواق جديدة، أو الاستحواذ على أعمال أخرى أو تطوير منتجات جديدة. يعتمد التقييم في هذه المرحلة على معرفة عدد عملاء الشركة، وحجم الإيرادات التي حققتها، ومعدل النمو الحالي والمتوقع. يأتي تمويل هذه الجولة من شركات رأس المال المخاطر، وشركات الأسهم الخاصة، والبنوك، وصناديق التحوط (المحافظ الوقائية).
الجولة د
تُعد هذه الجولة أعقد من طرق التمويل السابقة، فقبل اتخاذ القرار بطرح الشركة للاكتتاب العام، قد تكتشف فرصة جديدة للتوسع، وتحتاج فقط إلى دفعة أخرى لتحقيق ذلك؛ حيث تستفيد بزيادة قيمتها قبل طرح أسهمها للجمهور. يمول هذه الجولة شركات رأس المال المخاطر؛ حيث يختلف مبلغ التمويل والتقييمات على نطاق واسع، خاصةً أن القليل من الشركات الناشئة هي من تصل إلى هذه المرحلة.
معايير الاختيار
ويتبقى السؤال الذي يتطلع رواد الأعمال إلى معرفة الإجابة عنه: ما المعايير التي تعتمدها شركات الاستثمار في الشركات الناشئة؟
هناك عدة معايير؛ أبرزها:
- تعدد المؤسسين
لا يُلقي المستثمر الجريء بنفسه إلى التهلكة من خلال مؤسس وحيد قد يتغير مزاجه من فترة إلى أخرى ويؤثر سلبًا على سير العمل ونمو الشركة، أو قد ينسحب لأسباب خاصة، أو قد يصاب بمرض يمنعه من مواصلة العمل بالشركة؛ لذا يمكن تفادي هذه المخاطرة العالية بوجود أكثر من مؤسس؛ كشركاء يقومون بأعمال مختلفة حسب خبرة ومعرفة كل منهم.
- مصداقية وخبرة فريق العمل
يبالغ بعض رواد الأعمال في طرح أفكارهم وإنجازاتهم، وعند التحقق منها، نجدها سرابًا؛ أملًا في الحصول على دعم مالي. وفي اللحظة التي يكتشف فيها المستثمر كذب أو تدليس رائد الأعمال، ينسحب مباشرة؛ وحينها يصعب إصلاح الأمر.
- التفرغ التام للشركة
كثير من الشركات الناشئة التي تفشل، يديرها أشخاص غير متفرغين؛ لذا يشترط المستثمرون تفرغ أحد المؤسسين على الأقل لإدارة الشركة، ثم يلحق به باقي المؤسسين في أقرب فرصة، عند وصول الشركة إلى مرحلة النمو لتحقيق الأهداف المنشودة؛ كالمبيعات، أو عدد العملاء، أو حجم الأعمال المنفذة.
- النمو المتسارع للشركة
لا تُعد الشركة مستهدفة للمستثمرين في رأس المال الجريء، مالم تكن سريعة النمو، أو لديها خطة سريعة النمو، فللشركات التقليدية نوع آخر من المستثمرين، الذين تكون نظرتهم مختلفة، وتركز غالبًا على أداء الشركة في جني الارباح، بينما يركز مستثمرو رأس المال الجريء على تعظيم القيمة للشركة؛ من خلال رصيدها من عدد العملاء، أو النمو المتسارع في الأرقام.
- سرية المعلومات والافكار
لا يوقع المستثمر الجريء على أي وثيقة تحمي أفكارك، وراجع في ذلك مقالي السابق هنا بعنوان “دعهم يسرقون فكرتك” لتتعلم كيف تحمي أفكارك، كما أن المستثمر ببساطة مُطلع على المئات من الأفكار، وقد تمر عليه فكرة مماثلة لفكرتك، لم يستثمر فيها لعدم مطابقتها للمعايير التي يريدها.
- المنطقة الجغرافية المستهدفة للشركة
يفضل كثير من المستثمرين الشركات التي تنمو وتنتشر عالميًا، وليس محليًا فقط؛ لذا يجب أن يتفهم رائد الأعمال إحجام بعض المستثمرين عن الاستثمار في مشروعه؛ كونه يعمل في منطقة محدودة جغرافيًا، أو يخدم شريحة محدودة العدد.
- عرض تقديمي واضح
راجع مقالي هنا بعنوان ” دقيقة بالمصعد“، لتعرف كيف تقدم عرضًا تقديميًا مُبهرًا للمستثمرين في ثلاث دقائق.
- جدول ملكية رأس المال
يتضمن هذا الجدول أسماء ونِسب ملكية الشركاء في الشركة؛ حيث تكمن أهميته للمستثمر في معرفته للمستثمرين قبله في الشركة، فقد يكون لديه تحفظ على أحدهم، وقد لا يحبذ الدخول معه في استثمار، أو يتضح له وجود نسبة ملكية عالية لأحد المستثمرين الأوائل، تؤثر على نسبة ملكية رائد الأعمال وفريق العمل مستقبلًا؛ ما يفقدهم الحماس المطلوب لإنجاح الشركة، عندما تكون نسبهم منخفضة في الجولات التمويلية اللاحقة.
- حجم الاستثمار وتقييم الشركة
يجب أن يوضح رائد الأعمال المبلغ المطلوب للجولة الاستثمارية في المرحلة الحالية للشركة، على أن يتناسب مع القيمة الفعلية للشركة. وعلى رائد الأعمال أن يعي أنه كلما زاد مبلغ التمويل، زادت المسؤوليات والأرقام والأهداف الواجب تحقيقها خلال الفترة المتفق عليها.
- التخارج المُجزي
على رائد الأعمال أن يكون لديه تصور واضح حول إمكانية التخارج المُجزي على المدى البعيد؛ فمستثمر رأس المال الجريء عندما يوقع على الدخول في مغامرة تمويل شركة ناشئة، أول ما ينظر إليه هو نوعية التخارج على المدى البعيد؛ فهو لا يبحث عن الأرباح السنوية، بقدر ما يبحث عن تعاظم في القيمة وتخارج مُجزٍ. وقد تكون استراتيجية التخارج عبر الطرح الأولي (الاكتتاب) في سوق إقليمي أو عالمي، أو عبر استحواذ من أحد عمالقة السوق العالمي؛ لدعم أحد مكونات المستحوذ، أو تخفيف حدة المنافسة (كما شرحت في مقالي هنا بعنوان “التهام المنافسين”.
عادةً ما تكون هناك خطوات لاحقة بعد مرحلة معايير الاختيار؛ مثل مرحلة التحقق من البيانات والمعلومات المقدمة من رائد الأعمال للمستثمر، وتليها مرحلة التفاوض، انتهاءً بالتوقيع على مذكرة الشروط .
الرحلة شاقة، لكنها شيقة..
أسأل الله التوفيق لرواد الأعمال وأيضًا للمستثمرين، ولمجتمع بيئة الأعمال الإيكوسيستم في كل بلداننا العربية.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
ريادة الأعمال..واستدامة الاقتصاد
أكثر 10 أنواع انتشارًا في ريادة الأعمال (1-2)