ما من شك أن الجميع، لا سيما في هذا العالم المأزوم، مؤمن بأن تطبيق المسؤولية الاجتماعية أمر حتمي ولا محيص عنه، بل ثمة من يذهب إلى أن هذا النموذج الاقتصادي/ الاجتماعي هو طوق النجاة الوحيد الباقي للخروج من المدلهمات الجسام التي يرزح عالمنا المعاصر تحت نيرها هذه الأيام.
لكن، وعلى الرغم مما سبق، فثمة فرق كبير بين النظرية والممارسة، بين القول والفعل؛ فأغلب المؤمنين بحتمية وأهمية تطبيق المسؤولية الاجتماعية يواجهون الكثير من التحديات عندما ينزلون إلى أرض الواقع، ويحاولون تحويل رؤاهم وأفكارهم إلى واقع عملي ملموس.
وعلى الرغم من كون هذه الحقيقة محبطة بعض الشيء إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار أن التحول التام، إن على صعيد النسق أو على صعيد البنية، من نظام تهيمن عليه أفكار الربح والاستحواذ إلى نظام آخر أكثر أثرًا وأعمق نظرًا سوف يأخذ وقتًا لا بأس به.
وخير مثال على ذلك أن نظرية المسؤولية الاجتماعية موجودة منذ سنوات عديدة، ومع ذلك هناك من ليس مؤمنًا بها بعد، بل ما زلنا نرى أتباع “ميلتون فريدمان” يشددون على أن الربح هو الهدف الأسمى الذي لا يجب أن يتقدمه هدف ما.
وهذا أكبر دليل على ضيق الأفق ناهيك عن التحجر النظري الذي انتاب كثير من أتباع مدرسة فريدمان وفلسفته عن السوق الحر.
اقرأ أيضًا: اقتصاد النظم البيئية.. جسر بين العلوم والتخصصات
تطبيق المسؤولية الاجتماعية
واتصالًا بالطرح السابق سوف يحاول «رواد الأعمال» بيان أبرز التحديات التي تواجه تطبيق المسؤولية الاجتماعية، وذلك على النحو التالي..
-
التطبيق الشكلي
أول وأصعب تحدٍ يواجه تطبيق المسؤولية الاجتماعية هو الظن أن الربح هو الهدف الأول والأسمى الذي يجب على الشركات أن تسعى نحوه، حتى إن بعض الشركات تطبق المسؤولية الاجتماعية «شكليًا» فقط أملًا في الحصول على مكاسب وأرباح من خلالها.
وعلى الرغم أنه ما من مانع في السعي خلف تحقيق مكاسب من وراء العمل الاجتماعي للشركة، لكن المشكلة أن الذين ينهجون هذا النهج لم يفهموا المراد من المسؤولية الاجتماعية ولم يدركوا ماهيتها الحقيقية.
ومن نافل القول إن هذا التطبيق الشكلي للمسؤولية الاجتماعية سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة جدًا؛ فأعضاء المجتمع سيكتشفون _إن عاجلًا أو آجلًا_ زيف الشركة ونفاقها، ومن ثم سيعرضون عن التعامل معها واستهلاك منتجاتها، وبالتالي ستخسر عملاءها وسمعتها في السوق في وقت واحد.
اقرأ أيضًا: أنواع المسؤولية الاجتماعية.. السعي الطوعي للتنمية
-
تقديم الربح
ما هو الهدف من أي عمل تجاري؟ هذا سؤال كبير والإجابة عنه تختلف باختلاف المدارس الفكرية المجيبة عنه، لكن على الذين يقولون إنه من المحتم منح الأولوية للربح أن يعيدوا النظر في المسألة من جديد، وإلا فما جدوى الحصول على الربح في مجتمع مهترئ؟ وما هو الهدف أصلًا من الربح؟
إن الأصل في الأشياء أن الربح _والمال بشكل عام_ أمر مطلوب لغيره؛ فنحن لا نسعى إلى الربح من أجل الربح ذاته، وإنما من أجل أمور وأهداف أخرى تتجاوز الربح ذاته، وبالتالي فإن الذين يقولون بأولوية الربح على العمل الاجتماعي يُعتبرون أحد أشهر تحديات تطبيق المسؤولية الاجتماعية.
فهؤلاء لا يطبقون المسؤولية الاجتماعية، ولا يقومون بأي نشاط لصالح المجتمع فحسب، ولكنهم يجادلون في جدوى كل ذلك من الأساس.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية المهنية.. من الاحترافية إلى الأخلاق
-
الموظفون غير المتحمسين
لا يتم تطبيق المسؤولية الاجتماعية في الفراغ، كما لا يتم تطبيقها من تلقاء نفسها، ولكن هناك قطاعًا كاملًا من الموظفين عليه النهوض بهذا الدور.
والمؤكد أن هذا العمل ليس روتينيًا، ولا يمكن إنجازه إلا بحماس بالغ؛ ففي النهاية العمل الاجتماعي شاق ومرهق، ولن يحقق المرء فيه نتائج معتبرة إلا إذا كان شغوفًا به.
ومن ثم قد تكون قيادة الشركة مؤمنة بتطبيق المسؤولية الاجتماعية، لكن إذا كان من سينفذون المهام على أرض الواقع مؤمنين كذلك مثل قادتهم، ويحدوهم الشغف ويدفعهم الحماس، فمن غير المتوقع أن يفلحوا في مهتهم أو أن يشعر المجتمع بأي تحسن أو أثر إيجابي يُذكر.
فتطبيق المسؤولية الاجتماعية، في نهاية المطاف، يتطلب نوعًا مختلفًا من الموظفين، أكثر وعيًا بالتحديات التي يواجهها العالم في هذه المرحلة، وأكثر استعدادًا على مد يد المعونة للمحتاجين، خاصة أننا جميعًا _سكان هذا العالم_ نواجه نفس المخاطر ونعاني من ذات التحديات.
اقرأ أيضًا:
مفهوم التأمين الاجتماعي.. سلاح ضد المخاطر
المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار.. جدل نظري متصاعد
المنافسة الأخلاقية في السوق.. أسس بقاء الشركات