تعمل المسؤولية الاجتماعية المهنية على ضمان نجاعة الممارسات التي تقوم بها الشركات التي آلت على نفسها السير في هذا المسار، ولعب دور إيجابي في المجتمع، والانخراط في قضاياه وانشغالاته.
ومجرد الممارسة المجردة لا تعني شيئًا، وقد لا تؤدي إلى شيء أيضًا، وإنما _وتلك هي الدلالة المفاهيمية التي تحملها المسؤولية الاجتماعية المهنية_ يجب أن تسفر هذه الممارسات الاجتماعية عن فعل إيجابي، وذي بُعد خيري على المدى الطويل في المجتمع ككل.
فمن المعروف أن ممارسة اجتماعية ما قد تقود، في نهاية المطاف، إلى عكس ما كانت ترنو إليه، فقط لأنها لم تضع لنفسها المعايير التي تضمن لها كفاءة الممارسة وجودة المخرجات.
اقرأ أيضًا: مفهوم التأمين الاجتماعي.. سلاح ضد المخاطر
المسؤولية الاجتماعية المهنية والأخلاق
من بين التحولات الجمة التي طرأت على جيل الألفية، أو بالأحرى التي يتميز بها هذا الجيل، وعيه الشديد بموضعة المسؤولية الاجتماعية، هذا الوعي يترجم عادة إلى خيارات وقرارات اقتصادية؛ حيث يسعى هؤلاء الأشخاص إلى تدعيم الشركات التي تمارس دورًا ذا مغزي اجتماعي من خلال شراء منتجاتها والإقبال على سلعها.
من هذه الزاوية يمكن القول إن هذا التحول الطارئ على جيل الألفية قاد إلى ممارسة المسؤولية الاجتماعية المهنية؛ فهؤلاء القوم واعون جدًا _كونهم مسلحين بالعطاءات التقنية المختلفة_ بما تفعله الشركات، وبالتالي فهم لا يقعون فريسة لخديعة أي شركة.
وحتى وإن كانت هذه الشركة حسنة النية لكنها لم تفلح في مساعيها الاجتماعية التطوعية فإنهم لن يقبلوا على دعمها، هذا الإصرار من قِبل هذه الشريحة التي لا يُستهان بها في المجتمع أدى إلى تعزيز ممارسة المسؤولية الاجتماعية المهنية.
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن Aflac حول المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، فإن المستهلكين والعمال والمستثمرين يمارسون ضغوطًا متزايدة على الشركات الأمريكية لتقديم مساهمات ذات مغزى للصالح الاجتماعي الأكبر.
ووجد التقرير أن 77% من المستهلكين يقولون إنهم سيكونون أكثر استعدادًا لشراء منتجات أو خدمات الشركة إذا أظهرت الشركة التزامًا بمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
ووجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة Deloitte عام 2019 لجيل الألفية أن تغير المناخ وحماية البيئة يحتلان المرتبة الأولى في اهتماماته.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية وتحفيز الابتكار.. جدل نظري متصاعد
المهنية أم الأخلاق؟
هذا السؤال الحديّ لا مجال له في المسؤولية الاجتماعية المهنية؛ فهي _كما تشي بذلك فحواها الدلالية_ تركز على الكسب على الصعيدين المهني والأخلاقي على حد سواء؛ أي أنها تريد أن تكون رابحة على الصعيد المهني فتحقق نجاحًا وتراكم ثروة، وأن تصبح رائدة أيضًا في الممارسة الأخلاقية، وتكون في ذلك مثالًا يُحتذى به.
ويمكننا أن نجسر على القول إنه ما ثمة أي نزاع بين كون الشركة ملتزمة أخلاقيًا وناجحة مهنيًا؛ فكل ممارسة أخلاقية والتزام بمدونات السلوك والأخلاق التي ارتضاها المجتمع حاكمة له ستؤدي إلى زيادة الإقبال عليها من الجمهور المستهدف (وربما غير المستهدف كذلك)، كما ستعمل على تعزيز سمعتها في السوق، وبالتالي تكون مراكمة الأرباح رديفًا للممارسة الأخلاقية.
ليس هذا فحسب، بل إن أكثر الشركات نجاحًا على الصعيد المهني هي نفسها أكثر الشركات التزامًا بالمسؤولية الاجتماعية المهنية أو المسؤولية الاجتماعية بشكل عام.
ومن بين هذه الشركات نذكر ما يلي: سيسكو، ديل، شركة انتل، مايكروسوفت، جوجل، ديزني، إيكيا وغيرها.
اقرأ أيضًا: المنافسة الأخلاقية في السوق.. أسس بقاء الشركات
خيار عقلاني
واللافت أن هذه الشركات التي آلت على نفسها الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية المهنية لم تسر في المسار جبرًا، وإنما رأت أن السير فيه _على الرغم من الضغوطات الجمة التي يقوم بها جيل الألفية كما أسلفنا قبل قليل_ خيارًا عقلانيًا قحًا لا تمليه الضرورة الربحية والاقتصادية فحسب، وإنما الالتزام الأخلاقي.
فاعتماد المسؤولية الاجتماعية المهنية ليس رغبة في الحصول على الربح، أو استدامة العملاء وكسب ولائهم فحسب، وإنما هو خيار منطقي وعقلاني أيضًا، فمن دون هذا الصنيع لن تكون هناك موارد ليتم استخدامها في علميات الإنتاج.
وعما قريب لن يكون هناك إنسان ينهض بهذا الإنتاج، خاصة إذا نظرنا إلى الآثار السلبية والضارة التي تسببها الممارسات الصناعية غير المسؤولة على صحة الإنسان.
وإزاء كوكب مهنك، وعامل بشري مهددة صحته بالفناء، لم يعد أمامنا بد من انتهاج نهج المسؤولية الاجتماعية المهنية، بما هي تجسير لتلك الهوة القائمة بين الاقتصاد والأخلاق من جهة، واستجابة للضغوطات الجمة التي تطرحها التغيرات الثقافية لأفراد المجتمعات الحديثة على النسق الاقتصادي برمته.
اقرأ أيضًا:
كيف يمكن تحويل العطاء والعمل الخيري إلى روتين؟
تنمية المسؤولية الاجتماعية والارتقاء بأداء الشركات
أهمية المبادرات التطوعية.. كيف تستفيد الشركات؟