يشكل اليوم الوطني السعودي 95، الذي يُحتفل به في 23 سبتمبر 2025 تحت شعار “عزنا بطبعنا”. مناسبةً عزيزةً تتجدد فيها معاني الفخر والاعتزاز بمسيرة بناء وتنمية شاملة. لم تقتصر هذه المسيرة على الجوانب العمرانية والاقتصادية فحسب. بل امتدت لتشمل النهوض بالإنسان والمجتمع.
وفي ظل ذكرى اليوم الوطني السعودي، تتجلى بوضوح الجهود الحثيثة والمبادرات الرائدة التي أطلقتها المملكة لتمكين المرأة. إيمانًا بدورها المحوري كشريك فاعل في بناء مستقبل الوطن، وتحقيق أهداف رؤية 2030 الطموحة.
يستعرض هذا التقرير أبرز الإنجازات والإصلاحات التي شهدتها المملكة في مجال تمكين المرأة على كافة الأصعدة. مسلطًا الضوء على التحولات الكبرى التي رسخت مكانتها كعنصر أساسي في مسيرة التنمية المستدامة. وعززت من مشاركتها الفاعلة في سوق العمل، وصنع القرار، والمجالات الاجتماعية والثقافية. ما يعكس رؤية قيادية حكيمة تضع الإنسان في جوهر اهتماماتها.
إنجازات عالمية ومحلية في تمكين المرأة
تواصل المملكة العربية السعودية تحقيق تقدم ملحوظ في ملف تمكين المرأة على الساحة الدولية والمحلية. ففي الفترة من 2018 إلى 2022. حظيت المملكة بثقة المجتمع الدولي بانتخاب المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لها لعضوية لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة.
كما أحرزت المملكة تقدمًا لافتًا في المؤشرات العالمية. حيث سجلت 80 من أصل 100 نقطة في مؤشر “المرأة، الأعمال والقانون” للبنك الدولي لعام 2021. متفوقة بذلك بكثير على المتوسط العالمي. هذه الأرقام تعكس التزام المملكة الراسخ بدعم المرأة وتوفير البيئة المواتية لازدهارها.
تغييرات تشريعية وثقافية تفتح الآفاق
علاوة على ذلك، تعد التغييرات التشريعية المحورية، التي نذكرها بمناسبة اليوم الوطني السعودي، والتي شهدتها المملكة عاملًا رئيسيًا في تعزيز دور المرأة. وفي هذا الصدد، تشير الإعلامية السعودية وعضو مجلس الشورى سمية الجبرتي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب رئيس تحرير صحيفة وطنية سعودية في عام 2014. إلى أن “هناك أبوابًا ونوافذ في كل مكان الآن للنساء في المملكة، وحيث لا يوجد باب أو نافذة، يتم خلقها”. وفق تصريحات صحفية لها.
وتوضح “الجبرتي” أن موافقة ولي الأمر الذكر على عمل المرأة، ورغم أنها لم تكن مطلوبة قانونيًا، كانت هي القاعدة المتعارف عليها. وتضيف أن “أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في زيادة عدد النساء السعوديات في سوق العمل هو أنه لم يكن أحد يحصي من قبل. لم نكن حتى على الرادار. الآن، وجود نساء في الشركة هو الوسيلة لإظهار كيف يتم تنفيذ التقدم وتسجيله لأي مؤسسة أو معهد.” هذه التصريحات تسلط الضوء على التحول الثقافي والقانوني الذي يدعم حضور المرأة بشكل أوسع وأكثر فعالية.
المرأة السعودية في صلب الثورة التكنولوجية
كما شهدت المملكة مؤخرًا، ونحن نشير الآن إلى اليوم الوطني السعودي، نموًا هائلًا في قطاع التنمية والتكنولوجيا، وكانت المرأة السعودية جزءًا لا يتجزأ من هذا التقدم. وقد حصدت المملكة الجائزة العالمية للمرأة في مجال التكنولوجيا من الاتحاد الدولي للاتصالات. وتحديدًا في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ما يؤكد تميز الكفاءات النسائية.
في عام 2021، بلغت نسبة مشاركة المرأة في قطاع التكنولوجيا بالمملكة 28%، وهي زيادة كبيرة عن السنوات السابقة، وتتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى دمج المرأة في مختلف المجالات. في قطاع الرعاية الصحية، لعبت التكنولوجيا دورًا محوريًا من خلال التطبيب عن بُعد والخدمات الصحية الإلكترونية. ما خلق المزيد من فرص العمل للمرأة. ومنذ إطلاق رؤية 2030. شهدت المملكة زيادة مطردة في مشاركة المرأة في مجال التكنولوجيا. حيث شكلت النساء 36.8% من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بحلول عام 2018، وتجاوزت نسبة النساء الرجال في تأسيس الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا بحلول عام 2021.
فيما يقدر سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المملكة العربية السعودية بأكثر من 40.9 مليار دولار، ويشكل 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وهو السوق الأكبر والأسرع نموًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويعد في وضع جيد ليصبح مركزًا للخدمات التقنية والسحابية، مع إمكانية الوصول إلى الربط الدولي عبر البحر الأحمر والخليج. ما قد يخدم الأسواق الأوروبية والآسيوية والإفريقية.
المرأة السعودية.. قوة دافعة للنمو الاقتصادي المستدام
تشير الأبحاث إلى أن تمكين المرأة يساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي للمملكة العربية السعودية. فالمملكة تواجه نقصًا في سوق العمل المحلية، مقترنًا بارتفاع أجور مواطنيها. ومن خلال دمج المزيد من النساء في القوى العاملة. تتعزز المنافسة. ما يؤدي إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية. ويعزز هذا الإدماج التنوع، ويحفز الابتكار، ويزيد الإنتاجية في مختلف القطاعات. بما يتماشى مع الأهداف الأوسع لرؤية 2030 المتمثلة في تنويع مصادر الدخل الوطني. بالإضافة إلى ذلك تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد. وبالتالي، فإن تمكين المرأة لا يعالج الفجوات في سوق العمل فحسب. بل يضع المملكة في موقع يؤهلها لتحقيق تقدم اقتصادي مستدام.
كما تشير الدراسات إلى أن تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية غالبًا ما يتم تأطيره كإستراتيجية لتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية للبلاد وتعزيز الاندماج في الاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق، وجدت دراسة لمشروع “تكافؤ” الذي أجرته وحدة الأبحاث بجمعية النهضة. أن النساء السعوديات يمثلن 30 بالمائة فقط من إجمالي الموظفين السعوديين في القطاع الخاص. ما يشير إلى وجود مجال للنمو.
2.7 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي
بالإضافة إلى ذلك، تشير دراسة صادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إلى أن سد الفجوة بين الجنسين في القوى العاملة يمكن أن يضيف قيمة كبيرة للاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وعلى وجه التحديد، تشير التقديرات إلى أن تحقيق المساواة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 2.7 تريليون دولار بحلول عام 2025.
ووفقًا لهذا البحث. فإن النهوض بالمساواة بين الجنسين يمكن أن يضيف حوالي 50% إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. ويؤكد هذا التوقع الفوائد الاقتصادية الكبيرة لتمكين المرأة ودمجها بشكل كامل في القوى العاملة والاقتصاد. فضلًا عن ذلك، تشير التقديرات إلى أنه إذا كانت مشاركة المرأة في المملكة العربية السعودية مساوية تمامًا لمشاركة الرجل. فإن ذلك سيعادل زيادة قدرها 586 مليار دولار أو 18569 دولارًا للشخص الواحد.
الاستثمار في المرأة.. مستقبل مزدهر للمملكة
يشكل الاستثمار في المرأة ركيزة أساسية لتحقيق مستقبل مزدهر ومستدام للمملكة العربية السعودية. فمع إثبات العديد من الدراسات ارتباط تمكين المرأة بمكاسب اقتصادية كبيرة. تزداد أهمية إزالة العقبات التي قد تحول دون مشاركتها الكاملة والفعالة في سوق العمل. إن تمكين المرأة لا يقتصر أثره على تحقيق النمو الاقتصادي فحسب. بل يمتد ليشمل بناء مجتمع أكثر إبداعًا وديناميكية، حيث تسهم النساء المتعلمات والمتمكنات في تنشئة أجيال متعلمة وقوية.
علاوة على ذلك، يعزز هذا الاستثمار التماسك المجتمعي من خلال تفكيك الصور النمطية للنوع الاجتماعي وتعزيز قيم المساواة والتفاهم. مما يتيح للمرأة المساهمة بفاعلية في تشكيل المعايير والقيم الثقافية نحو مجتمع أكثر تقدمية وشمولية. وهو ما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع ككل ويضمن مستقبلًا أكثر إشراقًا للمملكة.



