يعد بات جيلسنجر؛ الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنتل، واحدًا من أبرز الشخصيات في عالم التكنولوجيا؛ حيث ترك بصمة واضحة في تاريخ هذه الصناعة العملاقة. إذ عرف جيلسنجر بقدرته على قيادة التحولات الجذرية في الشركات التي عمل بها، كما تميز برؤيته الثاقبة للمستقبل التكنولوجي. فبعد أن انضم إلى إنتل في وقت مبكر من مسيرته المهنية. ساهم في تطوير العديد من التقنيات الثورية التي شكلت الأساس لثورة الحاسوب الشخصية.
علاوة على ذلك، أثبت جيلسنجر قدرته على التعامل مع التحديات المعقدة التي تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى. فقد تولى زمام الأمور في إنتل في وقت حرج؛ حيث كانت الشركة تواجه منافسة شرسة من الشركات الناشئة والصينية. ومع ذلك، نجح جيلسنجر في إعادة إحياء الشركة من خلال التركيز على البحث والتطوير. والاستثمار في التقنيات الناشئة مثل: الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. وفي حين أن البعض شكك في قدرته على تحقيق هذا الهدف. إلا أن جيلسنجر أثبت للعالم كله أن لديه ما يلزم لقيادة واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد باتريك بول جيلسينجر -أحد أبرز الشخصيات في عالم التكنولوجيا- في 5 مارس عام 1961م، في مزرعة بولاية بنسلفانيا الأمريكية. نشأ جيلسينجر في بيئة ريفية هادئة، محاطًا بالطبيعة وعادات المجتمعات الزراعية التقليدية، مثل: الأميش والمينونيت. تلك البيئة البسيطة، بعيدًا عن صخب المدن، ربما تكون قد غذت في نفسه حب الاستكشاف والمعرفة. وشجعته على التفكير خارج الصندوق.
ولم يمض وقت طويل حتى بدت ملامح العبقرية تتضح على جيلسينجر الشاب. فأظهر منذ صغره شغفًا كبيرًا بالتكنولوجيا، وخاصة الإلكترونيات. وفي سن المراهقة، حقق إنجازًا لافتًا بحصوله على درجة عالية في اختبار تكنولوجيا الإلكترونيات بمعهد لينكولن التقني. ما أهله للحصول على منحة دراسية للقبول المبكر في الجامعة.
رحلة مبكرة نحو النجاح
لم ينتظر جيلسينجر طويلًا لبدء مسيرته الأكاديمية والمهنية. ففي سن السادسة عشرة فقط، قرر ترك المنزل والالتحاق بالجامعة، متخطيًا بذلك سنته الأخيرة في المدرسة الثانوية. وهناك، واصل تألقه الدراسي، وحصل على درجة الزمالة من معهد لينكولن التقني. كما عمل في الوقت نفسه كفني في إحدى القنوات التلفزيونية المحلية، ما أكسبه خبرة عملية قيمة.
في مطلع الربع الثالث من عام 1979م، وفي سن الثامنة عشرة فقط، اتخذ جيلسينجر قرارًا مصيريًا بترك دراسته الجامعية مؤقتًا والانتقال إلى وادي السيليكون. وهناك، بدأ العمل في شركة إنتل العملاقة كفني مراقبة الجودة.
ورغم انشغاله بعمله في شركة إنتل، لم ينس جيلسينجر طموحه الأكاديمي، فاستمر في الدراسة وحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة سانتا كلارا بتقدير امتياز. ولم يكتفِ بذلك، بل واصل تحصيله العلمي وحصل على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر من جامعة ستانفورد، إحدى أرقى الجامعات في العالم.
مسيرة حافلة بالإنجازات
بدأ باتريك جيلسينجر مسيرته المهنية في عالم التكنولوجيا في سن مبكرة جدًا؛ حيث انضم إلى عملاق صناعة الرقائق، شركة إنتل، في عام 1979م، مباشرة بعد حصوله على درجة الزمالة. وكانت هذه الخطوة هي البداية لشراكة طويلة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود.
أمضى جيلسينجر معظم حياته المهنية في ولاية أوريجون؛ حيث كان له دور محوري في تطوير العديد من التقنيات الثورية التي شكلت مستقبل الحوسبة. ففي عام 1987، ساهم في تأليف كتاب حول برمجة معالج 80386. ما أظهر براعته في مجال الهندسة والبرمجيات. وفي عام 1989، كان كبير مهندسي معالج الجيل الرابع 80486، الذي حقق نجاحًا كبيرًا في السوق.
وبفضل جهوده المتميزة وإسهاماته الكبيرة، تم تعيين جيلسينجر في سن الثانية والثلاثين أصغر نائب رئيس في تاريخ شركة إنتل، وهو إنجاز غير مسبوق للشباب في ذلك الوقت. وفي عام 2001، وفي ظل قيادة الرئيس التنفيذي أندرو جروف، أصبح جيلسينجر كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة؛ حيث قاد تطورات تكنولوجية رئيسية مثل: تقنيات Wi-Fi و USB ومعالجات Intel Core و Intel Xeon وغيرها من المشاريع الطموحة.
رحلة جديدة وتحديات كبيرة
بعد مسيرة حافلة بالإنجازات في شركة إنتل، قرر جيلسينجر خوض تجربة جديدة، فغادر الشركة في عام 2009 للانضمام إلى شركة EMC كرئيس ومدير عمليات. وفي عام 2012، أصبح الرئيس التنفيذي لشركة VMware.
وفي خطوة مفاجئة وغير متوقعة، عاد جيلسينجر إلى شركة إنتل في فبراير 2021 ليتولى منصب الرئيس التنفيذي. جاء هذا القرار في وقت كانت فيه الشركة تواجه تحديات كبيرة؛ حيث شهدت انخفاضًا في أسعار أسهمها وضغوطًا لإعادة التنظيم.
تصحيح المسار واستعادة الهيبة
أطلق جيلسينجر خطة طموحة لتصحيح مسار شركة إنتل واستعادة مكانتها كرائد في صناعة الرقائق. وشملت هذه الخطة استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وبناء مصانع جديدة في الولايات المتحدة وأوروبا، وتعزيز الشراكات مع الشركات الأخرى. ولاقت هذه الخطة ترحابًا كبيرًا من المستثمرين والمحللين. ما أدى إلى ارتفاع أسهم الشركة بشكل ملحوظ.
وأكد جيلسينجر على طموح شركة إنتل للوصول إلى مستوى المنافسين الرئيسيين في صناعة الرقائق، مثل: TSMC و Samsung. كما أعلن عن خطة لترقية مصنع الشركة في نيو مكسيكو، بالإضافة إلى بناء مصنع جديد بالكامل في ألمانيا. وهو ما يعكس التزام الشركة بالتوسع العالمي وتعزيز سلاسل الإمداد.
ومع ذلك، واجهت هذه الخطة العديد من التحديات؛ حيث عانت الشركة من صعوبات مالية أثقلت كاهلها، وزادت من ديونها. وعلى الرغم من نجاح جيلسينجر في تأمين استثمارات حكومية كبيرة، فإن المستثمرين فقدوا الثقة في قدرته على قيادة الشركة نحو النجاح في ظل المنافسة الشرسة من “إنفيديا”.
إقالة باتريك جيلسينجر من رئاسة إنتل
في خبرٍ أثار دهشةً في أوساط صناعة التكنولوجيا، أعلنت شركة إنتل، في ديسمبر 2024، عن إقالة رئيسها التنفيذي بات جيلسينجر بعد نحو أربع سنوات من توليه المنصب. جاء هذا القرار بعد سلسلة من التحديات والإخفاقات التي واجهتها الشركة خلال الفترة الأخيرة. والتي أثرت بشكل كبير على مكانتها في السوق.
ووفقًا لتقارير إعلامية، فإن مجلس إدارة إنتل اتخذ قرار الإقالة بعد اجتماع طارئ؛ حيث أبدى الأعضاء استياءهم من فشل جيلسينجر في تحقيق الأهداف التي وضعتها الشركة. وعلى رأسها مواجهة المنافسة الشرسة من شركة “إنفيديا” التي حققت تقدمًا ملحوظًا في سوق الرقائق. لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي.
قيادة مؤقتة وتطلعات مستقبلية
وفي أعقاب إقالة جيلسينجر، تم تكليف كل من المدير المالي ديفيد زينسنر ورئيس المنتجات إم جيه هولثاوس بتولي منصب الرئيس التنفيذي المؤقت بشكلٍ مشترك. وذلك لحين التوصل إلى مرشح دائم لهذا المنصب. كما تم تكليف عضو مجلس الإدارة فرانك ياري بدور الرئيس التنفيذي المؤقت.
وفي بيان له، أكد “ياري” ضرورة إعادة هيكلة الشركة لتصبح أكثر كفاءة ومرونة. مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تغييرات جوهرية في استراتيجيات الشركة وأولوياتها.