أثبتت نتائج أبحاث أن التقنية البسيطة التي أطلق عليها الباحثون مصطلح “اليقظة الذهنية”. لديها المقدرة على تغيير أدمغتنا من خلال تعزيز الأداء. الأمر الذي يؤدي إلى أن نصبح أكثر فعالية وأقل توترًا.
فإذا كنت لا تزال تجهل كيفية استخدام وطريقة عمل هذه التقنية النادرة ابقَ معي لتتعرف على المزيد.
جمع باحثون من جامعة “كولومبيا” البريطانية، مؤخرًا، بيانات أكثر من 20 دراسة لفهم كيفية تأثير ممارسة “اليقظة الذهنية” في الدماغ. وبينما وجدوا تغييرات كبيرة في ثماني مناطق بالدماغ. اكتشفوا منطقتين لهما أهمية خاصة بالنسبة لأدمغتنا.
ممارسة اليقظة الذهنية
في هذه المناطق من الدماغ. يؤدي الفعل البسيط أثناء ممارسة “اليقظة الذهنية” إلى زيادة نشاط الدماغ وكثافة أنسجته. وذلك على النحو التالي:
1- القشرة الحزامية الأمامية ACC، وهي المسؤولة عن ضبط النفس. فهي تمكنك من مقاومة عوامل التشتيت، والتركيز، وتجنب الاندفاع من أجل العمل بكفاءة واتخاذ قرارات رائعة. كما أن هذه المنطقة مسؤولة عن مرونة الأشخاص.
في حين ثبت أن أولئك الذين يعانون من مشاكل بهذه المنطقة من الدماغ يلجؤون لاستراتيجيات حل المشكلات غير الفعّالة عندما يتعين عليهم تعديل نهجهم.
2- الحُصين، وهو الجزء المسؤول دون غيره عن المرونة في مواجهة النكسات والتحديات. وهذا الجزء يتضرر بسهولة بسبب الإجهاد. وهو ما يجعله منطقة مهمة لمعظم الأشخاص.
اليقظة الذهنية شكل من أشكال التأمل
تعد اليقظة الذهنية شكلًا بسيطًا وفاعلًا من أشكال التأمل. حيث تمكنك من السيطرة على الأفكار والسلوكيات الجامحة. وتجعل الأشخاص الذين يمارسونها أكثر تركيزًا، حتى عندما لا يمارسون التأمل.
وهي تقنية ممتازة لتقليل التوتر لأنها تسمح لك بالتوقف عن الشعور بفقدان السيطرة. والقفز بين الأفكار، والتفكير في الأفكار السلبية. إنها بشكل عام طريقة رائعة لتجاوز يومك المزدحم بطريقة هادئة ومنتجة.
وعلى نفس النهج الذي تعمل به التمارين التي تزيد من كثافة العضلات. فإن ممارسة اليقظة الذهنية تزيد من كثافة مادة الدماغ وهو أمر مهم. وربما تكون اليقظة الذهنية هي التقنية الوحيدة التي يمكنها تغيير دماغك بهذه الطريقة؛ ما ينتج عنه موجة من التأثيرات الإيجابية الأخرى. ولحسن الحظ يمكنك جني ثمار فوائد اليقظة الذهنية خلال بضع دقائق فقط في اليوم.
أجاب “غاندي” ذات يوم مجموعة من المتابعين الذين سألوه عن جدول أعماله قائلًا: “أنا بحاجة إلى تخصيص ساعة واحدة على الأقل كل يوم للتأمل”. وعلى نفس خطى “غاندي” اعلم جيدًا أن اليقظة الذهنية من الأشياء القليلة جدًا التي تستحق وقتك الثمين. وكلما كنت أكثر انشغالًا كان من المهم أن يكون لديك عقل صافٍ إذا أردت أن تكون منتجًا.
وفي حين يعتقد بعض القراء أنه يجب ممارسة اليقظة الذهنية في جبال “التبت” أو في عطلة نهاية الأسبوع تحت أشجار “السنط”. ولكن روعتها أنها بسيطة للغاية. بحيث يمكنك ممارستها في أي مكان وأي وقت تقريبًا.
إن “اليقظة الذهنية” هي مجرد فعل بسيط يتمثل في تركيز كل انتباهك على الحاضر. وهذا يتطلب منك مراقبة أفكارك ومشاعرك بموضوعية. دون إصدار حكم؛ ما يساعدك في إيقاظ تجربتك والعيش في اللحظة ذاتها. وبهذه الطريقة لن تمر الحياة دون أن تستغلها.
قد يبدو كلامي تجريديًا ومعقدًا بعض الشيء. لذا لندع كل ما سبق ونمضي سويًا لنتعرف على كيفية ممارسة “اليقظة الذهنية” حتى مع جدولك المزدحم.
1- ركز على تنفسك
اجلس على كرسي مريح وقدميك مسطحتين على الأرض. واقضِ بضع دقائق لا تفعل فيها شيئًا سوى التنفس ببطء للداخل والخارج. وركز كل انتباهك على تنفسك، واشعر بالهواء الداخل إلى فمك. ثم إلى القصبة الهوائية، ثم إلى رئتيك، واشعر بجسمك وهو يدفع الهواء خارج رئتيك.
وعندما يبدأ ظهور أفكار تشتت انتباهك عن تنفسك لا تقلق، فقط دعها تمر. وحوّل انتباهك مرة أخرى إلى تنفسك، وبعد بعض الممارسة. يجب أن تكون قادرًا على قضاء بضع دقائق أو عدة دقائق لا تفعل فيها شيئًا سوى الانغماس في عملية التنفس. على حساب كل الأفكار الأخرى.
2- اذهب في نزهة
يمكنك أيضًا ممارسة التأمل بمجرد الذهاب في نزهة. كل ما عليك فعله هو التركيز على كل خطوة، اشعر بخطواتك وساقيك تتحرك وقدميك تلامسان الأرض. وركز على عملية المشي وإحساسك بالأجواء المحيطة بك ومن حولك كالنسيم البارد. أو الشمس الحارقة.
وعندما تشعر بأفكار أخرى تتسلل إلى ذهنك. ركز بشكل أكبر على إحساسك بالمشي. إن التركيز على شيء طبيعي أمر منعش لأنه يغيّر من حالتك الذهنية؛ حيث يوقف تدفق الأفكار التي لا تنتهي وتسيطر عادة على تشتت انتباهك.
ويمكنك أيضًا اتباع الخطوات نفسها عند أداء المهام الروتينية في حياتك. على سبيل المثال: عندما تغسل أسنانك، أو تمشط شعرك، أو تتناول وجبة طعام.
3- اشعر بجسدك
ركز كل انتباهك على ما تفعله دون التفكير في سبب فعل ذلك. أو ما يجب عليك فعله بعد ذلك، وسواء كان ذلك هو نقراتك اللطيفة بأصابعك على لوحة المفاتيح. أو وضعية جلوسك على كرسيك. يمكنك توجيه انتباهك من أفكارك إلى أحاسيسك الجسدية في كل لحظة.
4- كرر شيئًا إيجابيًا عن نفسك
أحد الأهداف الرئيسية لليقظة الذهنية هو إيقاف تدفق الأفكار التي تدور في ذهنك مرارًا وتكرارًا كل يوم. ومن الأمور المضحكة أن إحدى الطرق الرائعة لتحقيق ذلك هي اختيار رسالة قصيرة وإيجابية عن نفسك. وتكرارها مرارًا وتكرارًا مع كل نفس للحفاظ على مسار عقلك.
على سبيل المثال: يمكنك اختيار عبارة رائعة بسيطة وهي “أنا أستطيع”. ومثل هذه البساطة تبقيك ثابتًا في التمرين، وتمنع الأفكار الأخرى من السيطرة عليك. كما أن اختيار العبارة الصحيحة يبني القليل من الثقة؛ ما يجعلك تنغمس في اليقظة الذهنية.
5- قاطع التوتر
إن أي لحظة تشعر فيها بالتوتر، أو الإرهاق، أو الحيرة هي اللحظة المثالية لممارسة اليقظة الذهنية. ما عليك سوى التوقف عما تفعله، وتنثر الأفكار بعيدًا عنك. وتمارس التقنية المفضلة لديك من اليقظة الذهنية سواء كانت التنفس، المشي، أو التركيز على أحاسيس الجسم.
وبعد بضع دقائق من ذلك ستجد فرقًا كبيرًا في تهدئة عقلك وتقليل التوتر. وسوف تندهش من مدى معقولية الأمور بمجرد أن تأخذ بضع لحظات لتصفية ذهنك.
خلاصة القول
وأخيرًا قد تندهش من كل ما قرأته. ولكني أؤكد لك أنه لا شيء يمكن أن يحسن دماغك بالطريقة التي يمكن أن يفعلها “التأمل الذهني”. جربه وسوف تتعجب من نتيجة ممارسته وإلى أين يأخذك.